استمع إلى الملخص
- التعاون الأمني ومكافحة الهجرة: ركزت زيارة وزير الداخلية الجزائري على تعزيز التعاون الأمني، خاصة في مكافحة الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط، مع الاتفاق على تبادل المعلومات لمكافحة الجريمة المنظمة.
- التعاون في مجالات أخرى: تشمل العلاقات بين البلدين التعاون في مجالات الطاقة، إعادة ترحيل المهاجرين، مكافحة تهريب المخدرات، وتسليم المطلوبين، مما يعكس رغبة في تعزيز العلاقات الثنائية.
حل وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، اليوم الاثنين، في إسبانيا، في أول زيارة وزارية منذ الأزمة الدبلوماسية التي طرأت على العلاقات بين البلدين في مارس/ آذار 2022، ما يعكس تجاوز كامل تداعيات الأزمة وآثارها السياسية والاقتصادية وتلك المرتبطة بالتنسيق في القضايا الأمنية.
وأكد وزير الداخلية الإسباني، فرناندو غراندي مارلاسكا، عقب مباحثات أجراها مع نظيره الجزائري في مقر وزارة الداخلية، عن تقدير مدريد "للجهد الأساسي الذي تبذله الجزائر لمكافحة المافيات التي تتاجر بالبشر في أراضيها، والذي سمح بتفكيك عدد كبير من المنظمات الإجرامية من المصدر"، مشيراً إلى أن ملف الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، كان من بين أبرز القضايا التي أثارت الاهتمام خلال هذا الاجتماع.
وخلال الاجتماع الذي حضره مدير عام الأمن الجزائري علي بدوي، ووزير الدولة للأمن الإسباني رافائيل بيريز، والمديرة العامة للعلاقات الدولية والهجرة إيلينا جارزون، جرى الاتفاق على "تكثيف تبادل المعلومات الاستراتيجية والمستقبلية والعملياتية، التي من شأنها تمكين قوات الأمن من توقّع الأنشطة غير القانونية المرتبطة بالجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات".
وقال الوزير الإسباني إنه ناقش مع نظيره الجزائري ترتيبات عقد الاجتماع المقبل للجنة المشتركة لاتفاقية الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، المعمول بها منذ عام 2009، مضيفاً "نتقاسم العديد من المصالح والتحديات المشتركة، مع تحديات مهمة تتطلب اليوم أكثر من أي وقت مضى استجابات مشتركة تقدم حلولاً فعّالة". وأشاد "بالتعاون الممتاز بين البلدين الذي يظهر مستوى الثقة والاحترام المتبادل الذي يدعم تعاوننا الثنائي، وهو أمر مرضي بشكل خاص في مكافحة الإرهاب".
من جهته أكد وزير الداخلية الجزائري أن طبيعة التهديدات الأمنية تتطلب تنسيقاً وتعزيز جاهزية وقدرات الأجهزة الأمنية، داعياً إلى تكثيف التنسيق والتشاور وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية. وأشار إلى أن الجزائر مهتمة بتعزيز التعاون الوثيق بين الأجهزة والمؤسسات المختصة في البلدين في المجال الأمني الذي يستند إلى الاتفاق الثنائي بين حكومتي البلدين، والذي يخص مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، ومحاربة الجريمة العابرة للحدود، لا سيما الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخائر والجرائم السيبرانية والاقتصادية والمتاجرة بالبشر والأعضاء البشرية. وأشار إلى أن من "أبرز التحديات التي تواجه بلدينا ومنطقتنا برمتها منذ سنوات عديدة، تلك المرتبطة بالهجرة غير النظامية".
وتولي إسبانيا والجزائر أهمية خاصة للتعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تظهر السلطات الجزائرية في الفترة الأخيرة حزماً كبيراً ضد شبكات تعمل على خط تهريب المهاجرين غير النظاميين عبر البحر، نتيجة تطبيق تدابير ردعية أقرتها الجزائر، تخص تعزيز حراسة السواحل وتفكيك شبكات الهجرة غير النظامية. ونجحت الجزائر في تفكيك أزيد من عشر شبكات لتهريب المهاجرين وتنظيم رحلات الهجرة غير النظامية عبر البحر منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وفي السياق ستعقد المحكمة الإقليمية في ألميريا الإسبانية، يوم غد الثلاثاء، محاكمة لقائد قارب صغير متهم بقيادة قارب على متنه مهاجرين غير شرعيين من وهران (الجزائر) إلى الساحل الإسباني في يناير/كانون الثاني 2024. وتتهمه النيابة العامة الإسبانية "بارتكاب جريمة تهريب البشر، حيث كان قد نظم الرحلة ليلة 22-23 يناير بعد حصوله على 7000 يورو عن كل شخص، بقارب كان مكتظاً بـ13 شخصاً، ويفتقر إلى الحد الأدنى من شروط السلامة، بهدف الإثراء غير المشروع وتسهيل الدخول غير القانوني إلى الأراضي الإسبانية. وتطلب الحكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات.
وأعلنت وزارة الداخلية الجزائرية أن زيارة مراد تأتي بدعوة من نظيره الإسباني، وتدوم يومين، وتبحث ملفات التعاون الثنائي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، في ملفات التنسيق الأمني وتبادل المعلومات، والهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات واستلام المطلوبين واسترداد الأموال المنهوبة.
وتفجرت أزمة في العلاقات بين الجزائر وإسبانيا في نهاية شهر مارس/ آذار 2022، بعد إعلان مدريد تغيير موقفها من قضية الصحراء وإعلانها دعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب، وهو موقف اعتبرت الجزائر أنه "غير أخلاقي وتنصل من مدريد عن مسؤولياتها التاريخية في النزاع"، وإثر ذلك، استدعت الجزائر سفيرها للتشاور، وانقطعت الزيارات السياسية بين البلدين، وبقيت الاتصالات عند الحد الأدنى، كما خُفض مستوى التعاملات التجارية وعرقل توريد البضائع والسلع والمنتجات الاسبانية بنحو 93% حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022، كما كانت الخارجية الجزائرية قد اتهمت الحكومة الإسبانية بعرقلة انعقاد مجلس الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
وقبل زيارة وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد إلى مدريد، كان وزيرا الخارجية الجزائري والإسباني أحمد عطاف وخوسيه مانويل ألباريس قد التقيا للمرة الأولى منذ الأزمة في مارس 2022، على هامش أعمال الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين في جوهانسبورغ. وقبل ذلك، كانت السلطات الجزائرية قد قدمت مساهمة فعّالة لتحرير المواطن الإسباني نافارو كانادا خواكيم في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي كان قد اختطف من قبل مسلحين قرب الحدود المالية الجزائرية، وحُرّر بتدخل من الجزائر.
وتؤشر زيارة وزير الداخلية الجزائري إلى مدريد ولقاء عطاف بألباريس إلى تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين والعودة إلى نسق العلاقات ما قبل الأزمة، خاصة أن الجزائر كانت قد أعادت إرسال سفيرها إلى مدريد بعد 19 شهرا من إبقاء السفارة من دون سفير.
وأعرب المحلل السياسي الإسباني ريكاردو غونزاليس، خلال حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده أن "إسبانيا والجزائر بصدد طي كامل للأزمة وتداعياتها"، مضيفًا: "زيارة وزير الداخلية تعكس بوضوح هذا الاتجاه، وفقا لرغبة مشتركة... في الواقع، لم تكن هناك خلافات عميقة بين الجزائر ومدريد مقارنة مع الأزمة بين الجزائر وفرنسا، ما عدا الموقف الإسباني من قضية الصحراء، وأعتقد أن الجزائريين يعتبرون أن خطاب رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز في الأمم المتحدة في 22 سبتمبر/ أيلول 2023، عندما تبنى الدعوة إلى حل سياسي ومقبول للطرفين في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، كان كافيا لإزالة أسباب الأزمة.. هذا موقف حكيم من قبل الحكومة الإسبانية، لأن العلاقة مع الجزائر حيوية، خاصة في مجال الطاقة والتمون بالغاز".
وعن الملفات التي تجمع البلدين، قال المحلل السياسي لخضر عابد، خلال حديث مع "العربي الجديد": "إضافة إلى ملف الطاقة، تبرز ثلاثة ملفات رئيسة في العلاقة والتعاون بين قطاعي الداخلية للبلدين، هي ملف الهجرة غير النظامية، حيث تنظر مدريد بعين الرضا إلى الجهد الجزائري الكبير في مجال محاربة الهجرة غير النظامية والحد من إقلاع القوارب باتجاه السواحل الإسبانية، كما يتعاون البلدان في مجال إعادة الترحيل، وفي ملف مكافحة تهريب المخدرات، خاصة الهيرويين والكوكايين، القادمة من أميركا اللاتينية، كما تبدي مدريد تعاونا كبيرا مع الجزائر في ملفي تسليم المطلوبين للقضاء الجزائري، وفي ملف استرداد الجزائر الأموال المنهوبة والعقارات الناتجة عن تهريب الأموال"، مشيرا إلى أن هذا التعاون الإسباني كان من بين العوامل التي سهلت تحييد الأزمة بين البلدين.