ألمانيا... محطات مضيئة كرّستها حقبة المستشارة أنجيلا ميركل

أنجيلا ميركل تغادر المستشارية الألمانية-إينا فاسبندر/فرانس برس
08 ديسمبر 2021
+ الخط -

بعد 16 عاماً كمستشارة لجمهورية ألمانيا الاتحادية، استطاعت فيها توجيه ثروات ومقدرات البلاد، وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، وتوطيدها لعلاقات بلادها على مستوى العالم بعدما كانت برلين الرجل المريض في الاتحاد الأوروبي مطلع الألفية، تستعد المستشارة أنجيلا ميركل لتنسحب من الحياة السياسية الألمانية، إذ سيتسنى لها الوقت، بعد تقاعدها، القيام بما يثير اهتمامها حقاً، وفق ما ذكرت في آخر مؤتمر صحافي لها خلال الصيف في برلين.

والتوقعات هي بالاسترخاء أولاً مع زوجها يواخيم زاور لفترة وجيزة في منزلها الريفي في أوكرمارك والتنزه معاً، كما حضور حفلات الأوبرا، ومن الطبيعي الاستمتاع بأكلتها المفضلة "سباغيتي بولونيز" وحساء البطاطا، قبل أن تعود إلى مكتبها الخاص ومنزلها في برلين.

المديرة البراغماتية التي تمارس مهامها حتى تسليم مقاليد السلطة اليوم لخلفها الاشتراكي أولاف شولتز، لم تتوانَ، وفي آخر رسالة "بودكاست" لها، عن مناشدة الألمان تلقي العلاج، والتعامل مع فيروس كورونا الغادر بجدية.

توحيد المصالح الأوروبية

وفي ما خصّ توحيد المصالح الأوروبية، تجلّى عمل ميركل في الكثير من المحطات، أبرزها خلال أزمة اليورو عام 2010، وعندما كان وزير المالية في حكومتها فولفغانغ شويبله مع استبعاد اليونان مؤقتاً، فيما كان هدفها إبقاء لمّ الشمل الأوروبي، وضخ الأموال للبلدان المتضررة، والتي ترافقت مع إجراءات تقشف صارمة طاولت أثينا في حينها، حتى إنه ارتفع الغضب والاستياء ضدها، ليس فقط في اليونان، بعدما تراءى للآخرين أن المستشارة كانت ممثلة للمصالح الألمانية.

وفي عام 2015، عاشت أوروبا موجة لجوء غير مسبوقة، تسببت بأزمة بين الشركاء في دول الاتحاد الأوروبي، مع وصول الملايين من اللاجئين من بلدان الشرق الأوسط، الباحثين عن الحماية في أوروبا، الأمر الذي تطلب من ميركل الموافقة على استقبال أكثر من 800 ألف من اللاجئين المتجهين غرباً من المجر، وحثت الاتحاد على تقديم الدعم للدول الواقعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها اليونان وإيطاليا. وللعلم، لا تزال المستشارة غير راضية عن تعاطي الزعماء الأوروبيين مع آلية اعتماد معيار موحد للتوزيع، كما ومعالجة أسباب الهجرة، فضلاً عن مقاربتها لجائحة كورونا التي اجتاحت دول الاتحاد الأوروبي وألمانيا، وكارثة انسحاب حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان.

علاوة على ذلك، كان الجميع ممتناً للجهود التي بذلتها ميركل من أجل المصادقة على صندوق إعادة الإعمار المقدّر بحوالي تريليون يورو، بعد أن عرفت كيف تتوسط مع المجر وبولندا المعترضتين على الخطة، وذلك من أجل إطلاق برنامج المساعدات الأوروبية، وبالتالي الحفاظ على المجلس الأوروبي كملاذٍ توفيقي، لا سيما أنه كان لا بد من الموافقة على ميزانية الاتحاد الأوروبي للسنوات السبع المقبلة أولاً، بما فيها شروطه لسيادة القانون في الدول الأعضاء.

دور رئيسيّ في ضمان تقدم سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي

وبالإضافة إلى ذلك، كان للمستشارة دور رئيسيّ في ضمان استمرار تقدم سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي، وكلّ ذلك انطلاقاً من عقيدتها أن أوروبا مجموعة من القيم ومجتمع للقانون، وهذا يعني الالتزام بالمعاهدات الأوروبية، وأهمها ما يتعلق بكرامة الإنسان، والحريات، وسيادة القانون، والتسامح، والتضامن، واحترام الاقليات. وللتذكير، فإن الاتحاد الأوروبي يعيش حالياً أزمة مع بولندا، مع انتهاكها سيادة القانون الأوروبي للصالح الوطني، فيما المجر تعمد إلى تضييق حرية الصحافة وخنق الحريات.

تدوير الزوايا مع الروس والأميركيين

وفي سياق متصل، تبرز أيضاً الخطوات التي أقدمت عليها ميركل خلال الأشهر الماضية، بتدوير الزوايا مع الروس والأميركيين لاستكمال مشروع "نورد ستريم 2" أخيراً، بعد أن تمكنت من قطع الطريق على كل المعترضين، وعدم تعريض الشركة المنفذة لعقوبات بالتنسيق مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وتم إنجاز المشروع الذي سيضخ الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى أوروبا عبر بحر البلطيق، بعد أن اختلفت مواقف الأوروبيين حوله، وبالأخص دول أوروبا الشرقية التي تعتبر أن سياسة ميركل تجاه روسيا تثير أسئلة حول علاقة برلين بموسكو، وسط تساؤلات ما إذا كان ذلك سيغير من السلوك القمعي لبوتين، وما إذا كان المشروع أكبر خطأ استراتيجي ارتكبته المستشارة، مع المخاوف من أن يجعل خط الأنابيب أوروبا معتمدة اقتصادياً على روسيا، ويمنحها مزيداً من القوة السياسية.

ومن المعلوم أن ألمانيا هي الدولة الأكثر اعتماداً في الاتحاد على السوق الداخلية المفتوحة وعلى وجود اليورو.

انتقادات للعلاقة مع الصين

أما بخصوص العلاقة مع الصين، فقد واجهت ميركل انتقادات لإعطائها الأولوية للتبادل التجاري مع ثاني أكبر سوق للصادرات الألمانية، وذلك بفعل الاتهامات التي توجه لبكين بحكم انتهاكاتها حقوق الإنسان. ومن المعلوم أن نسبة البطالة تراجعت في ألمانيا خلال 16 عاماً من 11,2 بالمائة إلى 5,7 بالمائة، إلا أن فوراق الدخل والوظائف بقيت واضحة بين شرق وغرب البلاد.

وكان استطلاع للرأي أجراه أخيراً معهد "انسا" لصالح صحيفة "بيلد"، أظهر أن أغلبية الألمان راضون عن عمل ميركل، وأن 60 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع اعتبروا أن ميركل أدّت خدمتها بشكل جيد كمستشارة، في بلد يُعتبر قاطرة اقتصادية للاتحاد الأوروبي. في المقابل، رأى 30 بالمائة أنها كانت سيئة في أداء مهامها، فيما قال 47 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع إنهم سيفتقدون المستشارة المنتهية ولايتها.