أندرياس موتزفيلدت كرافيك لـ"العربي الجديد": إسرائيل ملزمة بتسهيل وضمان المساعدات للفلسطينيين
استمع إلى الملخص
- أعرب نائب وزير الخارجية النرويجي عن أمله في صدور رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، مشيراً إلى العراقيل الإسرائيلية التي تعيق المساعدات الإنسانية، مما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
- أكد كرافيك على أهمية حل الدولتين، مشدداً على استخدام الأدوات الدولية للضغط على الدول غير الملتزمة، مع التمييز في التعاملات الاقتصادية مع إسرائيل.
تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس الماضي، قراراً يطلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول التزامات إسرائيل القانونية تجاه الأمم المتحدة ووجودها وأنشطتها والعمليات الإنسانية. وحصل القرار على تأييد 137 دولة ومعارضة 12 وامتناع 22 دولة عن التصويت. واللافت أن الكثير من الدول الأوروبية صوتت لصالحه، بما فيها فرنسا وألمانيا، بل إن دولة أوروبية، النرويج، هي التي صاغته وقادت المفاوضات حوله بالتعاون مع دول أخرى. وجاءت المبادرة النرويجية في ظل ما يحدث على الأرض في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، واستمرار إسرائيل بمحاربة المنظمات الأممية التي تقدم المساعدات للفلسطينيين وعلى رأسها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
التقت "العربي الجديد" للأمم المتحدة في نيويورك نائب وزير الخارجية النرويجي أندرياس موتزفيلدت كرافيك على هامش اجتماع الجمعية العامة والذي حضر إلى نيويورك لحضور التصويت والنقاش. وعبر المسؤول النرويجي عن أمله أن تصدر محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في غضون أشهر.
*بداية، لماذا قررت النرويج قيادة الجهود لطلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول ممارسات إسرائيل والتزاماتها بموجب القانون الدولي في ما يخص أونروا والأمم المتحدة عموماً وإدخال المساعدات الإنسانية؟
أندرياس كرافيك: لا نتفق مع موقف إسرائيل بأن لها الحق بموجب القانون الدولي في أن تفعل ما تفعله
إن الأوضاع التي تشهدها غزة والضفة وحتى القدس الشرقية جائرة، حيث قُتل ما يقارب خمسين ألف فلسطيني، أغلبهم من المدنيين، وحجم المعاناة الإنسانية، التي تنتشر كذلك في الضفة الآن، لا يصدق. ناهيك بنقص في المستشفيات، والمدارس، والأدوية والمياه والغذاء، والمنتجات الأساسية التي يحتاجها البشر للبقاء على قيد الحياة. وهذا الوضع مستمر منذ ما يقارب 15 شهراً. بالإضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الدولي غير قادر على إدخال المساعدات المنقذة للحياة، على الرغم من وجود كل تلك الشاحنات التي تقف (خارج القطاع) ولا يسمح لها بالدخول، وتواجه الأمم المتحدة صعوبات شديدة في إدخالها. بالإضافة إلى مقتل أكثر من 250 موظفاً لوكالة أونروا.
هذا النهج غير مقبول وغير أخلاقي على الإطلاق، ونعتقد أنه يشكل انتهاكاً للقانون الدولي. تقول إسرائيل إن لها الحق بموجب القانون الدولي في أن تفعل ما تفعله، ولا نتفق مع هذا الموقف. ولذلك، من واجبنا توضيح ما ينص عليه القانون الدولي والدفاع عن هذه المبادئ الإنسانية والقانون الإنساني الدولي وعن كل المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة أو غيرها، والدول التي تريد وتستطيع تقديم المساعدة بما فيها مساعدات للفلسطينيين الذين يعانون من الاحتلال. إسرائيل ملزمة بتسهيل وضمان استمرار هذه المساعدة. هذا ما نريد أن نثبته من خلال هذا القرار والرأي الاستشاري الذي نطلبه.
ازدادت أهمية ذلك الآن حيث تحاول إسرائيل منع أونروا من العمل ومنع مساعداتها الإنسانية أو التنموية في قطاع غزة والضفة الغربية. وهذا جور مضاعف ومخالفة قانونية أكبر، نظراً إلى حقيقة أن أونروا مفوضة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن التفويض جزء لا يتجزأ من النظام في الأراضي المحتلة. ونحن نتخذ هذا الموقف لكي نوضح أن إسرائيل ملزمة على مستوى (القانون) الدولي بتسهيل وتوفير التعاون مع كل هذه الكيانات المختلفة حتى تتمكن من مساعدة الفلسطينيين الذين يعيشون الآن وضعاً كارثياً.
*ممثل الولايات المتحدة، وقبل التصويت في الجمعية العامة، وخلال تعليله تصويتَ بلاده ضد القرار، ألقى باللوم على الأمم المتحدة لعدم دخول ما يكفي من المساعدات الإنسانية، وتحدث عن أن تبني القرار سيعيق جهود الوساطة وإدخال المساعدات الإنسانية. ما تعليقكم؟
نختلف مع ذلك (الموقف)، ونرى أن الأمم المتحدة، وخاصة أونروا، تعمل بكل تفانٍ وعزم، وذلك على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليها عملها. لقد فقدت أونروا أكثر من 250 موظفاً في عملياتها في قطاع غزة والضفة الغربية. ونشعر بقلق شديد بشأن التشريع الذي تبنته إسرائيل (منع عمليات أونروا)، ويجب ألا ينفذ... الأمم المتحدة جزء من هذا النظام البيئي في قطاع غزة، في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، لأن الفلسطينيين يخضعون لاحتلال غير قانوني. وقد أكدت محكمة العدل الدولية في عدد من المناسبات عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي. لذلك، وطالما استمر هذا الاحتلال، فإن لدينا التزاماً بتوفير الدعم المنقذ للحياة... وهذا بالضبط ما تقوم به الأمم المتحدة. وكان يمكن أن يكون عملها أكثر فاعلية لو طبقت إسرائيل التزاماتها بموجب القانون الدولي وتعاونت مع الأمم المتحدة، ولكنها تفعل العكس وتضع العراقيل. وهذا ما يهدف القرار لمعالجته. لا يمكن أن يستمر الوضع على هذا النحو. نحن على ثقة من أن المحكمة ستخلص إلى حكم واضح يشير إلى ما أقوله الآن وما نؤمن به جميعاً. ونأمل أن تسترشد إسرائيل بالمحكمة، وبإرشادات جميع أعضاء الأمم المتحدة، وأن تعدل مواقفها، لأن الناس في القطاع بشكل خاص، وفي الضفة كذلك، يعيشون كابوسًا يتعين علينا مجابهته، وهذا ما قمنا به الآن.
*على الرغم من أهمية هذه الخطوة وتبني الجمعية العامة، وحتى مجلس الأمن، الكثير من القرارات التي تدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، إلا أن تنفيذ هذه القرارات غائب. ماذا تقولون لهؤلاء الذين يشككون أو ربما يشعرون بخيبة أمل من عدم تنفيذ القرارات؟
أندرياس كرافيك: نحتاج إلى إعطاء قوة ونفوذ لأولئك الذين ما زالوا يؤمنون بحل الدولتين على الجانبين
أقول إنه يجب أن نتعامل مع العالم كما هو. وفي حوزتنا أدوات معينة وعلينا استغلالها، وإحداها الأمم المتحدة. والمواقف المتخذة فيها (القرارات مثلاً) توضح موقف المجتمع الدولي. وهناك محكمة العدل الدولية التي يمكنها أن توفر توضيحاً قانونياً بشأن مواضيع بعينها. وعلى المدى البعيد، يمكن أن تكون هذه وسائل فعالة للغاية وورقةَ ضغط على الدول التي لا تفي بالتزاماتها. علينا أن ندرك أن هذه ليست أدوات مثالية للحلول قصيرة المدى. ندرك أن الأمور لن تتغير بشكل فوري على الأرض، ولكن تبقى هذه أدوات مهمة في مجابهة الدول التي لا تفي بالتزاماتها، من ضمنها إسرائيل، وتظهر أن المجتمع الدولي متحد في التزامنا بهذه المبادئ. يظهر التاريخ وعلى المدى البعيد، أن معظم القرارات التي تتخذها محكمة العدل الدولية تُطبَّق.
*النرويج اعترفت مؤخراً بدولة فلسطينية مستقلة باعتبارها جزءاً من حل الدولتين، وأيدت حصول فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة. ما هو سياق هذا؟
نحن لا نرى بديلاً عن حل الدولتين. والواقع الذي نشهده حالياً هو بلا حل حتى على مستوى الدولة الواحدة. ويمكننا حتى القول إن ما يوحد حماس والحكومة الإسرائيلية الحالية، إلى حد ما، هو اتفاقهما على حل الدولة الواحدة لكنهم يختلفون حول من يجب أن يحكمها. نريد ونحتاج إلى إعطاء قوة ونفوذ لأولئك الذين ما زالوا يؤمنون بحل الدولتين على الجانبين، والسلطة الفلسطينية واضحة بشأن هذا الأمر. هناك أصوات قوية داخل إسرائيل لا تزال تؤيد ذلك. هذا هو المنطق وراء الاعتراف. إن اتفاقيات أوسلو التي اعتمدت على إنشاء هياكل على الجانب الفلسطيني مع تأسيس السلطة، كانت ستؤدي في نهاية المطاف إلى عمل الطرفين معاً لتحقيق حل الدولتين واتخاذ خطوات نشطة وتدريجية لتحقيق ذلك. الآن نرى مرة أخرى أن هناك عناصر قوية ونشطة، من كلا الجانبين، تعارض حل الدولتين. لذا، عندما تتغير الأمور على الأرض، نحن بحاجة أيضاً إلى تغيير نهجنا. ما نفعله الآن باعترافنا هو القول إنه لا يوجد سوى بديل واحد ممكن للوضع الحالي، وهو حل الدولتين. سنعطي الزخم للكيانات على الجانبين التي تؤيد حل الدولتين. وقلنا إنه على شركائنا الأوروبيين أن يتبعوا مسارنا... وإذا نظرنا للواقع، فإن هناك قرابة 150 دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية، كما أن الأمم المتحدة اعترفت بها دولةً مراقبة وغير كاملة العضوية. وهناك مؤسسات دولية أخرى تعترف بها، كالمحكمة الجنائية الدولية وغيرها. لذلك نرى أن خطوتنا ليست فريدة، دعونا نرى كيف ستسير الأمور. نحن نعلم أن هناك أصواتاً قوية في العديد من الدول الأوروبية تدعو إلى اتباع نهج مختلف، لذلك ما زلنا نأمل أن تنضم إلينا دول أوروبية أخرى في المستقبل القريب.
*ماذا عن تقديم الأسلحة لإسرائيل وفرض عقوبات اقتصادية؟
لا نقدم الأسلحة لإسرائيل، ونرى أن ذلك لا يتوافق مع التزاماتنا. ولكن قلنا إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وبالتالي ليست لدينا أي مشكلة مع الدول التي تقدم المساعدات أو الأسلحة لإسرائيل لأغراض الدفاع عن النفس، وما إلى ذلك. ولكن لدينا مشكلة مع الدول التي تقدم الأسلحة التي تهدف إلى استمرار الاحتلال غير القانوني، ولأغراض الاستمرار في العمليات العسكرية في قطاع غزة، والتي من الواضح أنها لا تتم بطريقة متوافقة مع القانون الدولي.
*وماذا عن العقوبات أو الضغط الاقتصادي؟
أندرياس كرافيك: لا نقدم الأسلحة لإسرائيل ونرى أن ذلك لا يتوافق مع التزاماتنا
نميز في تعاملاتنا الاقتصادية بين إسرائيل وبين الأراضي المحتلة، ولكن لا نؤيد مقاطعة إسرائيل. لا نعتقد أن هذه طريقة مجدية. لكننا لا نريد تقديم حوافز اقتصادية أو إعطاء زخم اقتصادي للكيانات التي تعمل داخل الأراضي المحتلة (المستوطنات). لذا، لدينا آليات مختلفة لضمان ذلك، بما فيها محاسبة شركاتنا، فهي ملزمة بضمان عدم مساهمتها في انتهاكات القانون الدولي وانتهاكات معايير حقوق الإنسان الأساسية. لذا يتعين علينا استخدام كل أنواع الوسائل المتاحة لنا.
*هل تلتزمون بتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية ومذكرة الاعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق في مجلس الحرب يوآف غالانت؟
لقد قلنا إننا طرف في المحكمة الجنائية الدولية، ولذلك لدينا التزامات بموجب نظام روما. سوف نطبق التزاماتنا بموجب المعاهدات الدولية.
*شهدنا في حروب أخرى، في السودان وسورية وغيرها، قتلاً للمدنيين والعاملين في المجال الإنساني، ولكن مستوى وحجم القتل والانتهاكات التي تشهدها غزة خلال فترة زمنية قصيرة جداً غير مسبوق منذ فترة طويلة. أي رسالة يبعث هذا، خارج حدود فلسطين، في حال استمر الإفلات من العقاب والمحاسبة؟
هذا أحد مخاوفنا الرئيسية، بأن تبعات ما يحدث هي أنه عندما تنخرط في صراع مسلح، يُسمح لك بتجاهل القواعد (القانون الدولي والدولي الإنساني وقواعد الاشتباك في الصراعات والحروب). ووضعت هذه القواعد بالضبط لهذا الغرض. نشعر بقلق شديد لما نراه على الأرض، ليس فقط في غزة، ولكن أيضاً في السودان والساحل (الأفريقي)، وسورية، وأوكرانيا، وغيرها. انظري كيف يستهدف الروس، على سبيل المثال، المدارس والبنية التحتية المدنية الأوكرانية عمداً. ولكي نتمكن من التحدث بثقة وانتقاد هذا السلوك، يتعين علينا أن نكون متسقين من دون معايير مزدوجة، كأن ننتقد روسيا ونصمت على ما يحدث في غزة. لذلك نؤمن بالقانون الدولي والأسس المبنية على ذلك.
سيرة
*عين أندرياس موتزفيلدت كرافيك، العضو في حزب العمال، نائباً لوزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إيدي في 8 أغسطس/آب 2023.
*كان أندرياس كرافيك، المولود في العام 1979، عمل بين العامين 2021 و2023 مديراً للإدارة القانونية بوزارة الخارجية النرويجية، وبين 2018 و2021 نائباً لمدير الإدارة القانونية بوزارة الخارجية، وبين 2010 و2012 مستشاراً في إدارة الأمن في وزارة الدفاع. كما عمل بين 2007 و2011 باحثاً في المركز النرويجي لحقوق الإنسان.
*تخرج في العام 2008 من كلية الحقوق في أوسلو. وكان نال في 2003 بكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة ولاية سان فرانسيسكو.