استمع إلى الملخص
- منذ توليه المستشارية، واجه شولتز انتقادات بسبب سياساته تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا وسياسات الهجرة، بالإضافة إلى تراجع الاقتصاد الألماني، مما زاد من الضغوط على حكومته الائتلافية.
- مع اقتراب الانتخابات المبكرة، تراجعت شعبية شولتز وسط تساؤلات حول قدرته على قيادة الحزب الاجتماعي الديمقراطي، في ظل التحديات الداخلية والخارجية وصعود اليمين المتطرف.
لا شك أن المستشار الألماني اليساري الوسطي من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، أولاف شولتز، يملك مسيرة سياسية طويلة، إلى جانب ولائه لحزبه، رغم أن رياح الانتخابات البرلمانية المبكرة اليوم الأحد، غير مبشرة لناحية ما يمكن أن يحققه الحزب عند حد الـ15-16% وفق استطلاعات الرأي. منذ اختير نهاية 2021 مستشاراً للبلاد، وورث حكماً طويلاً امتد إلى عقد ونصف العقد من مستشارية يمين الوسط في التحالف الديمقراطي المسيحي بزعامة أنجيلا ميركل، كانت شعبية الرجل تشهد هبوطاً وصعوداً، حتى حين انفرط عقد ائتلافه مع حزبي الخضر و"الديمقراطي الحر"، ولاحت في الأفق الانتخابات المبكرة، تزايدت الشكوك بشأن قدرة أولاف شولتز على منافسة مرشح "الديمقراطي المسيحي" فريدريش ميرز.
التمسك بترشيح أولاف شولتز
فضّل البعض في حزبه والجمهور المؤيد لتوجهات الاجتماعيين الديمقراطيين الدفع بشخصية أخرى نحو المواجهة. بعضهم فضّل وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، بينما أراد آخرون الحفاظ على أولاف شولتز باعتباره يمثل "الخبرة" الحكومية في مقابل اتهام ميرز بأنه لا يملكها. بدأ شولتز مسيرته السياسية في مرحلة شبابه عام 1975، بالتحاقه بمنظمة شباب "الاجتماعي الديمقراطي" (جوسو). وشولتز من مواليد 14 يونيو/حزيران 1958 في أوسنابروك، انتقل إلى هامبورغ، ليدرس فيها الثانوية. في عام 1982 عزز مسيرته السياسية في حزبه، مركزاً اهتمامه على هامبورغ، ومعارضة التسلح والأسلحة النووية. أنهى في عام 1984 دراسة القانون، وأصبح في العام التالي محامياً.
تولى بعد ذلك منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي بين 1987 و1989، ثم انتخب في مجلس شيوخ هامبورغ في 2001، واختير عام 2002 أميناً عاماً للحزب. وفي 2005 أصبح السكرتير البرلماني للمجموعة البرلمانية للحزب الاجتماعي الديمقراطي. وبين 2007 و2009 كان وزيراً في حكومة ميركل الائتلافية للشؤون الاجتماعية والعمل، وبين 2011 و2018 انتخب عمدة لهامبورغ. منذ أن أصبح نائباً لميركل ووزيراً للمالية في 2018، كانت عيناه تركزان على اختيار حزبه له لمنصب المستشارية بعد أن أبدت ميركل رغبة في الانسحاب من الحياة السياسية. قاده طموحه نهاية 2021 إلى هزيمة مرشح يمين الوسط، أرمين لاشيت، ليكون أول مستشار من معسكر يسار الوسط بعد غياب 16عاماً عن المنصب لصالح المحافظين في "الديمقراطي المسيحي".
تعرضت حكومة شولتز لانتقادات في ملفي أوكرانيا والهجرة
رغم نجاح حزبه في انتخابات 2021، بتحقيق أكثر من 25%، وتشكيله حكومة ائتلافية مع "الخضر" والليبراليين، كانت بداية ولايته في خضم جائحة كورونا وتداعياتها. ثم بعد أشهر، وفي فبراير/شباط 2022، صُدمت ألمانيا وأوروبا بالغزو الروسي لأوكرانيا، وسط انتقادات طاردته بسبب قراءة سياساته وصفت على أنها "مترددة"، حول هذا الملف. التصويب على حكومة أولاف شولتز منذ 2022 لم يتوقف، وسط كفاح الاقتصاد الألماني للخروج من أزمات صعبة، خصوصاً القطاع الصناعي. كذلك شكلت سياسات الهجرة أحد أهم عناوين الانتقادات الموجهة إلى شولتز، فيما استغل ميرز على الدوام هذه القضية للتصويب على حكومته الائتلافية.
إلى جانب ذلك اتُّهم شولتز بعجزه عن تحقيق حتى سياسات حزبه لناحية مكافحة الفقر في أقوى الاقتصادات الأوروبية. ففي العامين 2023 و2024 انخفض الناتج الإجمالي في ألمانيا بنسبة 0.2 و0.3% على التوالي. وخلال فترة واحدة من عودة "الاجتماعي الديمقراطي" إلى الحكم بعد 16عاماً من حكم يمين الوسط بزعامة ميركل، لا يبدو أن الرجل استطاع، مع تراكم تلك المشكلات والعقبات، مع غيرها الكثير، بما في ذلك زيادة شعبية ذلك اليمين واليمين القومي المتشدد، أن يرسخ الإنجاز الذي حققه في نيل تأييد نحو ربع الناخبين الألمان في انتخابات 2021.
شعبية شولتز
اليوم، ومع اضطراره إلى خوض الانتخابات المبكرة، من دون أن يعني أنه لو عقدت الانتخابات بعد نصف سنة أي في موعدها المقرر في سبتمبر/أيلول القادم، كانت الأمور ستكون مختلفة على مستوى شعبية الرجل المتراجعة حتى قبل انفراط عقد حكومته الائتلافية، يبدو أنه أصبح أقل شعبية حتى في حزبه. في كل الأحوال، قد يكون من المجحف اعتبار شولتز من قبل معارضيه، ومحاولة الصحافة بانتقائية إظهاره معزولاً عشية الانتخابات اليوم، وكأنه مسؤول عن فشل سياسات الهجرة. فتلك الأزمة نشأت في فترة حكم ميركل، وفي كنف حزب ميرز "الديمقراطي المسيحي".
المسار السياسي الطويل لأولاف شولتز لن تحدده فقط صناديق الاقتراع بل أيضاً أروقة حزبه الاجتماعي الديمقراطي
وفي منتصف الطريق نحو الانتخابات برزت معضلة قديمة ـ جديدة في طريق شولتز، وألمانيا، تتعلق بعلاقة بلاده بالحليف الأميركي. يعني ذلك أنه أي سواء بقي أو غادر، فإن التحدي الذي تواجهه العلاقة عبر الأطلسي تبدو كحبة بطاطا ساخنة جداً على "الاجتماعي الديمقراطي". ولعل المراهنة على أن تكون أقل سخونة عند المحافظين في "الديمقراطي المسيحي" تلعب دورها في اختيار البعض التصويت لغير شولتز، مدركين كارثية الحرب التجارية مع واشنطن وتصدع العلاقة التاريخية بها. في نهاية المطاف فإن المسار السياسي الطويل لأولاف شولتز لن تحدده فقط صناديق الاقتراع اليوم، بل أيضاً أروقة حزبه الاجتماعي الديمقراطي، التي تنظر بأسى ربما إلى خسائرها المتتالية، على مستويات بعض الولايات، صيف العام الماضي، وعلى المستوى الفيدرالي الآن، للخوض في الإجابة عن سؤال مصيري: هل يبقى شولتز للعودة بعد أربع سنوات أم يستبدل بشخصية أكثر كاريزماتية وجاذبية وتسويقاً للمشروع الاجتماعي الديمقراطي، قبل أن تتعمق الخسارة إلى مستوى يصبح حزباً مغموراً مثل "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، استطاع إزاحته عن قائمة متقدمة من حيث شعبية الأحزاب العريقة في ألمانيا.