أوربان يحاول إحياء فيشغراد... تحالف قومي يعارض سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا وروسيا

05 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 08:54 (توقيت القدس)
أوربان خلال مؤتمر صحافي عقب انتهاء قمة المجلس الأوروبي في بروكسل، 23 أكتوبر 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد أوروبا الوسطى صعود اليمين الشعبوي مع سعي فيكتور أوربان لإحياء تحالف فيشغراد بروح قومية محافظة، يضم المجر وسلوفاكيا وبولندا وجمهورية التشيك، مع التركيز على المصالح الوطنية والنقد لسياسات بروكسل تجاه أوكرانيا وروسيا.

- يتبنى أوربان نهجاً براغماتياً مع روسيا، معارضاً للعقوبات الأوروبية، مما يثير قلق بروكسل من تأثير التحالف على وحدة الموقف الأوروبي، حيث قد يشكل محوراً جديداً يسعى لتخفيف المواجهة مع موسكو.

- تتابع المفوضية الأوروبية بقلق هذه التطورات، مؤكدة على أهمية التضامن مع أوكرانيا، حيث تعبر رئيسة المفوضية عن مخاوفها من تهديد السياسات المجرية لوحدة الاتحاد الأوروبي.

تعيش أوروبا الوسطى على وقع تحوّل سياسي لافت بعد فوز الشعبوي اليميني أندريه بابيش في الانتخابات التشيكية وتشكيله قبل أيام حكومة يمينية متشددة، ففي ظل هذا الصعود المحافظ، يسعى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى إعادة إحياء تحالف فيشغراد، الذي يضم المجر وسلوفاكيا وبولندا (في حال أسفرت انتخابات 2026 عن فوز قوى قومية متشددة) وجمهورية التشيك، ولكن هذه المرة بروح قومية محافظة تتبنى مواقف ناقدة لبروكسل ومعارضة لسياساتها تجاه أوكرانيا وروسيا.

تحالف قديم يعود بوجه جديد

تأسس تحالف فيشغراد عام 1991 بهدف توثيق التعاون بين دول أوروبا الوسطى الخارجة من عباءة الاتحاد السوفييتي آنذاك، وتنسيق جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الخلافات حول الحرب في أوكرانيا أدت خلال السنوات الماضية إلى فتور العلاقات بين أعضائه، إذ تبنّت بولندا موقفاً متشدداً ضد موسكو، بينما اتخذت المجر بقيادة أوربان نهجاً براغماتياً يميل إلى الحوار مع الكرملين ورفض إرسال الأسلحة إلى كييف.

اليوم، ومع هيمنة بابيش في التشيك واستمرار حكومة روبرت فيكو في سلوفاكيا، يرى أوربان أن الظروف مهيأة لإعادة التحالف إلى الواجهة، ولكن بصيغة جديدة ذات طابع قومي محافظ تضع "المصالح الوطنية" فوق التزامات الاتحاد الأوروبي.

تقارب مع موسكو وتباعد عن بروكسل

منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، كان أوربان الصوت الأكثر اختلافاً داخل الاتحاد الأوروبي، إذ يرفض الانخراط الكامل في سياسة العقوبات على روسيا، معتبراً أن "العقوبات تضر بأوروبا أكثر مما تضر بروسيا"، ويدعو إلى حل دبلوماسي مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويقول الخبير الاقتصادي المجري أوليفر هورتاي، من مؤسسة "نهاية القرن" Századvég Foundation، إنّ "البيانات الاقتصادية تظهر بوضوح أن سياسة العقوبات لم تحقق أهدافها، بل كبّدت اقتصادات أوروبا الوسطى خسائر كبيرة، خصوصاً في مجال الطاقة". في المقابل، نقلت بعض الصحف الأوروبية عن المحلل السياسي السلوفاكي بيتر كوشيرا قوله إن "تحالف أوربان وفيكو وبابيش قد يشكل محوراً جديداً داخل الاتحاد الأوروبي يسعى إلى تخفيف المواجهة مع موسكو، وهو ما يتناقض مع النهج الغربي السائد".

لكن التحذيرات لا تتوقف عند حدود أوروبا الوسطى، إذ إن العالم السياسي الأوكراني فيكتور شلينشاك صرح محذّراً من أن "أي تراجع في الموقف الأوروبي الموحد تجاه العقوبات سيُفسَّر في الكرملين بوصفه علامة ضعف وانتصاراً سياسياً لبوتين"، مشدداً على أن تماسك الموقف الأوروبي يبقى "عاملاً حاسماً في ردع روسيا".

قلق متصاعد في بروكسل

أما المفوضية الأوروبية، فإنها تتابع التطورات بقلق متزايد، مؤكدة أن "التضامن مع أوكرانيا ليس خياراً سياسياً، بل التزاماً أخلاقياً واستراتيجياً". وأظهرت رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين في مرات عديدة ضيقها من السياسات المجرية التي تتعارض مع النهج الموحد للاتحاد الأوروبي تجاه العقوبات على روسيا ودعم أوكرانيا، وكذلك عن توجّسها من أن دولاً أو جماعات داخل الاتحاد قد تضع مصالحها الوطنية أو الثنائية فوق ذلك النهج. على سبيل المثال، قالت فون ديرلاين إن موقف المجريين في بعض المسائل "يُمثّل تهديداً لوحدة الاتحاد" بأنظار روسيا.

وقال متحدث باسم المفوضية في بروكسل إن "القرارات المتعلقة بالعقوبات والمساعدات العسكرية يجب أن تظل موحّدة لضمان فاعليتها"، مضيفاً أن الاتحاد "لن يسمح لأي كتلة داخلية باستخدام حق النقض لإضعاف موقفه من الحرب"، فيما قال وزير الخارجية التشيكي السابق يان ليبافسكي إن بلاده "لن تدعم أي مشروع يهدد وحدة الصف الأوروبي"، مشدداً على أن "أمن أوروبا يبدأ من استقرار أوكرانيا".

نزعة قومية وقيم محافظة

إلى جانب الخلافات السياسية، يجمع بين قادة المجر وسلوفاكيا والتشيك توجّه محافظ يربط بين الدفاع عن "القيم المسيحية التقليدية" ورفض ما يعتبرونه "هيمنة ليبرالية من بروكسل". ويرى المحلل السياسي كوشيرا أن هذه الحكومات "تسعى إلى إعادة تعريف الهوية الأوروبية على أسس قومية وثقافية، في مواجهة الأجندات الليبرالية التي تركز على قضايا الهجرة والبيئة وحقوق الأقليات".

أوروبا أمام اختبار جديد

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في المجر عام 2026، يبدو أوربان مصمماً على المضي في نهجه التصادمي مع بروكسل، مستنداً إلى شعبوية قومية تزداد انتشاراً في المنطقة. ويرى محللون أن التحالف الجديد، حتى وإن لم يتخذ طابعاً رسمياً بعد، قد يتحول إلى كتلة معرقلة داخل الاتحاد الأوروبي، قادرة على التأثير في قراراته المصيرية بشأن العقوبات، والهجرة، وأمن الطاقة. وفي وقتٍ تواجه فيه أوروبا أخطر اختبار لوحدتها منذ عقود، قد تكون "كتلة فيشغراد الجديدة" إشارة إلى تغير موازين القوى داخل الاتحاد الأوروبي، من وحدة متماسكة تجاه موسكو إلى قارة منقسمة بين الواقعية السياسية والمبادئ الأخلاقية.

باختصار، تعد مساعي أوربان لإحياء تحالف فيشغراد، بنظر أوروبا، تحدياً مباشراً لطبيعة الاتحاد الأوروبي بوصفه مؤسسة قائمة على قرارات جماعية وتضامن بين الدول الأعضاء. وتنظر المفوضية إلى هذه المساعي باعتبارها عامل خطر محتمل على وحدة الموقف الأوروبي، خصوصاً في القضايا الأمنية (أوكرانيا) والعقوبات والتمويل المشترك، بالتالي، يمكن القول إن الموقف الرسمي للمفوضية يقع ضمن إطار "مسار مراقبة حذرة" لأي تكتّل داخلي ربما يضعف سيادة القرار الموحد داخل الاتحاد. إذ يمكن تخيل ما سيكون عليه واقع أوروبا لو أن اليمين القومي الناقد للاتحاد الأوروبي وصل أو شارك في السلطة في دول أخرى.