أوروبا والمستبدون... علاقة متعفنة

أوروبا والمستبدون... علاقة متعفنة

16 أكتوبر 2020
يبلغ عدد المسلمين في أوروبا نحو 50 مليوناً (Getty)
+ الخط -


شهدنا في زمن كورونا تململ مدن أوروبية من القيود، كإشارة رمزية لرفض الناس لتغول السلطوية في دولهم، ولتذكير الساسة والأحزاب بأن الشعب مصدر السلطات. في بعض عالمنا العربي يبدو التعفن جزءاً أصيلاً من الفساد والإفساد. فمطالب احترام أبسط الحقوق، من السكن إلى الطبابة، تُصنف بـ"مؤامرات"، وقلة إيمان بقضاء الله وقدره، ما استدعى لسنوات شيطنة مطالب الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. ومنذ 2013 والعقل العربي مستهدف، إلى جانب مساومة الفساد لخوف أوروبي مصطنع من "التطرف" و"أسلمة القارة". وسبق ذلك، منذ 2011، نظرية "تآمر الغرب" (أوروبا وأميركا تحديداً)، على "الأنظمة الوطنية"، فيما الأنظمة نفسها تلهث للعب دور حراس مصالح الغرب "المتآمر".

وفي سياق التعفن نفسه، خرج أخيراً مفتي مصر، شوقي علام، بخلاصة أن 50 في المائة من الجيلين الثاني والثالث من مسلمي أوروبا "داعشيون"، وهو ما لم يخطر على عقول فاشيي القارة. بالطبع الأمر ليس جديداً، في الأهداف العامة. فوزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، وزبانية الديكتاتور السوري بشار الأسد، وحذلقة زعيم الانقلاب في مصر عن "الخصوصية الثقافية"، ركزوا لسنوات في مخاطبتهم الغرب على أن الحرية والعدالة والديمقراطية لا تصلح للعرب. وقد يبدو عبثياً السؤال: لم لا تحرض أنظمة دول مسلمة أخرى، غير عربية، على جالياتها في الغرب كما يفعل مستبدون عرب؟

في لعبة المصالح الأوروبية، وبتعبيراتها الفجة تغطية على الاستبداد، ينكشف الوجه القبيح لازدواجية معايير الأخلاق والقيم. ففيما تثور ثائرة قوى أوروبية، مطالبة بفرض عقوبات على الكرملين، بعد محاولة تسميم المعارض أليكسي نافالني، تلهث القوى نفسها وراء غسل الدماء عن أيادي مجرمي أنظمة لا تقل عن التسميم الكيميائي، الجماعي والفردي، واستخدام المناشير للتخلص من معارضيهم.
وإلى جانب سكوت ساسة القارة عن التدخل بشؤون مواطنيها المسلمين (نحو 50 مليوناً)، بفتاوى شيوخ "اضرب بالمليان"، المحرضة للفاشية الأوروبية، وعن تهديد سابق لنشوء "داعش"، على لسان مفتي الأسد، أحمد بدر الدين حسون، في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، بضربها وأميركا بـ"استشهاديين"، فإن أوروبا تسير للأسف نحو تعفن مستعص في علاقتها الداخلية وبالاستبداد العربي.

في المحصلة، الأخطر هو رضوخ جيل جديد من قادة أوروبا، المتأثرين بالتعصب القومي، لمنطق البلطجة العسكريتارية العربية بعنوان تافه عن "الخصوصية الثقافية". فانشغال إيمانويل ماكرون، ورفاقه في الدنمارك وبقية النادي الأوروبي، بقشور ومظاهر مواطنيهم المسلمين، بتحريض حكام فاسدين ومستبدين عرب، لا يبشر كثيرا بوقف "الراديكالية" التي يخشونها.

المساهمون