أوروبا وصناعة الفرعون العربي

أوروبا وصناعة الفرعون العربي

11 ديسمبر 2020
تحريض على عرب القارة الأوروبية (Getty)
+ الخط -

ما عاد سراً أن فراعنة العصر يودون عودة الزمن إلى شاشات معمر القذافي وحافظ الأسد ومذياع أحمد سعيد، وترسيخ "صحافة" قاهرة ما بعد انقلاب 2013. وعليه ليس غريباً جزم أحدهم أن إعلام المستبدين "أكثر حرية وديمقراطية من الأميركي"، على الرغم من أن سجونهم تختنق بمئات الصحافيين وأصحاب الرأي.

في حواره الأخير مع "لوفيغارو"، استحضر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "مخاطر" الإنترنت والشبكات الاجتماعية، مختزلاً نوستالجيا الاستبداد لعصر التجهيل، وزمن بث الرعب بشعار "للحيطان آذان وللشوارع ألسنة". لم يتردد السيسي في التحريض على عرب القارة، معتبراً نفسه جندياً مُخْلصاً لمحاربة "الإيديولوجية المميتة التي لا تعرف حدوداً". حديثه كان عن "الإخوان المسلمين"، ولكن لا بد من دفاع عن عقولنا، وضد وضاعة قولبة صورة العربي بـ"المتوحش والجاهل الأمي، غير الراشد وغير القابل للديمقراطية والحريات".

الضرر الكبير الذي يجلبه الطغاة إلى العالم العربي، يفرض على المرء مقاربة صناعة الغرب لفراعنته المفضلين، مع احتقار قيمة ومكانة الشعوب الجارة. فالديكتاتور "الكيوت"، لا يرى في بلاده سوى إقطاعيات خاصة، يُخاطب قاطنيها كمتسببين للأزمات، وكعبء عليه وعلى انتهازيي الغرب.
ليس السيسي وحده من يستجدي الغرب حماية لإقطاعية فساده، غير أنه أكثر من مزجها باستعلائية على شعبه. فتارة ذهب نحو اعتبار عدد السكان المشكلة الرئيسية، بينما ليس بعيداً عنه، ثمة أمم تعتبر المواطن رأسمال التقدم والتطور. وفي أخريات انحدار إلى مستوى "وزن المواطن" وتوبيخ الشعب "المدني"، واتهامه بالانصياع لـ"أهل الشر"، والمشاركة في "حروب الجيل الرابع... والعاشر"، كما في بروباغندا استلاب العقول لصناعة فرعون.

في باريس اختزل السيسي مشكلة المستبدين مع الوعي العربي، فالخروج عن الجهل والأمية يعدّه المستبدون أهم الكوارث على ديمومة ديكتاتورية الفساد، ونهب الثروات بتقاسمها مع جيران الشمال. وهؤلاء الجيران الذين يرعون القهر بصفقات فاسدة ودوس على المبادئ، يتساءلون ببلاهة "لمَ يتجه جيراننا في الضفة الجنوبية للمتوسط نحو التطرف والهجرة/ اللجوء شمالاً؟".
باختصار، الرعاية الأوروبية تفوح رائحتها في بازار انتهاك العقل، وتجزيء المبادئ، فتصبح مسطرة "الوطنية والوعي" محددة من أنظمة هي بنفسها وكيلة للغرب، وتحمّل المواطنين مسؤولية فقرهم وتخلّف دولهم.