أولويات تركيا في مرحلة ما بعد سقوط الأسد: العملية الانتقالية وشرق الفرات

10 ديسمبر 2024
سوريون خلال عودتهم من تركيا، 8 ديسمبر 2024 (أوزان كوز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه تركيا تحديات جديدة بعد سقوط نظام الأسد، حيث يتعين عليها تحديد استراتيجيتها في العملية الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية والوضع في شرق الفرات، مع التركيز على الحوار وخفض التصعيد.

- تسعى تركيا لدعم تشكيل حكومة شاملة في سوريا، مع التركيز على المصالحة الوطنية وإعادة بناء البلاد، وتؤكد على عدم شرعية أي امتداد لحزب العمال الكردستاني في سوريا، مع التنسيق الدولي لدعم الاستقرار وعودة اللاجئين.

- تركز تركيا على الانتقال السلمي، تأمين عودة المهجرين، والوضع في شرق الفرات، وتسعى للتعاون مع المجتمع الدولي في إعادة الإعمار، مع الحفاظ على أمنها القومي وملاحقة التنظيمات الإرهابية.

بقدر ما يشكل سقوط نظام بشار الأسد في سورية عاملاً من شأنه أن يعزز من النفوذ التركي الإقليمي نظراً للأدوار المتعددة التي أدتها على مدى أكثر من عقد داخل سورية، سواء سياسياً عبر دخولها مسار أستانة عام 2017 مع الدول الضامنة إيران وروسيا، أو عسكرياً من خلال دعم فصائل المعارضة لا سيما "الجيش الوطني" المعارض، أو من خلال استضافتها نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري، فإن تبدل المشهد العسكري والسياسي بعد سقوط الأسد على هذا النحو المتسارع من شأنه أن يفرض عليها تحديات ومسؤوليات بشأن النهج الذي ستختاره لدورها خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ما يتعلق بطبيعة تدخلها في العملية الانتقالية وإمكانية مساهمتها في إنجاحها أو إفشالها، في ظل ملفات عديدة تعني تركيا في سورية، في مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والوضع في شرق الفرات.

ولم يكن موقف تركيا واضحاً في بداية العملية العسكرية التي أطلقتها الفصائل في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أن يشهد تبدلات عدة مع تسارع تقدم الفصائل وسيطرتها على محافظة حلب بالكامل وبقية محافظة إدلب وسارت بالتدريج لتصل دمشق مروراً بحمص وحماة.

وبعدما كانت أنقرة تنأى بنفسها عن العملية عمدت مع تقدم الفصائل، وعبر تسريبات، إلى ربط العملية بمناطق خفض التصعيد فقط، وذهبت في الاتصالات والمباحثات التي سبقت سقوط الأسد إلى التأكيد على أهمية خفض التصعيد والحوار مع المعارضة، قبل أن تعيد في الساعات الأخيرة قبل سقوط الأسد التذكير برفضه يد الحوار التي مدتها إليه، ومشددة على أن مرحلة جديدة تدار بهدوء. مع العلم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان صرح قبل أكثر من شهر أن "تركيا تعمل على توفير الحماية على طول حدودها الجنوبية وتأمينها وتنتظر بهذا الصدد بشريات قادمة"، حيث توقفت الأوساط المتابعة كثيراً عند كلمة البشريات الجديدة والقصد منها، وهو ما عزز التكهنات لاحقاً بأن هناك خططاً كان يتم تحضيرها.

فيدان: تطورات سورية أعطتنا بصيص أمل

وفي أحدث التصريحات الرسمية، قال وزير الخارجية هاكان فيدان، في كلمة بأنقرة أمس الاثنين: "أعطتنا التطورات في سورية بصيص أمل، ونتوقع من الجهات الفاعلة وخاصة الأمم المتحدة، أن تتواصل مع الشعب السوري وتدعمه في تشكيل حكومة شاملة". وأضاف: "كما تعلمون قلنا منذ البداية إن الحل الدائم والسلام والاستقرار في سورية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المصالحة الوطنية، ورغم كل جهودنا والفرص التي أتيحت له، لم يصنع النظام السلام مع شعبه". وتابع: "بدأت حقبة جديدة في سورية، ومن الضروري الآن التركيز على المستقبل. نرغب في سورية حيث تعيش المجموعات العرقية والدينية المختلفة في سلام وفي ظل فهم شامل للحكم، سورية جديدة تتمتع بعلاقات جيدة مع جيرانها، وتحقق السلام والاستقرار في منطقتها، ونحن على استعداد لتقديم الدعم اللازم لذلك، ولهذا نواصل الحوار والتنسيق اللازم مع كافة الأطراف، وخاصة الجهات الإقليمية الفاعلة".

فيدان: نرغب في سورية حيث تعيش المجموعات العرقية والدينية المختلفة في سلام

وقبلها بيوم أفاد فيدان، في مؤتمر صحافي بالدوحة، بأن "الشعب السوري سيعيد رسم مستقبله، اليوم لدينا أمل، الشعب السوري لا يمكنه لوحده تحقيق ذلك، على المجتمع الدولي دعمه". وبخصوص اللاجئين السوريين، ذكر فيدان أنه "يمكن الآن لملايين السوريين الذين اضطروا لمغادرة بلادهم العودة إليها"، وأكد على ضرورة هيكلة الإدارة الجديدة لسورية بطريقة منظمة، وعدم التنازل أبدًا عن مبدأ احتضان الجميع، قائلاً: "الوقت قد حان لتوحيد وإعادة بناء سورية". وأكد أن تركيا ستواصل مع دول الجوار العمل مع الإدارة الجديدة بسورية، مستغلة كل القدرات المتوفرة من أجل إعادة بناء هذا البلد، مشدداً على أنه لا يمكن اعتبار أي امتداد لحزب العمال الكردستاني طرفاً شرعياً بأي شكل من الأشكال في سورية، ولا يمكن أن يكون طرفاً نتفاوض معه في المحادثات المتعلقة بسورية، ومن يقودون "قسد" ليسوا سوريين، وإن الجميع يعرف ذلك.

ساعات حاسمة قبل سقوط الأسد

وقبيل سقوط الأسد بساعات كان فيدان التقى مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف، والإيراني عباس عراقجي، وهي الدول الضامنة في الدوحة السبت الماضي، وأجرى لقاءات أخرى على هامش مشاركته في منتدى الدوحة. ونقلت وكالة الأناضول الرسمية عن مصادر في الخارجية تأكيد وزراء الخارجية للدول الضامنة على ضرورة استئناف العملية السياسية في سورية ودعم وحدة وسلامة أراضيها، فيما أفاد أردوغان في اليوم ذاته بأن "تركيا لا يمكنها أن تتغاضى عن التطورات في بلد لها معه حدود بطول 910 كيلومترات، وأنه لا أطماع لها في أراضي أي دولة، ونتمنى أن تجد جارتنا سورية السلام والهدوء اللذين تتوق إليهما منذ 13 عاما".

وعزز تباين التصريحات التركية منذ بدء الحملة التي أدت إلى سقوط الأسد الاعتقاد بوجود تنسيق مع تركيا ضمن استراتيجية قامت على المماطلة من أجل انعقاد اجتماع الدول الضامنة. ولحين ذلك، والحديث عن الانتقال السياسي وحوار النظام والمعارضة، تمكنت الفصائل المعارضة المسلحة من قلب الأمور ميدانياً.

وبهذا الصدد قالت مصادر دبلوماسية تركية، لـ"العربي الجديد"، إن "الاستخبارات التركية نسقت مع فصائل المعارضة المسلحة في الفترة السابقة، دون أن يكون هناك دور مباشر للجيش التركي، حيث لم تتدخل المدفعية بشكل كبير، ولم يدخل الطيران المُسير بشكل فعال، وبالتالي كان التنسيق يتم عبر الاستخبارات. لكن المفاجئ كان الانهيار السريع لقوات النظام وتراجعها، وهو ما قاد إلى هذه المرحلة، فضلاً عن التنسيق مع الدول المعنية إزاء التطورات التي حصلت". وتشترك تركيا مع سورية بحدود تبلغ نحو 913 كيلومتراً، وهي أطول حدود للبلاد مع دولة أخرى، وكانت من أكثر الدول تأثراً بما جرى خلال سنوات الحراك الشعبي.

تركيا تركز على شرق الفرات

إسماعيل جوكتان: نقطة التركيز بالنسبة لأنقرة ما زالت الوضع الحالي في منطقة شرق الفرات

وقال الكاتب والصحافي إسماعيل جوكتان، لـ"العربي الجديد": "أعلنت تركيا منذ بداية العملية العسكرية من قبل المعارضة في سورية أنها تسعى لحماية وحدة البلاد، بينما لم تعلن دعمها بوضوح دعمها للعملية حتى أصبحت قوات المعارضة على مشارف دمشق. ونقطة التركيز بالنسبة لأنقرة ما زالت هي الوضع الحالي في منطقة شرق الفرات". واعتبر أنه بعد انسحاب روسيا من منبج وسقوط الأسد وسيطرة فصائل المعارضة على منبج "نستطيع القول إن لتركيا ثلاثة ملفات أساسية في المرحلة الحالية، الأولى هي الانتقال السلمي دون السماح بحدوث أي فوضى تتسبب بموجة نزوح جديدة، أو تعيق عودة السوريين بشكل آمن، والثانية تأمين استمرار عودة المهجرين إلى سورية بشكل آمن، والثالثة هي التركيز على الوضع في شرق الفرات. وأعتقد أن تركيا ستنتظر الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة لتقوم بمفاوضات معها من أجل انهاء وجود المليشيات الإرهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني، ومن ثم القيام بعملية عسكرية بالمشاركة مع فصائل المعارضة المسلحة".

وعن الخطط التركية المستقبلية في الإدارة والحكم بعد سقوط الأسد قال إن "تركيا لا تريد التدخل مباشرة بعملية الانتقال السياسي في دمشق، بل ستنسق مع المجتمع الدولي والدول العربية في هذا الشأن. وبالنسبة للإدارة العسكرية فتركيا شددت بشكل واضح على أنها لن تنسحب من سورية حتى إنهاء وجود التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً على أمنها، وستستمر بملاحقة حزب العمال الكردستاني". وأضاف: "أعتقد أن تركيا هي القوة الوحيدة في المنطقة التي تملك البنية التحتية لإعادة الإعمار، لكنها تحتاج لدعم غربي وعربي من أجل ذلك، وعندما نأخذ بعين الاعتبار العلاقات التركية مع الشعب السوري، وهي استضافت أكبر عدد من اللاجئين السوريين على أراضيها، يمكننا القول إنها أكثر من تستحق المساهمة في إعادة الإعمار مع الشعب السوري نفسه".

وتابع: "طبعاً هناك عدد كبير من اللاجئين عادوا إلى سورية، لكن معظم السوريين ما زالوا ينتظرون المرحلة الانتقالية. تركيا تسعى لإعادة ما يمكن إعادتهم بالتوازي مع الحفاظ على أمن الحدود والاقتصاد، حيث تدرك أنقرة تماماً أن حل أزمة اللجوء مهمة جداً بالنسبة للمستوى السياسي، لكنها أيضا تدرك مساهمة اللاجئين في الاقتصاد ولا تريد أن تفقد هذه القوة".

من جهته قال الكاتب والباحث عمر أوزقزلجك، لـ"العربي الجديد"، إن "السوريين هم من سيحددون مستقبل بلادهم، وبالتأكيد سوف تلعب تركيا دوراً داعماً هنا، ومع ذلك لا تستطيع تركيا أن تتعامل مع سورية بالطريقة التي كانت تتعامل بها إيران، ولا أن تتبنى مثل هذا النهج على أي حال، حيث إن تركيا واحدة من أكثر الجهات الفاعلة تأثيراً وموثوقية في سورية لسنوات، وبينما تركت دول أخرى السوريين وشأنهم، واصلت تركيا الوقوف إلى جانبهم". وأضاف أن "الدور الذي لعبته تركيا في هذا الصدد على مر السنين واضح للغاية، ويتمتع اللاجئون السوريون بثقة عالية في تركيا، وستلعب تركيا الدور الأهم في عملية إعادة هيكلة سورية وتعزيز هيكل الدولة واستعادة البلاد، ومع ذلك، ستكون هناك بعض المراحل في عملية عودة اللاجئين السوريين. سيكون هناك من يعود بتأثير الموجة الأولى لما حصل، وبعد ذلك ومع تشكيل حكومة انتقالية واستعادة جو الثقة في سورية سيعود المزيد من الناس، وسوف تتسارع هذه العملية مع تطبيق تركيا لبعض السياسات التي تشجع العودة". وتابع: "رغم ذلك ستستغرق عمليات العودة هذه بعض الوقت. وعلى الرغم من عودة معظمهم، إلا أن بعض اللاجئين السوريين قد يظلون في تركيا، بالإضافة إلى ذلك ومع عودة السوريين الذين تعلموا اللغة التركية إلى سورية، سيظهر عدد كبير من السكان الناطقين باللغة التركية في سورية، كل هذه التطورات ستعزز مكانة تركيا باعتبارها الدولة الأجنبية الأبرز في سورية".

من جهته قال بول سالم، نائب رئيس "معهد الشرق الأوسط" ومركزه واشنطن، لوكالة رويترز، إنّ "تركيا، باعتبارها الداعم الرئيسي للمعارضين، هي الرابح الأكبر في المنطقة" من سقوط الأسد لكنّه أشار إلى أنّه في الوقت الذي تغرق فيه سورية في المجهول، فإنّ "هذا النجاح يحتم (على أنقرة) مسؤولية المشاركة في عملية انتقالية ناجحة". أما غونول تول، مديرة برنامج تركيا في "معهد الشرق الأوسط"، فاعتبرت أن "تركيا ستتمتّع بتوازن أفضل للقوى في علاقاتها مع روسيا"، مشيرة إلى أنّ الحرب في سورية جعلت أنقرة "ضعيفة" أمام موسكو، إذ كانت تخشى حتى الأمس القريب أن يؤدّي القصف الجوي الروسي على شمال غرب سورية إلى تدفّق أعداد إضافية من اللاجئين السوريين إلى حدودها. بدوره، قال سونر كاغابتاي، الخبير في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، إنّه بعد سقوط الأسد فإنّ "نفوذ تركيا في دمشق سيزداد على حساب إيران وروسيا"، لكنه اعتبر أن التحدّي أمام أنقرة اليوم يكمن في مساعدة هيئة تحرير الشام التي قادت الفصائل المعارضة في الهجوم الذي أدى إلى سقوط الأسد على "كسب اعتراف دولي" و"التخلّص من روسيا وإيران". واعتبر أن "الأمر لن ينجح إذا ما تصرّفت تركيا كما لو أنها الحاكم الجديد لسورية".