أول مركز تسوية في إدلب: هل اقترب موعد حوار دمشق وأنقرة؟

أول مركز تسوية في إدلب: هل اقترب موعد حوار دمشق وأنقرة؟

07 سبتمبر 2022
استعاد النظام خان شيخون في منتصف 2019 (ماهر المونس/فرانس برس)
+ الخط -

فتح النظام السوري، أول من أمس الإثنين، مركز تسوية في إدلب، شمالي سورية، وتحديداَ في مدينة خان شيخون، للمطلوبين للأجهزة الأمنية التابعة له، يعد الأول من نوعه في المنطقة. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تأتي استكمالاً لسياسة ينتهجها النظام منذ سنوات، من دون أن تحقق نجاحات بسبب انعدام الثقة به وبتسوياته من قبل معظم السوريين، إلا أن توقيت فتح المركز في جنوب إدلب يثير تساؤلات حول الهدف الحقيقي للنظام ومدى ارتباط ذلك بمؤشرات التقارب بين أنقرة ودمشق في الآونة الأخيرة.

وجاء افتتاح مركز "التسوية" بعد تصريحات توالت من وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، تطرقت إلى علاقة أنقرة بالنظام، بما في ذلك حديثه عن ضرورة "المصالحة بين النظام والمعارضة السورية"، فيما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أيضاً، في 19 أغسطس/آب الماضي، إنه "يتوجب علينا الإقدام على خطوات متقدمة مع سورية".

وقال محافظ إدلب المعيّن من النظام ثائر سلهب، الأحد الماضي، إن التسوية تشمل "الفارين والمتخلفين من الخدمتين الإلزامية والاحتياطية والمدنيين المطلوبين"، مشيراً إلى أن "المركز يُعنى بتسوية أوضاع المقيمين داخل سورية وخارجها من أبناء المحافظة في حال العودة". وبحسب قوله، فإن المنشقين عن قوات النظام "لا يترتب عليهم بعد التسوية أي مساءلة".

محمد سالم: يحاول النظام التماهي مع الوساطات الروسية

وحضرت افتتاح المركز، الإثنين، شخصيات أمنية وعسكرية من النظام السوري، على رأسها اللواء حسام لوقا، مدير إدارة "المخابرات العامة" (أمن الدولة)، والذي يتولى ملف المصالحات في عموم سورية. ونقلت صحيفة "الوطن" أمس عن سلهب قوله إنه تمّت تسوية أوضاع 30 شخصاً منذ افتتاح مركز خان شيخون.

وكان النظام السوري استعاد السيطرة على خان شيخون في منتصف 2019 تحت غطاء ناري روسي وبمساندة من المليشيات الإيرانية، بعدما دمّر معظم المدينة. ومنذ ذلك الحين، تتعرض خان شيخون إلى عمليات "تعفيش" ونهب واسعة النطاق من قبل مجموعات مرتبطة بكبار الضباط في قوات النظام المسيطرة على المنطقة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وكان النظام ارتكب مجزرة بغاز السارين المحرم دولياً في مدينة خان شيخون في عام 2017، راح ضحيتها نحو 100 من المدنيين، بينهم 32 طفلاً و23 امرأة.

وهجّرت قوات النظام أهالي ريفي إدلب الجنوبي والشرقي خلال حملات واسعة النطاق، في عامي 2019 و2020، إلى مخيمات الشمال السوري في ريف إدلب الشمالي، وإلى ريف حلب الشمالي، حيث يعانون من ظروف معيشية صعبة.
ويقع ما تبقى من محافظة إدلب خارج سيطرة النظام، وتحت نفوذ تركيا التي تحتفظ بحضور عسكري واسع في الشمال الغربي من سورية.

وانتهج النظام السوري منذ عام 2018 سياسة "التسويات" من خلال فتح مراكز في مختلف المناطق التي استعاد السيطرة عليها، إلا أن هذه المراكز لم تجتذب إلا عدداً محدوداً من السوريين، جلّهم ليسوا مطلوبين أصلاً للأجهزة الأمنية.

وتعرض المئات من الأشخاص الذين أجروا تسويات مع النظام لاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية، والتي عذبت بعضهم، وخصوصاً من محافظة درعا جنوبي البلاد، حتى الموت. كما اعتقل النظام أخيراً العديد من الشبّان الذين عادوا إلى سورية من تركيا، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن مراكز التسويات ما هي إلا كمائن للمطلوبين للأجهزة الأمنية.

ومن الواضح أن التسويات التي يجريها النظام هي ذات أهداف دعائية بالدرجة الأولى، إذ إن أغلب السوريين فقدوا الثقة بالنظام وتسوياته التي لا قيمة قانونية لها لدى أجهزته الأمنية المتعددة. كما يُنظر إلى هذه التسويات كمحاولة من النظام للتهرب من استحقاقات العملية السياسية، التي تقوم على قرارات دولية واضحة تدعو إلى حل سياسي يضمن انتقالاً سياسياً وكتابة دستور وإجراء انتخابات.

عبد الكريم العمر: النظام يحقد بشدّة على أهالي إدلب

وكان رأس النظام السوري بشار الأسد أصدر، في مايو/أيار الماضي، العفو الـ19 منذ انطلاق الثورة السورية، ورُبط يومها بين العفو ورغبة النظام في التغطية على مجزرة التضامن (2013) التي ارتكبتها أجهزته الأمنية (وسّربت تسجيلات لها ونشرت تقارير حولها في مايو الماضي)، حيث لم يشمل سوى مئات الأشخاص، بعضهم اعتقل قبل إصدار العفو بقليل.

وأشار الناشط السياسي عبد الكريم العمر، الموجود في ريف إدلب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النظام يحاول من خلال افتتاح مراكز التسويات، وآخرها في خان شيخون، إيهام السوريين والعالم بأنه يمنح العفو لمعارضيه وأنه الوعاء الوطني الذي يضم الجميع". وتابع: "لكن الحقائق على الأرض تُخالف ذلك تماماً، فكثيرون عادوا إلى مناطق النظام السوري واعتقلوا من قبل الأجهزة الأمنية التي لا تعترف أصلاً بنتائج هذه التسويات. هذه مراكز احتجاز وليست مراكز تسوية".

وأكد العمر أن مركز خان شيخون "لن يستقطب أحداً من أبناء محافظة إدلب الموجودين في الشمال السوري"، بل رأى أن إعلام النظام "سيعرض كعادته نفس المسرحية عن إقبال مزعوم على هذه المراكز من خلال جلب الشبيحة وعناصر الدفاع الوطني وتصويرهم على أنهم مواطنون عادوا من مناطق المعارضة أو من تركيا". وأكد الناشط من ريف إدلب أن "هناك حقداً كبيراً من النظام على أهالي إدلب وكل من يقيم في مناطق سيطرة المعارضة، ومن ثم لن يذهب أحد من هذه المناطق إلى مركز التسوية في خان شيخون على الإطلاق".

ولا يرى العمر أي رابط بين افتتاح مركز خان شيخون وبين التقارب المحتمل بين النظام والجانب التركي، مشيراً إلى أن النظام "دأب على افتتاح مراكز تسويات في كل المناطق التي استعاد السيطرة عليها في كل سورية، وهو بات عاجزاً عن توفير أدنى مقومات الحياة للسوريين الخاضعين لسيطرته". وأكد أن "هذا النظام دموي لا يمكن التصالح معه".

من جهته، اعتبر مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري" محمد سالم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن افتتاح مركز "تسوية" في خان شيخون "محاولة من نظام الأسد للتماهي الظاهري مع المبادرات والوساطات الروسية سواء، مع تركيا أو غيرها". وأشار إلى أن الجانب الروسي "يطرح مسألة النازحين واللاجئين ويتحدث عن قيام النظام بافتتاح مراكز إيواء للعائدين أو مراكز تسوية، بينما الواقع يؤكد أن لا ضمانات لمن يقوم بالتسوية".

 

المساهمون