استمع إلى الملخص
- كشف تحقيق سلاح الجو الإسرائيلي عن ضرورة زيادة التأهب، ومنح الطيارين حرية أكبر، وتعزيز الدفاعات مثل القبة الحديدية، مشيرًا إلى الاستخفاف بالتهديدات وعدم الاستعداد الكافي.
- رغم الإخفاقات، أكد ضباط سلاح الجو استعدادهم الفوري، لكن التحقيق أظهر نقص الوعي الميداني وتأخر الرد بسبب تركيز القوات في الشمال.
في فترة كان فيها سلاح الجو الإسرائيلي يستعد لتوجيه ضربة لحزب الله في لبنان، ويحشد قدراته للتطورات المحتملة على الجبهة الشمالية، باغتته فصائل المقاومة الفلسطينية بهجوم 7 أكتوبر من قطاع غزة، لم يكن في حسابته، على غرار باقي وحدات جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ليجد نفسه مرتبكاً وعاجزاً عن اتخاذ قرارات صحيحة.
وفي غياب صورة واضحة عن الحاصل على الأرض، ظن قادة القوات الجوية، الذين كانوا موجودين وقت الأحداث في مقر سلاح الجو في "الكرياه" في تل أبيب، أن دولة الاحتلال تتعرّض لهجوم متعدد الجبهات، وأرسلوا معظم الطائرات إلى الشمال ولمهام حماية المواقع الحساسة، وفق ما ورد في تحقيق أجراه سلاح الجو الإسرائيلي، ولم يُنشر بعد كاملاً على الملأ. وفي وقت كانت الأحداث تجري فعلياً في الجنوب، لم يتمكّنوا من تكوين صورة ظرفية عن الوضع وتطوراته، فيما صدرت أوامر للطيارين بعدم إطلاق النار على مستوطنات الغلاف، خوفاً من إلحاق الضرر بالمدنيين.
ويحمل التحقيق الذي أجراه سلاح الجو، ويمتد على ألف صفحة في مجلدين، وفق ما ذكره موقع واينت العبري الذي كشف بعض تفاصيله، العديد من الدروس القيّمة للمستقبل، منها أهمية وجود المزيد من التأهب، وإعطاء الطيارين حرية أكبر في العمل، ومضاعفة مخزون القبة الحديدية ومنظومة حيتس على الأقل، وشراء عدد من الطائرات الخفيفة المزوّدة بمدافع. وربما يقصد بذلك طائرات حركتها أسرع ويمكنها التدخل سريعاً ومشاهدة ما يحدث عن قرب، وعلى ارتفاع منخفض.
ورغم الإخفاقات، يؤكد ضباط سلاح الجو أنه كان مستعداً بالكامل منذ الدقائق الأولى للهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس"، وأن الجدل السياسي الداخلي في دولة الاحتلال، بشأن خطة تقويض القضاء، في الأشهر التي سبقت الحرب، والذي شارك فيه طيارون من الاحتياط بشكل نشط، رافضين خطة الحكومة، ومنهم من رفض الامتثال للخدمة احتجاجاً، لم يؤثر بأي حال من الأحوال على قدرة سلاح الجو على مواجهة هجوم مفاجئ، ولكن الفشل جاء من مكان آخر. ومن وجهة نظر القوات الجوية، فإن القتال متلاحماً، شارك فيه حتى طيارو الاحتياط الذين هددوا بعدم الامتثال على خلفية الاحتجاجات. وفي يوم السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وصلوا جميعاً إلى السرب ضمن الإطار الزمني المطلوب، وقام من لم يكونوا جاهزين للطيران، وهم قلة، لأنهم توقفوا عن التطوّع ولم يأتوا للتدريبات في الأسابيع السابقة، بأداء واجباتهم في المقر وعلى الأرض حتى عادوا إلى أهليتهم والطيران النشط بعد يوم أو يومين.
ويقول أحد كبار مسؤولي القوات الجوية الذين شاركوا في التحقيق: "في السابع من أكتوبر، كان سلاح الجو يعمل بكامل طاقته، على الرغم مما قيل عنه (رفض امتثال عدد من الطيارين). كنا حاضرين في ساحة المعركة منذ اللحظات الأولى تقريباً". ويأتي التوضيح في التحقيق، بأن ما تسبب في الفشل الأساسي، الذي منع سلاح الجو من استخدام كامل قوته بشكل فعّال منذ الساعات الأولى للهجوم المفاجئ، هو الاستخفاف بالتهديد من قبل شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) وجهاز الأمن العام (الشاباك)، وعدم استعداد سلاح الجو للتأهب المطلوب. لقد كان هذا أيضاً مصدر الفشل العام الذي أصاب المستوى السياسي، والجيش الإسرائيلي، والمؤسسة الأمنية بأكملها. ويمكن لمس هذا الفشل في الغطرسة، والثقة المفرطة بالنفس، وازدراء العدو، فضلاً عن الانشغال المفرط بالسياسة الداخلية.
وفي المجلدين السميكين من التحقيق الذي استعرض "واينت" بعض تفاصيله، لا يمكن تحديد حالة واحدة، زعم فيها سلاح الجو أنه فاز أو حسم معركة، بل على العكس تماماً. وقال قائد قوات الأمن الإسرائيلية اللواء تومر بار في جلسة مغلقة: "من المهم أن نقول في كل مرة إننا فشلنا في حماية مواطني إسرائيل. وبناء على هذه المعطيات الأولية، لم يكن من الممكن منع الهجوم، ولكن فقط تقليل الأضرار".
وتظهر التحقيقات أن القوات الجوية لم تكن على علم بما كان يحدث على الأرض طوال معظم يوم القتال في السابع من أكتوبر. لقد رأى الطيارون أشخاصاً يركضون على السياج ويخرجون من خلال الثغرات، لكن لم يكن لديهم دائماً فهم لما كانوا يرونه. ولكن في الحالات التي جرى فيها التعرّف إلى مركبات تقل مقاومين، جرى استهدافهم من قبل المروحيات الحربية والمسيّرات. وكان على القوات الجوية الحصول على صورة أكبر من القوات البرية، في وقت كان فيه المقاومون داخل المستوطنات والمواقع العسكرية منذ السابعة صباحاً. ولم يكن إلقاء قنبلة تزن طناً على منطقة يسكنها عدد كبير من الإسرائيليين خياراً، لأنه يعني العديد من القتلى والإصابات، في نطاق مئات الأمتار. ولهذا السبب، جرى توجيه الطيارين ومشغلي الطائرات بدون طيار، بالتصرف وفق حساباتهم وفهمهم لما يحدث على الأرض.
هجوم متعدد الجبهات
في التفاصيل أيضاً، أن سلاح الجو كان يستعد لحملة عسكرية في الشمال، في إشارة إلى لبنان، وكان يتعامل مع الجنوب، في إشارة إلى قطاع غزة، باعتباره جبهة لا يوجد فيها أي تهديد حقيقي. ومن بين النتائج التي ترتبت على ذلك، أن المروحيات القتالية وضعت في حالة تأهب في القاعدة العسكرية رامات دافيد في الشمال، واستغرق وصولها إلى القطاع نحو ساعة. وعليه فإن الاستعداد لتوفير رد على الهجوم من غزة لم يكن موجوداً. وينطبق هذا أيضاً على استخبارات سلاح الجو، التي لم يكن لديها صورة مستقلة عن الوضع في غزة، واعتمدت على هيئة الأركان العامة لإبلاغها بما يحدث. ولم يكن لدى سلاح الجو أي استعدادات تقريباً للتعامل مع هذه الساحة، باستثناء مسيّرة واحدة، وعدد قليل من المروحيات المقاتلة. وعلى غرار الحالة العامة في جيش الاحتلال، لم يأخذ سلاح الجو التهديد من قطاع غزة على محمل الجد حتى حدوثه.
وحدثت مشكلة أخرى في مقر سلاح الجو في "الكرياه" في تل أبيب، تحديداً في مركز المراقبة والتحكّم، حيث توجد غرفة التحكّم المركزية، والتي يشرف عليها ويديرها أكبر قائد موجود في تلك اللحظة. ويشير التحقيق إلى أنه في غياب صورة ظرفية للحاصل، قرر القائد في البداية التعامل مع الأحداث كهجوم متعدد الجبهات، على دولة الاحتلال، جزء منه يحدث بالفعل، وآخر على وشك أن يحدث من الشمال والشرق والجنوب من قبل دول المحور الإيراني. وقرر إرسال الطائرات الحربية التي كانت في حالة تأهب اعتراضية، للقيام بدوريات فوق المواقع الحساسة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك منصات الغاز في البحر. هذا هو السبب في أن بعض الطائرات التي كانت في حالة تأهب لم يجر توجيهها مباشرة إلى غزة، ولكن أرسلت، استباقاً لتهديدات محتملة.
وبحسب نتائج التحقيق، لو وصلت طائرة أو اثنتان إلى قطاع غزة، حتى بمجرد ظهورهما مع دوي أشبه بالانفجار، الذي يمكن أن ينجم عن اختراق سرعة الصوت، أو حتى إسقاطهما قنبلة على الموجودين غربي السياج الفاصل مع القطاع، لكان من الممكن أن يحدث ذلك تأثيراً. ومن الصعب تحديد ما إذا كان قرار الضابط "خاطئاً"، من وجهة نظر سلاح الجو، نظراً لعدم وجود صورة كاملة حول الوضع وقتئذ. سبب آخر لعدم وجود صورة واضحة للوضع، أن لدى القوات الجوية ضباط اتصال في جميع الفرق والألوية، وكان معظمهم في إجازة العيد في ذلك الصباح، أما من كانوا في غرف الطوارئ، فقد عانوا من "العمى" نفسه وغياب صورة حول الوضع التي عانى منها قادتهم الكبار أيضاً ممن كانوا في المواقع العسكرية.