أوروبا قبيل قمة الأطلسي في مدريد... تسلّح غير مسبوق منذ 30 سنة

أوروبا قبيل قمة الأطلسي في مدريد... تسلّح غير مسبوق منذ 30 سنة

28 يونيو 2022
تستضيف مدريد قمة حلف شمال الأطلسي (بورات أكبولوت/الأناضول)
+ الخط -

قلب الغزو الروسي لأوكرانيا أولويات القارة الأوروبية على المستوى العسكري-التسليحي. وبذات القدر، أصبح حلف شمال الأطلسي، الذي عُدّ "ميتاً دماغياً"، في حالة نشطة لتحديد أهدافه المستقبلية. ففي قمة الحلف في مدريد، سيناقش القادة الغربيون المستجدات وأهداف الحلف خلال العقد المقبل، بعد سنوات طويلة من الشعور بالسلام.

وتصاعدت نبرة التهديدات الصادرة عن موسكو، وآخرها عن نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي (الرئيس السابق) ديمتري ميدفيدف، بإمكانية اندلاع حرب عالمية ثالثة، ما يساهم في تعزيز معسكر الصقور في أوروبا. فالاجتياح الروسي لأوكرانيا ثبّت عملياً نقل روسيا من مستوى "الشريك" إلى تصنيفها "عدواً"، وخصوصاً أن الحلف شهد تجربتَي غزو سابقاً، جورجيا في عام 2008 وجزء من أوكرانيا في عام 2014، ما يعني أن أوروبا ستودع رسمياً النظام الأمني الذي أُنشئ بعيد انتهاء الحرب الباردة. وفي ذلك إعادة الاعتبار لمكانة الأطلسي، بل ونقله خطوة باتجاه تجديد تشكيلاته الأكثر هجومية.

ليس بعيداً عن ذلك، ذهب الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في تصريحاته قبيل القمة إلى الحديث عن توسيع عدد القوات المنتشرة إلى نحو 700 ألف في القارة الأوروبية. وبالفعل، ينتشر اليوم في القارة العجوز عشرات آلاف الأميركيين مع عتاد عسكري كبير.

وربطاً بالمتغيرات، التقى في منتصف يونيو/حزيران الحالي، قادة 7 من دول الحلف الأوروبيين (هولندا، والدنمارك، وبولندا، ورومانيا، وليتوانيا، والبرتغال، وبلجيكا) في لاهاي الهولندية، بمشاركة ستولتنبرغ، متفقين على التوجه إلى قمة الحلف غداً الأربعاء بمزيد من ضخ الأموال التسليحية في شرايين الناتو، وتعزيز قوته بالتحالف مع الشريك الأميركي. والقادة المجتمعون في مدريد سيناقشون تحديد مشاريعهم المستقبلية، والأخطار الاستراتيجية التي تواجه الدول الأعضاء، وباختلاف جذري عما كان عليه الوضع منذ 2010.

"صدمة كهربائية"

تكثيف المناورات والتمارين العسكرية للأطلسي، بمشاركة دول غير أعضاء بعد كالسويد وفنلندا، وغيرها، يشبّهها أستاذ علوم الحروب في جامعة جنوب الدنمارك أوليفييه شميت، بأنها تعبير عن خروج من حالة عاشتها القارة الأوروبية خلال الثلاثين سنة الماضية. وأكد شميت في تصريحات للصحافة المحلية في الدنمارك، أنه "خلال تلك العقود لم يكن هناك تهديدات وجودية كبيرة للدول الأوروبية، وانتقلنا الآن إلى حالة مختلفة في العلاقات الدولية، حيث توجد مخاطر نشوب حروب كبرى بين القوى العظمى".

في فترة الحرب الباردة، وحتى تفكك الاتحاد السوفييتي، كانت أوروبا أكثر اعتماداً على تعزيز ازدهارها ضمن نظام تبادل تجاري وأمني بيني، ومع الجانب الأميركي. تبدل الحال بعد أن أصبحت إمدادات الطاقة الروسية، ومصالح اقتصادية وتجارية متشابكة مع موسكو وبكين، أحد مسببات إضعاف شعورها بالأمن والازدهار. وبالرغم من كل سنوات الحرب الباردة وتوتراتها، لم يكن بإمكان روسيا أذية أوروبا كما أظهرت الأشهر الأخيرة.

في 2019 فقط، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الحلف الأطلسي بأنه "ميت دماغياً"، وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يهدد بالانسحاب منه، بل تسلل اليأس إلى المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، لتؤكد أن على الأوروبيين التفكير في الاعتماد على أنفسهم أكثر.

كل ذلك، وغيره من تردد في القارة العجوز، أصبح الآن من الماضي. لقد وسّعت أوروبا انتشارها العسكري، وزادت قواتها تحت قيادة الناتو للتدخل بعشرة أضعاف عما كانت عليه قبل عام، من نحو 4 آلاف إلى أكثر من 40 ألف جندي.

ووفقاً لقراءة "المركز الدنماركي للسياسات الدولية" (دييس)، تلقى أعضاء الأطلسي الأوروبيون "صدمة كهربائية" بعد الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا، "فالحلف الآن مختلف تماماً عمّا كان عليه في 2014"، كما يقول كبير الباحثين فيه فليمنغ سبيلدسبويل.

ويؤكد سبيلدسبويل لـ"العربي الجديد"، أن المؤشرات على "التحول التاريخي للناتو ليست فقط في طلب السويد وفنلندا عضويته، وتوقع طلب آخرين، بل في تزايد ميزانيات الدفاع في أوروبا".

ولا ينظر زميله المتخصص في السياسات الدفاعية والأمنية الأوروبية، لارس فيسنغ، في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى الخطوة الألمانية بتعزيز قدراتها الدفاعية بأكثر من 100 مليار يورو خارج سياقات الرؤى المستقبلية لأهداف وجهود الحلف على المستوى الأوروبي.

ورغم السجال الذي استمر لوقت قبل القمة حول عضوية السويد وفنلندا، إلا أن ذلك لا يغير كثيراً في المؤشرات التي تفصح عن أن الأطلسي بات، على المستوى الأوروبي، يستعرض بعض عضلاته بوجه موسكو. على سبيل المثال، أدت خطوة إستونيا في البلطيق، بمنع مرور توريدات روسيا برياً إلى جيب كالينينغراد، إلى ارتفاع نغمة المادة الخامسة من معاهدة الناتو، التي تتضمن أن أي عدوان مسلح ضد طرف في الناتو، عدوان على كل الدول الأعضاء، ما يشير إلى تسارع التخلي عن الحذر.

وخلال الأيام الماضية، دفعت أوروبا بمزيد من القوات نحو ليتوانيا، ومنطقة البلطيق عموماً، وذلك يؤشر على أن الأوروبيين باتوا يرون أن "الأطلسي" ينتقل من كونه دفاعياً خلال الحرب الباردة، إلى اعتباره أمناً جماعياً لقارتهم.

وتشهد القارة الأوروبية عملية أخرى يطلق عليها خبراء المجالين الدفاعي والأمني الأوروبي "إعادة هيكلة تامة للصناعات الدفاعية"، وبشكل غير مسبوق لثلاثة عقود. فهؤلاء يرون أن الصناعات العسكرية باتت تحتل أولوية على مستوى أوروبا.

إلى ذلك، يؤكد أستاذ السياسات الدولية في جامعة أودنسه الدنماركية، ستين رونيغ، وفق ما نقلت عنه وسائل الإعلام الدنماركية، أنه بالفعل، بدأت أوروبا بزيادة تسلحها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، "وذلك يشمل دولاً صغيرة كالدنمارك، وأخرى كبيرة كألمانيا، وحدث ذلك حتى دون اتفاق رسمي في الحلف، وربما على طاولته في مدريد يجري تأكيد هذا الاتجاه، مع اعتبار روسيا خطراً وتهديداً جدياً".

ويرى رونينغ أن "الأوروبيين عليهم توفير قدرة دفاعية هائلة لتحقيق خطط الناتو وأهدافه، والآن عليهم أن يواجهوا بجدية توفير الأموال، وتذليل مشكلة الاختلاف في مستوى تقييم الخطر الروسي".

في كل الأحوال، كل ذلك يجري والأوروبيون يتوقعون أن الحرب في أوكرانيا ستتواصل لفترة من الزمن، معتبرين أن سيطرة روسيا على إقليم دونباس لن توقف الحرب، بل ستمتد نحو أوديسا والسيطرة على شواطئ البحر الأسود الأوكرانية، لمواصلة المشروع الروسي، وصولاً إلى ربط بري للجيب الروسي في شرق مولدوفا، المسمّى "جمهورية ترانسنيستريا".

المساهمون