بعد مرور ثلاثة أسابيع على إجراء ألمانيا انتخابات "البوندستاغ" (البرلمان الألماني)، في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، يتوقع أن تنطلق قريباً جداً عجلة المفاوضات الرامية لتشكيل حكومة ائتلافية بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي (المتصدر للنتائج بزعامة أولاف شولتز) وحزبي "الخضر" و"الديمقراطي الحرّ (الليبرالي)"، إذ بات المشهد السياسي مرتبطاً بانتظار موافقة الليبراليين، اليوم الإثنين، على بدء المباحثات الرسمية حول تشكيل الائتلاف، خلفاً لحكومة المستشارة المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل (عن "الديمقراطي المسيحي").
وكانت اللجنة التنفيذية لـ"الاشتراكي" قد منحت، يوم الجمعة الماضي، موافقتها لانطلاق عملية التفاوض بين الأحزاب الثلاثة، وهو ما فعله أيضاً المؤتمر المصغر لحزب "الخضر" أمس الأحد. وإذا ما نجح "الاشتراكي" و"الخضر" والليبراليون في تشكيل الحكومة، فستكون هذه المرة الأولى في تاريخ ألمانيا التي تتشكل فيها الحكومة الفيدرالية من هذه الأحزاب الثلاثة. ويطلق على الحكومة المرتقبة بقيادة "الاشتراكي" و"الخضر" و"الديمقراطي الحرّ" اسم حكومة "إشارة المرور"، والتي ستحمل ألوان الأحزاب الثلاثة، الأحمر والأخضر والأصفر.
قال مسؤول السياسة الخارجية في الحزب الليبرالي ألكسندر غراف لامبسدورف إن الحزب سيصوت لصالح التفاوض مع الاشتراكي والخضر
ويعول زعيم الليبراليين (الديمقراطي الحرّ)، كريستيان ليندنر، اليوم، على حكمة قيادات حزبه من أجل خلق فرصة لتحديث المجتمع والاقتصاد والدولة، عبر منح حق التفاوض على ائتلاف حكومي بقيادة الاشتراكي شولتز، وذلك بحسب ما أكد أخيراً في حديث إعلامي. وحيال ذلك أيضاً، قال مسؤول السياسة الخارجية في الحزب الليبرالي ألكسندر غراف لامبسدورف، لشبكة "إيه آر دي" الإخبارية، إن الحزب سيصوت لصالح الدخول في المحادثات، موضحاً أن "الورقة الاستكشافية تحمل العديد من العناصر التي يرتكز عليها الليبرالي الحر". وهذا الأمر أكده كذلك الأمين العام للحزب فولكر ويسينغ للشبكة، مشدداً على أن الفشل "ليس خياراً لحزبه، حتى ولو كانت هناك الكثير من النقاط والأسئلة التي لا يزال يتعين توضيحها".
وفي هذا الإطار، أشارت تقارير صحافية ألمانية، صدرت اليوم، إلى أنه على الرغم من الانسجام في فترة المحادثات التمهيدية (بين الأحزاب الثلاثة)، فقد ظهرت بعض التباينات بين الليبراليين والخضر خلال عطلة نهاية الأسبوع (الماضي) حول من سيتولى حقيبة وزارة المال الاتحادية في أي حكومة ائتلافية يجري التوافق حولها، وذلك مع انتقال وزير المالية الألماني الحالي، المرشح لمنصب مستشار عن "الاشتراكي" أولاف شولتز، إلى المستشارية، ومع مجاهرة العديد من سياسيي "الليبرالي" بضرورة انتزاع وزارة المالية التي لم يتردد زعيم الحزب ليندنر في القبول بتوليها بنفسه. ويأتي ذلك فيما يدعم "الخضر" الزعيم المشارك للحزب روبرت هابيك، للمنافسة على هذه الحقيبة الاتحادية الأساسية. وتضاف إلى ذلك التوقعات باستحداث وزارة جديدة للمناخ في ألمانيا، والتي سيكون لها الدور الفاعل في تنفيذ مخططات حماية البيئة والمناخ والتحول إلى الطاقة البديلة بشكل أسرع.
وعلى الرغم من إنهاء الأحزاب الثلاثة محادثاتها التمهيدية أخيراً بالتوافق على عدم اعتماد الزيادات الضريبية التي يريدها "الاشتراكي" و"الخضر"، والالتزام بفرملة الديون، وعلى رفع الحد الأدنى للأجور والتخطيط لحماية المناخ من خلال التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة والخروج من الفحم بشكل مثالي في عام 2030، أعلن هابيك أن حزبه نال الكثير في الورقة الاستكشافية، وأنه مقابل عدم زيادة الضرائب، لن يكون هناك خفض للضريبة كما يطالب الليبراليون، وحيث من المقرر أن تحدد مفاوضات الائتلاف المزمع انعقادها كيفية تمويل المشاريع.
ظهرت بعض التباينات بين الليبراليين والخضر خلال عطلة نهاية الأسبوع حول من سيتولى حقيبة المال
وأمام هذا الواقع، اعتبر المستشار المحتمل، شولتز، أنه على الرغم من المحادثات الاستكشافية التي وصفها بـ"البنّاءة"، فإن المفاوضات الائتلافية الرسمية ليست مسألة شكلية، حيث يتم التحضير لها بجدية كبيرة، وحيث المطلوب توضيح العديد من المسائل التي يمكن أن تسبب صعوبات في مفاوضات الائتلاف. وفي خضم ذلك، برزت تعليقات أفادت بأن الورقة الاستكشافية المكونة من 12 صفحة، ليست سوى نتيجة للمشاورات، وحملت الكثير من الطلبات للأحزاب المتحاورة "مع النوايا الحسنة" في ما يتعلق بتعزيز الطاقة المتجددة والحد من عقبات التوظيف والبيروقراطية، وأيضاً تشجيع الابتكار، وصولاً إلى العدالة الاجتماعية والالتزام تجاه الجيش الألماني. في المقابل، فإن العديد من النقاط الأساسية لم تقدم إجابات بشأنها بالفعل، ومن أهمها كيف سيصار إلى تمويل جميع الاستثمارات المخطط لها، خصوصاً أن المطلوب أولاً تأمين أموال للمعاشات التقاعدية من الميزانية بقيمة 10 مليارات يورو.
علاوة على ذلك، وبعدما تم التغاضي عن فرض ضرائب عقارية، وعلى أصحاب الثروات، تطرح التساؤلات بشأن غياب ذكر مبلغ 500 مليار يورو التي يريد حزب الخضر استثمارها في حماية المناخ والبنية التحتية خلال عشر سنوات، وما إذا كان سيتعين على الحزب البيئي تقليص حجمها إلى حد كبير، وما المقدار الذي يجب التنازل عنه؟ وهذه الأسئلة كلّها مشروعة، ومن الواضح أنها ستطيل عملية التفاوض بحيث ستبقى ميركل في حالة تصريف للأعمال أقلّه حتى فترة عيد الميلاد في نهاية العام الحالي، وفق ما توقع شولتز أخيراً لإنضاج حكومة اتحادية بقيادته.
وكان زعيم حزب المستشارة ميركل، "المسيحي الديمقراطي"، أرمين لاشيت، والذي رشحه التحالف المسيحي الذي يضم أيضاً الحزب الاجتماعي المسيحي في بافاريا قبل الانتخابات لمنصب المستشار، قد أقر خلال المؤتمر الاتحادي السنوي لشباب حزبه، يوم السبت الماضي، في مدينة مونستر، بأن الحزب الذي حكم البلاد على مدى 16 عاماً، بات قريباً من المعارضة، وحثّ التحالف المسيحي على المزيد من التوافق والانسجام والتشاركية. ورأى لاشيت أنه يجب المضي في مواجهة الخصم السياسي وليس مواجهة بعضنا بعضاً داخل أسرة التحالف، وأنه من المهم العمل بشكل موحد، وبحكمة وذكاء، للتصويب على الأخطاء التي قد ترتكبها الحكومة المقبلة.