أصول التسامح مع الإبادة الجماعية

06 ديسمبر 2024
في المستشفى المعمداني بغزة، 4 ديسمبر الحالي (عبود أبو سلامة/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الجرائم الصهيونية في غزة: تسلط منظمة العفو الدولية وصحيفة واشنطن بوست الضوء على جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، حيث يتفاخر الجنود بهذه الأفعال، وتُبرر باستخدام كليشيهات تدعي أخلاقية الجيش.

- التسامح مع العنف: المجتمع الصهيوني يظهر تسامحًا مع جرائم الحرب من خلال نصوص تبرر القتل، ويدعمها قادة مثل بن غفير ونتنياهو بخطط تشجع الاستيطان والهجرة في غزة.

- التطرف الثقافي والسياسي: يعزز التطرف السياسي والثقافي في إسرائيل ثقافة الكراهية ضد العرب، مما ينعكس في المناهج التعليمية والتصريحات المتطرفة، ويؤدي إلى استمرار الجرائم ضد الفلسطينيين.

الأمر واضح عند منظمة العفو الدولية: "إسرائيل ارتكبت ولا تزال ترتكب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة". من ناحيتها، قدمت صحيفة واشنطن بوست الأميركية قبل أيام قليلة ترجمة وافرة لتصوير جنود الاحتلال أنفسهم متفاخرين بارتكاب كل أشكال جرائم الحرب.

المدهش ليس أن جزءاً كبيراً من الرأي العام العالمي يدرك اليوم طبيعة تلك الجرائم، بل كيف أن الكليشيهات الصهيونية عن "الجيش الأكثر أخلاقية" تتلاعب تجهيلاً وتعبئة لمجتمع صهيوني يقبل ويتسامح بأغلبيته مع حرب الإبادة الجماعية وجرائم الإرهاب الاستيطاني في الضفة الغربية والمسجد الأقصى. تجهيل يصل إلى حد تصنيف كل العالم "معادياً للسامية ولليهود"، من دون مراجعة حقيقية وجماعية لمعنى قول قادتهم إنه لا يوجد مدنيون في غزة وإنهم "حيوانات بشرية".

منهجية ارتكاب الصهيونية للجرائم وسط هستيريا جماعية ليست مستجدة. فليسوا أشباحاً من أعدموا أسرى الحرب من الجنود المصريين والفدائيين الفلسطينيين، والاحتفاظ بالجثث على طريقة القتلة المهووسين. هستيريا يكفيها لـ"إراحة الضمير" استدعاء نصوص تذكّر بأن المقتولين "يكرهوننا"، وهم في نهاية المطاف "مجرد عرب"، أغيار ليس إلا. وبالمناسبة، حين غُرّم مرتكبو مذبحة كفر قاسم (1956) بحق فلاحين عائدين من أراضيهم، ببضعة أغورات (قروش)، فذلك لم يكن خارج سياق الاستهزاء بقيمة العربي، وبث ثقافة تسامح مع مذابح نكبة 1948 وإلى اليوم.

سياق المنهجية نفسه نعيشه اليوم. فحين يقول الوزير الفاشي إيتمار بن غفير، الآتي من منظمة إرهابية كهانية، إنه سيعرض على دونالد ترامب خطة لتشجيع الهجرة والاستيطان في غزة، فإنه يذكر بمصادر التسامح مع جرائم الحرب والتجويع وتدمير أسس البقاء بقصد الإفناء أو الترحيل "الطوعي".

أمام "العالم الحر"، الذي أراح ضميره مع الجرائم في غزة بخطاب مجرم حرب مثل بنيامين نتنياهو عن أن الحرب هي بين "النور" و"الظلام"، وأنه يخوض المعركة نيابة عن الغرب المتحضر، مهمة مضنية للبحث عن أجوبة لسؤال: من أين يستقي الصهاينة كل هذه التبريرات لجرائمهم؟

في ذروة التعطش للدماء قدّم إليهم نتنياهو بنفسه رؤوس أقلام لفهم منبع الإجرام، إذ تحدث سريعاً عن "عماليق" غزة، مسنوداً بتصريحات فاشية من وزير حربه (السابق) يوآف غالانت، وبقية تصريحات إرهابيين مهاجرين ببدلات عصرية تطلب الإبادة وإفناء الفلسطيني، ومن على شاشات التلفزة العبرية وصفحات جرائد بروباغندا التحريض. بالتأكيد، لن تكون نتيجة ذلك أقل من تفاخر الجنود المعلبين بالكراهية والتحريض بتلك الجرائم، التي يغطيها إعلام عبري كـ"بطولات جيش الدفاع"، في مواجهة أشلاء حرق خيام المهجرين الغزيين.

وليس كافياً للدول والمنظمات الدولية النظر إلى التطرف السياسي مصدراً وحيداً لهذا التسامح شبه الجمعي الصهيوني مع كل هذه الجرائم الموصوفة في فلسطين. ففي العقود الأخيرة، ومع حمى "التطبيع والسلام"، هرعت مؤسسات غربية وعبرية، وللأسف بعض عربية، نحو عملية إعادة نظر، باسم الإصلاح، في المناهج التعليمية والدينية والثقافية للعرب. اليوم، وبانكشاف أوضح للجرائم الصهيونية، ثمة حاجة حقيقية لمراجعة مصادر ثقافة القبول بجرائم الحرب، وإشاعة إنكار متسامح مع الإبادة الجماعية.

فليست أخبار زائفة ولا مضللة تلك التي تصف ثقافة الموت الصهيونية، وتنشئة جيل طيع لتطبيق اعتبار حياة العربي بلا قيمة، بمزيد من إنكار حقيقة ما ارتُكب ويرتكب باسمهم، بل هي من المسلّمات التي بات يهرب منها يهود حول العالم هالهم حشر اسمهم مع دولة جريمة الإبادة والأبارتهايد. حراس ثقافة "الموت للعرب"، يحرصون منذ سنين طويلة على خلق هذا الجيل المُستخدم كأدوات للجرائم في غزة والضفة الغربية. فامتدادات أصول تربية الصغار، إن في المناهج التعليمية والدينية أو الثقافية الأدبية، إلى جانب ثقافة سياسية موغلة في ظلامية تطرف وغطرسة واستعلائية، وتقديس تصويب السلاح منذ الصغر نحو "العربي الهمجي"، ومنح الاستيطان وقتل أصحاب الأرض، صور وطنية ودينية رومانسية، تساهم في تكرار الجرائم.

قبل 24 سنة، في عام 2000، لم يتردد الحاخام عوباديا يوسف في تصدير فتوى بأن "العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً". والإبادة مفردة متكررة على ألسنة حتى من يعتبرهم البعض "يساراً صهيونياً". وإذا تفحصت اليوم أعمار مرتكبي الجرائم من جنود الاحتلال فستعرف منبع هذه الجرائم وأسسها، الممتدة على ألسنة وفي عقول أخرى طوال نحو 80 عاماً.