عاد تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، مجدداً، إلى استهداف الأقباط في محافظة شمال سيناء المصرية، بعدما أدّت هجماته عليهم عامي 2016 و2017 إلى تهجير غالبيتهم من مدينة العريش، باتجاه المحافظات المصرية خارج سيناء. وسُجّل أخيراً مقتل مواطن قبطي برصاص التنظيم خلال قيادته سيارته على الطريق الدولي عند مدخل المحافظة، حيث استولى المهاجم على سيارته، وألقاه جثّة هامدة على جانب الطريق. هذه الحادثة أعادت شريط الذكريات لدى الأقباط الذين لا يزالون يقيمون في سيناء، إلى فترة الهجوم عليهم من قبل "داعش"، مع ما ترافق من عمليات قتل وإصابة طاولتهم، بالإضافة إلى حرق ممتلكات. ويتخوف أقباط سيناء من موجة إرهاب جديدة تستهدفهم، خصوصاً خلال تنقلهم على الطريق الدولي، في ظلّ إحكام قوات الأمن المصري السيطرة على الوضع الأمني في مدينة العريش التي يتواجد فيها غالبية أقباط المحافظة.
وفي تفاصيل الحادث، قالت مصادر قبلية من مدينة بئر العبد، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم "ولاية سيناء" نصب حاجزاً على الطريق الدولي، قبل الدخول إلى مدينة بئر العبد، وعلى مسافة تبعد 500 متر تقريباً عن كمين "بالوظة" التابع للأمن المصري. وخلال تدقيق عناصر التنظيم ببطاقات تعريف المواطنين، تمّ إيقاف المواطن القبطي صبحي سامي (41 عاماً)، وبعد التعرف عليه، جرى إنزاله من السيارة وإطلاق النار عليه، ثم الاستيلاء على السيارة التي كان يستقلها مع ما بداخلها من مقتنيات شخصية وأموال، وإلقاء جثة الضحية على جانب الطريق، والانسحاب في اتجاه الظهير الصحراوي لمدينة بئر العبد. ولفتت المصادر إلى أن قوات الأمن وصلت إلى مكان الحادث بعد نصف ساعة من وقوعه، ما حال دون القبض على العناصر الإرهابية، أو القدرة على مطاردتهم لاختفائهم عن الأنظار.
وكان مئات الأقباط قد فرّوا من محافظة شمال سيناء في فبراير/شباط 2017 إثر حملة دموية قام بها التنظيم ضد وجودهم في مدينة العريش، حيث قتل عدد منهم رمياً بالرصاص وحرقاً بالنار، كما دُمّرت منازل ومحال تجارية تابعة لهم، وسط غياب شبه تام لقوات الأمن. ودفع ذلك بعشرات الأسر القبطية، للنزوح من العريش باتجاه محافظة الإسماعيلية، برعاية من المؤسسات القبطية، فيما قرّر عدد آخر منهم البقاء في العريش.
يبلغ عدد العائلات القبطية في شمال سيناء أكثر من 400 أسرة، غادر ما يقارب نصفها المحافظة دون التفكير بالعودة
ويبلغ عدد العائلات القبطية في شمال سيناء أكثر من 400 أسرة، غادر ما يقارب نصفها المحافظة دون التفكير بالعودة، نظراً إلى الهجمات الدموية التي تعرضوا لها، وعدم قدرة المنظومة الأمنية على الحفاظ على حياتهم، في حين لا يزال هناك عدد كبير متواجدا في مدينتي العريش وبئر العبد، ومرتبطا بأعماله وأماكن سكنه. وقدّرت مصادر كنسية أعداد الأسر القبطية قبيل تهجيرهم في فبراير/شباط 2017 بنحو 450 أسرة في مدينة العريش، بخلاف نحو 20 أسرة في مدينة رفح، بينما بلغ عدد الأسر التي تعيش في الشيخ زويد أربعا، ونحو 40 أسرة في مركز بئر العبد، بالإضافة إلى أعداد محدودة من الموظفين في مركزي الحسنة ونِخِل. علماً بأن الأسر المسيحية في مدينتي رفح والشيخ زويد هجرت خلال 2012 و2013 بعد استهداف أفراد منها بالقتل، فيما توجهت بعض هذه الأسر إلى العيش بجوار عائلاتهم الأم في محافظات الوادي والدلتا وانتقل البعض الآخر إلى مدينة العريش، وذلك قبل موجة التهجير التي شهدتها المدينة في 2017. وفي الوقت الحالي، لا يوجد أقباط يعيشون في مدينتي رفح والشيخ زويد، بينما أعدادهم في مدينة العريش تراجعت لأقل من النصف.
وتعليقاً على الحادثة الأخيرة، أكد هاني صابر، وهو مواطن مصري من الأقباط، ومن سكّان العريش، أن حالة من القلق عادت لتسود بين الأقباط في المحافظة إثر الهجمات الأخيرة التي تعرضوا لها في منطقة بئر العبد والطريق الدولي، على الرغم من هدوء الأوضاع الأمنية داخل مدينة العريش. وأضاف صابر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يبدو أن التنظيم بات يستغل تواجده العسكري في مناطق بئر العبد، لاستهداف الأقباط مجدداً على الرغم من قلّة عددهم في تلك المناطق، بالإضافة إلى إمكانية سيطرته على حركة المواطنين على الطريق الدولي من وإلى شمال سيناء"، موضحاً أن ذلك "يشكل خطراً حقيقياً على كلّ الأقباط الذين يتحركون بشكل يومي على الطرق". وأبدى صابر استغرابه من قرب حواجز تفتيش "داعش" من تلك التي ينصبها الأمن المصري، من دون أن يؤدي ذلك إلى حماية المواطنين، أو الحيلولة دون تعرضهم للأذى، وهو ما حصل أخيراً مع المواطن صبحي سامي.
عدد كبير من العائلات القبطية لا يزال متواجداً في العريش وبئر العبد، ومرتبطا بأعماله وأماكن سكنه
وأشار المواطن القبطي إلى أن "تحسن الواقع الأمني في مدينة العريش، كان دفع عدداً من العائلات للعودة إلى المدينة بعد غياب قسري استمر سنوات، فيما العوائل التي خسرت أفراداً منها على يد التنظيم الإرهابي، لا تزال ترفض فكرة العودة للمدينة، خوفاً من تكرار السيناريو، خصوصاً في ظلّ عدم وجود ضمانات بحمايتهم". ولفت إلى أن "ما يزيد إصرار هذه العائلات على عدم العودة، تسجيل الاعتداءات الأخيرة، والتي أدت لمقتل عدد من الأقباط". وأكد صابر أن "الوجود القبطي في شمال سيناء لم ينقطع على مدار العقود الماضية، على الرغم من تبدل الظروف والأحوال، لما تمثله المنطقة من أهمية ورمزية لدى الأقباط، الذين سيبقون إلى جوار المسلمين في مواجهة الإرهاب، وهي رسالة نقدمها بدمائنا على هذه الأرض الطيبة، ببقائنا رغم كلّ الاعتداءات التي تعرضنا لها على مدار السنوات الماضية، إلا أن العلاقة مع كلّ الأشقاء في المحافظة لم تنقطع، بل كانوا جميعاً سنداً للأقباط في مواجهة الإرهاب".