استمع إلى الملخص
- محمد أبو صبرة، أُفرج عنه على كرسي متحرك بعد إصابته برصاص وإهمال طبي خلال اعتقاله، مما أدى إلى مشاكل صحية خطيرة مثل السكري والضغط.
- محمد براش، محكوم بالمؤبد، فقد بصره وأُصيبت رجله بالبتر بسبب الإهمال الطبي في السجون، حيث يقتصر العلاج على المسكنات، مما يعكس التمييز في معاملة الأسرى.
محمولاً من قبل المسعفين وبجواره عبوة أكسجين لمساعدته على التنفس، هكذا خرج القيادي في حركة حماس جمال الطويل (61 عاماً) من حافلة الصليب الأحمر الدولي التي أقلّت الأسرى الفلسطينيين المحررين إلى مدينة رام الله اليوم السبت.
وخرج 183 أسيراً فلسطينياً، بينهم 111 من قطاع غزة، في الدفعة الخامسة من صفقة تبادل الأسرى التي أبرمت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وحين وصلت الحافلة إلى مكان الاستقبال في رام الله وسط الضفة الغربية، فوجئ جمع فلسطيني غفير كان في الاستقبال بالحالة الصعبة للأسير المحرر جمال الطويل الذي نقل مباشرة إلى المستشفى الاستشاري شمال رام الله. ولم يكن الطويل يعاني مرضاً أو وضعاً صحياً يستدعي التنفس الصناعي قبل اعتقاله في نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، بل وفقاً لمصادر عائلية تحدثت مع "العربي الجديد"، لم يكن وضعه الصحي بهذا السوء خلال فترة اعتقاله.
وضعه الحالي الذي استوجب نقله إلى المشفى ناجم، كما أكدت المصادر العائلية، عن اعتداء بالضرب سبق بدقائق إخراج الطويل للحافلة التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، ما استدعى فحصه من أطباء اللجنة، واتخاذ قرار بحاجته للأوكسجين.
وكان الطويل واحداً من ثمانية أسرى على الأقل احتاجوا للنقل إلى المستشفيات في الضفة الغربية من محرري دفعة اليوم إضافة إلى عدد آخر في غزة، كما أكد رئيس نادي الأسير عبد الله الزغاري لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن معظم من تم نقلهم مباشرة إلى المستشفيات عانوا إما من اعتداءات، أو وضع صحي صعب ناجم عن سنوات من الإهمال الطبي المتعمد.
من بين الذين نُقلوا إلى المستشفى الاستشاري المحرر محمد أبو صبرة (51 عاماً) من مدينة نابلس، وهو جريح أصيب باثنتي عشرة رصاصة يوم اعتقاله على حاجز حوارة جنوب نابلس عام 2022.
خرج محمد من السجن على كرسي متحرك، لكنه كان يعاني خلال الاعتقال في التنقل بعد أن قام الجنود خلال الأشهر الماضية بتحطيم عكازاته الطبية، وحرمانه منها، بل والاعتداء عليه. كان في انتظار محمد شقيقه رائد، الذي جاء لاستقباله من نابلس، رغم أنه على كرسي متحرك أيضاً، بعد نقل محمد إلى المستشفى.
تحدث رائد لـ"العربي الجديد" وهو يبكي، قائلاً إنه رآه حين نزل من الحافلة وسلّم عليه، هيكلاً عظمياً، ضعيف البنية، بسبب حالته الصحية ومعاناته من مشاكل في الأمعاء والمعدة نتيجة إصابته بالرصاص. وقال رائد: "وضع محمد مأساوي. نصف أعضائه مبتورة، ويعاني من سكري وضغط، وهو بلا أسنان، معدته مثقوبة، ويعاني من خلل في البنكرياس والطحال، ومن تفتت في عظم الفخذ والحوض. هو بقايا إنسان".
وقال محمد لـ"العربي الجديد" إن الاحتلال أصبح يتعامل مع الأسرى بلا إنسانية، "وتعدت المعاملة مجرد إهمال طبي، إلى محاولة زيادة الألم"، مضيفاً أن قوات السجون اعتدت عليه بالضرب، وحين قال لهم إن في فخذه بلاتين، أصبحوا يضربونه عليه لإيلامه.
وتابع قائلاً إنهم حرموه من العكازات، وصاروا يضربونه بعصي، مؤكداً أن الضرب هو إجراء يومي في السجون. وأضاف: "كنت أمشي بدون عكازات بصعوبة جداً، ولكن نحن مكرهون على ذلك، فنحن نتعامل مع أناس فقدوا إنسانيتهم".
أكد محمد أبو صبرة أن الأمراض تراكمت عليه بسبب الاعتقال، مثله مثل باقي الأسرى الذين عانوا بشكل كبير من أمراض جلدية وحكة ودمامل، وكان الاحتلال يتعمد تقليل الدواء والمسكنات، حتى إنه حرم من المسكن الذي يحتاجه لتخفيف الألم الناجم عن زراعة البلاتين في ساقه.
ووفق شقيقه رائد، حرم الاحتلال عائلته من معرفة أي خبر عن ابنها الأسير بعد اعتقاله، ووصلها نبأ عن استشهاده، لكن بعد 6 أشهر علموا أنه نقل إلى مستشفى إسرائيلي قبل نقله إلى العزل الانفرادي في سجن مجدو لمدة 22 يوماً. وقال رائد إن شقيقه أصيب بعيارات قاتلة بمنطقة البطن، ما أدى إلى استئصال جزء من أمعائه، وجزء من الطحال، وقد أصيب البنكرياس، ما أدى إلى إصابته بالسكري والضغط، وقد أجريت له عملية رقع للمعدة لكنها فشلت، وكان بحاجة إلى إعادة العملية لكنه حرم من ذلك بعد الحرب على غزة رغم الجهود القانونية في محاكم الاحتلال.
محمد براش (46 عاماً)، المحكوم بالمؤبد، هو الآخر خرج من السجن محمولاً إلى المستشفى مباشرة، فبسبب إصابته كان براش قد فقد بصره بشكل شبه كامل، وبترت إحدى رجليه، وعانى من إهمال طبي. وقال براش لـ"العربي الجديد" إنه عانى في السجون من شح في العلاج، واصفاً الوضع الصحي: "لا يوجد طب في السجون، خلال 22 عاماً، لم أتلق علاجاً حقيقياً، كلما عانيت من شيء، يجرون الفحوصات من دون علاج. فقط يتم تقديم المسكنات. منذ ثلاثة أشهر أعاني من التهابات ولم أتلق العلاج".
ورغم حاجة محمد إلى من يساعده في حياته اليومية بسبب وضعه، إلا أن الاحتلال منع شقيقه رمزي المحكوم بالمؤبد من البقاء معه في الغرفة. وقال محمد إن شقيقه رمزي وكافة الأسرى أصبحوا يأملون بالحرية القريبة.
بعض الأسرى لم يستطيعوا التحدث، فكما هو حال القيادي بحماس جمال الطويل، كان حال الأسير محمد البو (52 عاماً) من حلحول في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية. كان البو يمشي بمساعدة أقاربه ويضع يده على بطنه لشعوره بالألم، قائلاً إنه لا يستطيع التحدث. لكن شقيقه تحدث لـ"العربي الجديد" قائلاً إن العائلة تريد إجراء الفحوصات لشقيقه في المستشفى، بسبب حالته الصحية، مضيفاً: "الله أعلم بالتعذيب الذي تعرضوا له".
وأكد عدد من الأسرى تعرضهم للتنكيل والضرب خلال الأيام الماضية، لكن معظمهم فضّل عدم الحديث بتفاصيل كثيرة بسبب تهديدات ضباط مخابرات الاحتلال لهم. ولا يزال الاحتلال يخرج الأسرى وعلى يد كل واحد منهم سوار ورقي، كتب عليه تهديد مفاده: "الشعب الأبدي لا ينسى، أطارد أعدائي وأمسك بهم!".
وقال الأسير المحرر زيد يونس إن الاحتلال قام في 29 يناير/ كانون ثاني الماضي بتجميع الأسرى في مكان واحد مع تجريدهم من ملابسهم، وألقى عليهم بدلة السجن الرسمية المسماة "الشاباص"، بدون ملابس داخلية، ليتم نقلهم من سجن ريمون بمركبات بحراسة مشددة إلى سجن عوفر غرب رام الله، ومن ثم تجميعهم في أحد الأقسام في ظروف سيئة للغاية مع القليل من الطعام، دون إبلاغهم بموعد الإفراج عنهم. وتعمد الاحتلال إيهام الأسرى بوجود خلل في عملية التفاوض لتحطيمهم نفسياً.
وفي تعليقه على وضع الأسرى المحررين ونقل عدد منهم إلى المستشفيات، قال رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري لـ"العربي الجديد" إن "الوضع يعبر عن مفارقة واضحة يراها الجميع بين أسرى فلسطينيين يخرجون من القهر والاضطهاد والاعتداءات الوحشية التي تظهر على أجسادهم، وبين الأسرى الإسرائيليين الذين يخرجون بوضع صحي جيد، وبحالة تؤكد أن هناك رعاية واضحة لهم". وطالب الزغاري المؤسسات الدولية الحقوقية والطبية بتحمل مسؤوليتها وتوفير الحماية للأسرى الفلسطينيين داخل السجون.