أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا: مصير معلّق بعد 13 عاماً على الانفصال

أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا: مصير معلّق بعد 13 عاماً على الانفصال

06 اغسطس 2021
أدت الحرب في 2008 إلى سقوط ضحايا كثر (فرانس برس)
+ الخط -

قبل أيام من الذكرى السنوية الـ13 للحرب بين روسيا وجورجيا (بين 7 أغسطس/ آب 2008 و12 منه)، عادت قضية جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليتين إلى الواجهة، مع مطالبة سبع دول من أعضاء مجلس الأمن الدولي، روسيا بـ"سحب قواتها العسكرية والأمنية من دون تأخير من جورجيا". كما طالبت بسحب اعترافها باستقلال الإقليمين الانفصاليين، اللذين لم يحصلا على اعتراف دولي. وتعيد هذه القضية الحديث عن الأعباء المادية التي تتكبّدها روسيا لدعم الأقاليم الانفصالية التي تدعمها في أكثر من بلد أوروبي وجدواها.

وكانت روسيا قد شنّت حرباً خاطفة على جورجيا، قالت إنها جاءت رداً على اعتداءات على وحدة روسية كانت مكلفة بحفظ السلام في أوسيتيا الجنوبية التي تقطنها أغلبية روسية. وأكدت حينها أنها أطلقت العملية بهدف "الإرغام على السلم". وتوقفت الحرب بعد خمسة أيام بوساطة فرنسية، ونتج عنها خسارة جورجيا إقليمين مهمين هما أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، اللذين أعلنا لاحقاً استقلالها. واعترفت روسيا بالجمهوريتين الانفصاليتين في 26 أغسطس 2008، على الرغم من المناشدات الغربية بعدم فعل ذلك. وبعد 13 عاماً على إعلان استقلالهما من جانب واحد، لم تحظيا باعتراف دولي حتى من أقرب حلفاء روسيا، واقتصر الاعتراف على نيكاراغوا، وفنزويلا، وناورو وفانواتو، وهما جزيرتان صغيرتان في المحيط الهادئ. وفي 2018 اعترف النظام السوري بهما.

وفي جديد هذا الملف، شدد مندوبو سبع دول في الأمم المتحدة، في بيان قرأه نائب الممثل الدائم لإستونيا لدى الأمم المتحدة أندريه ليباند، مساء أول من أمس الأربعاء، على "الدعم الثابت لاستقلال جورجيا وسيادتها وسلامتها الإقليمية داخل حدودها المعترف بها دولياً". وأعرب المندوبون عن إدانتهم لـ"الوجود العسكري الروسي غير الشرعي" وسيطرته على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وأكدوا أن الإقليمين "جزء لا يتجزأ من جورجيا".

تعترف دول قليلة باستقلال الإقليمين وضمنهم النظام السوري

ودعا البيان، الذي وقّع عليه مندوبو الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإستونيا، وأيرلندا، والنرويج، وألبانيا، روسيا إلى "سحب القوات العسكرية والأمنية من دون تأخير، والتراجع عن الاعتراف بما يسمى الاستقلال عن أراضي جورجيا في أبخازيا ومنطقة تسخينفال (أوسيتيا الجنوبية)". ورداً على سؤال حول الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الدول السبع لدفع روسيا إلى تنفيذ مطالبها، قال ليباند: "سنواصل التركيز على هذا الموضوع في مجلس الأمن ولن نسمح بنسيانه".

وكانت روسيا قد رفضت طرح موضوع الجمهوريتين الانفصاليتين في مجلس الأمن، وقبل إصدار البيان بساعات قال النائب الأول للممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي إن "محاولات الدول الغربية لإثارة موضوع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يعدّ شكلاً من أشكال رفض الاعتراف بالواقع الموضوعي".

من جهته، أكد عضو لجنة العلاقات الدولية في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي سيرغي تسيكوف، أمس الخميس، أن لشعبي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الحق في تقرير المصير، مشدداً على أن بلاده لن تسحب أبداً اعترافها بهاتين الجمهوريتين. ووصف تسيكوف، الذي يمثل شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا في مارس/ آذار 2014، الموقّعين على البيان بأنهم "استفزازيون، لا يريدون إحلال السلام في هذه المنطقة". ومع تأكيده أن "لكل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الحق في إقامة دولة"، أعاد السيناتور الروسي التذكير بالموقف الغربي من استقلال كوسوفو، وقال إنه "يجب أن تأخذوا في الحسبان كوسوفو، التي تم الاعتراف بها من دون أي استفتاءات، ثم تحدثوا عن حق الشعوب في تقرير المصير".

وشكّل تدخل روسيا العسكري في 2008 سابقة كانت الأولى من نوعها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي (1991)، وبروز دول مستقلة. وفي حين تمكنت روسيا من تحقيق نصر بخسائر قليلة في حرب أطلق عليها الخبراء "حرب الأيام الخمسة"، إلا أن الحرب كشفت عن حال الترهل التي وصل إليها الجيش الروسي، والتقادم في أسلحته القديمة، وسوء التنسيق بين القوى البرية والجوية والبحرية بسبب أجهزة الاتصالات القديمة. كما كشفت الحرب، وفقاً لخبراء، افتقاد الجيش الروسي للصواريخ والقذائف الموجهة.

وبعد الانتهاء من الحرب، ونتيجة لاستخلاصات خبراء عسكريين، أعلنت روسيا عن إصلاحات واسعة في الجيش لتحسين أوضاع الجنود والضباط وبناء جيش مهني في أكتوبر/ تشرين الأول 2008. وفي عام 2011 وفور بدء تعافيها من الأزمة المالية العالمية، أطلقت روسيا برنامج تسليح بقيمة 670 مليار دولار حتى عام 2020، وتمت الاستفادة من بقايا الجيش السوفييتي، ورفعت مخصصات الجنود والضباط، وتم استبدال العتاد العسكري المتآكل بعتاد أحدث. وأشار خبراء إلى أن الأداء السريع والحاسم للقوات الروسية في شبه جزيرة القرم في ربيع 2014 كان نتيجة مباشرة للإصلاحات التي بدأت عقب حرب جورجيا. وشملت عملية إصلاح الجيش تصميم ملابس جديدة ضمن الاهتمام بمظهر الجنود الخارجي، بعد الانتهاء من تزويده بدبابات ومركبات حديثة، وتطوير وسائل الاتصال والمعلوماتية حتى بات جاهزاً لخوض "حروب هجينة"، إضافة إلى تطوير سلاح الجو والصواريخ، ومن ضمنها صواريخ أسرع بمرات من سرعة الصوت كشف عنها الرئيس فلاديمير بوتين في خطاب شهير في بداية مارس/ آذار 2018. وتضمنت عملية الإصلاح إعادة بناء الأساطيل البحرية.

 تتكبّد روسيا مبالغ ضخمة لتمويل مختلف الأقاليم الانفصالية

وعلى الرغم من استقلالهما الشكلي، لا تملك أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عملتهما الخاصة، وتستخدمان الروبل الروسي في تعاملاتهما، وتعتمدان بشكل شبه كامل على مساعدات الميزانية الروسية. ففي الفترة بين 2009 و2016، تلقت أبخازيا 36.86 مليار روبل (نحو 504 ملايين دولار)، وفقاً لبيانات بتنفيذ الميزانية الفيدرالية لروسيا. وحصلت أوسيتيا الجنوبية على 52.45 مليار روبل (716 مليون دولار)، خلال الفترة نفسها. وطوال هذه السنوات، تم إنفاق الأموال الروسية من دون تنفيذ أي مشاريع تنموية بسبب الانتهاكات والسرقات. وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2019، وقّع بوتين اتفاقاً بين روسيا وأبخازيا بشأن تمويل موسكو لتكاليف تحديث القوات المسلحة للأخيرة، من دون أن يتم الإعلان عن كلفة التحديث.

وتشكل الجمهوريتان المعزولتان دولياً عبئاً حقيقياً على الميزانية الروسية. وحسب تحقيق أجرته صحيفة "نوفايا غازيتا" المعارضة في نهاية يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، فإن روسيا تدعم جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين عن جورجيا مادياً، وتؤمّن دعماً كبيراً لإقليم بريدنيستروفيا (ترانسنستيريا)، الطامح إلى الانفصال عن مولدافيا. وحسب تقديرات الصحيفة، فإن حجم المساعدات لهذه الكيانات الانفصالية بلغ في السنوات الخمس الماضية فقط 32 مليار دولار.

وحسب تقرير مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية، فإن حجم الإنفاق على الجمهوريات الانفصالية غير المعترف بها يبلغ حوالي 5 مليارات دولار سنوياً. وتُخصص روسيا منها نحو 2.8 مليار دولار للمدفوعات المنتظمة للمتقاعدين، بواقع 1.6 مليار دولار لأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، و1.2 مليار دولار لبريدنيستروفيا. كما بلغت قيمة الغاز الذي قدمته شركة "غازبروم" إلى بريدنيستروفيا مجاناً 7 مليارات دولار، علماً أن الشركة تطالب مولدافيا بدفع الثمن، لكن الرئيسة الجديدة مايا ساندو أكدت أن بلادها دفعت كامل ديونها، وأنه ليس من العدل أن تطالب بدفع ثمن الغاز المستلم في إقليم بريدنيستروفيا الانفصالي المدعوم من موسكو.