أزمة في "أوقاف القدس" الأردنية: الوصاية الإسلامية بخطر

أزمة في "أوقاف القدس" الأردنية: الوصاية الإسلامية بخطر

28 أكتوبر 2021
محاولات لفرض واقع جديد في الأماكن المقدسة في القدس (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل ردود الفعل على استقالة مدير قسم المخطوطات في المسجد الأقصى رضوان عمرو من منصبه في 8 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، على خلفية ما ورد من اتهامات وجّهها لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، والتي تطرق فيها إلى ما سمّاها "انحرافات مهنية وأمنية خطيرة"، بينها اتهامات بالتنسيق الأمني مع الإسرائيليين. هذه الاتهامات استقطبت اهتمام قطاع واسع من المقدسيين بالنظر إلى فحواها ومضمونها وتوقيت إطلاقها، إذ يتعرض المسجد الأقصى لحملة غير مسبوقة من التهويد ومحاولة فرض واقع هناك، وكان آخر ما استجد على هذا الصعيد سماح محاكم الاحتلال الإسرائيلي لليهود بالصلاة الصامتة في ساحات الأقصى.

وبعد 12 سنة من عمله داخل الأقصى، أعلن عمرو استقالته من منصبه، احتجاجاً على ما سماها "انحرافات إدارية وأمنية خطيرة في أوقاف القدس". وأكد عمرو في إعلان استقالته، أن تلك الانحرافات باتت تهدد تماسك الأوقاف واستمرار الوصاية العربية الإسلامية على المسجد الأقصى. وقال إن استقالته جاءت احتجاجاً على نقله تعسفاً خارج الأقصى استجابة لمطالب أمنية، "عبر تشكيل لجنة صورية غير قانونية للتنسيب بإخراجه من الأقصى بعد عودته إليه من الإبعاد الجائر"، وكذلك رفضاً لتصاعد سياسة إسكات الموظفين والحراس النشطاء.
وعما إذا كان المقصود بكلامه واتهاماته إزاء ما سماها التجاوزات الأمنية، علاقة بعض مسؤولي أوقاف القدس مع الإسرائيليين، قال عمرو في حديث مع "العربي الجديد": "نعم. كلامي في ذلك كان واضحاً، هناك تنسيق أمني بدأ يطاول المكاتب ومحتوياتها وأدق التفاصيل اليومية". وتابع: "حتى اللحظة ليس لدي أكثر مما قلت، لاحقاً من الممكن أن أتوسع أكثر في التفاصيل، كما أنه لا يهمني تخصيص أشخاص بعينهم الآن، بل السياسات المترهلة"، مضيفًا أن "البرلمان والقضاء الأردني سيناقشان الأسماء والمناصب والسياسات، وهذا عملهما كجهة رقابية".

امتعاض في الأوقاف
دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس التي تلقت إعلان استقالة عمرو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التزمت في البداية الصمت في الرد على اتهامات عمرو، لكن هذا الصمت لم يدم طويلاً، إذ سارعت الأوقاف إلى الرد في وقت كان يخضع فيه عمرو للتحقيق والاستجواب من قبل مخابرات الاحتلال التي طالبته بصرامة بالتوقف عن التدخل في شؤون الأقصى وما يجري فيه من تطورات. في دائرة الأوقاف الإسلامية، امتنع المسؤولون عن الإدلاء بأي تصريح رداً على اتهامات عمرو، وكان واضحاً امتعاضهم من هذه الاتهامات، مشيرين إلى لجان التحقيق التي شُكّلت من قبل الدائرة وحققت مع عمرو وصدر تقرير عنها من 71 صفحة موقّع عليه من قبل 6 من مدراء دوائر الأوقاف، وهو تقرير اشتمل على اتهامات كثيرة لعمرو، لخّصه البيان الوحيد الذي صدر عن لجنة التحقيق وذُكر فيه ارتكاب عمرو مخالفات خطيرة خلال عمله في مركز المخطوطات في المسجد الأقصى وأخذ الآلاف من صور الوثائق.


مسؤول في الأوقاف: ما يهمنا هو الرأي العام الذي يجب أن يتوحد فقط للدفاع عن الأقصى في هذه المرحلة الخطيرة


العديد من الأسئلة طرحها مسؤولو الأوقاف، تحفظوا على ذكر أسمائهم، في أحاديثهم مع "العربي الجديد"، تتعلق بتوقيت هذه الاستقالة ومضمون ما ورد فيها من اتهامات، في وقت يواجه الأقصى أخطاراً كبيرة تسعى الأوقاف للتصدي لها. مسؤول رفيع المستوى في الأوقاف أكد لـ"العربي الجديد" أن دائرة الأوقاف ستكتفي في هذه المرحلة بنشر بيان لجنة التحقيق لتوضيح حقيقة موقفها ولن تعلّق بشيء على ما نشره عمرو، وأن ما يهمها هو الرأي العام الذي يجب أن يتوحد فقط للدفاع عن الأقصى في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة.

انحرافات أمنية؟
في تخصصه الدراسي، سلّط عمرو الحديث حول حراسة المسجد الأقصى منذ العام 1948 ولغاية العام 2000 من خلال رسالة ماجستير، قامت على أرشيف أوقاف القدس، وخلص في هذه الدراسة إلى نتائج خطيرة في موضوع التنسيق الأمني.

وفي حديثه مع "العربي الجديد"، قال عمرو: "نحن لا نتحدث عن أمور تاريخية، بل عن انحراف حديث تمثل في دخول فريق أمني مشكّل من داخل دائرة أوقاف القدس إلى مكتبي داخل الأقصى وتفتيشه، بحثاً عن هارد ديسك، وبحثاً عن تسجيلات الكاميرات وشبكات الإنترنت في بداية إبعادي عن الأقصى، وكان الاحتلال قام بالأمر نفسه داخل منزلي وصادر حاسوبي وهاتفي وصوّر المخزن، لتزعم الأوقاف بعد ذلك في بيانها الأخير أن الهارد ديسك كانت عليه معلومات تهم الأوقاف، والحقيقة هي أنني من أبلغت الأوقاف بحيازتي لهارد ديسك برسائل موثقة كنت طبعتها وسلمتها للجنة التحقيق".

كان ما حدث من استدعاء لعمرو من قبل مخابرات الاحتلال في اليوم نفسه الذي أصدرت فيه الأوقاف بيانها ضده، رسالة واضحة كما يقول، "هي رسالة ضغط تجاه الحديث عما يجري في الأقصى، كانت رسائل واضحة، وكان عنوان جلسة التحقيق هو (أنت هنا لتحذيرك من الحديث في مواضيع تشكيل إدارة يهودية للمسجد الأقصى)، وانتهت المقابلة خلال نصف ساعة!".

عمرو: بيان لجنة التحقيق المنبثقة عن دائرة الأوقاف يؤكد حالة الترهل والضعف الذي وصلت إليه الدائرة

ورأى عمرو أن "بيان لجنة التحقيق المنبثقة عن دائرة الأوقاف الإسلامية يؤكد حالة الترهل والضعف الذي وصلت إليه الدائرة، بأسلوب معالجة الأمور وتحري المصداقية، أو في حرصها على مصداقيتها أمام جمهورها وسندها المقدسي المتابع لشؤون القدس والمسجد الأقصى، وهو بيان مثير للشفقة على أوقاف القدس، ومليء بالافتراءات والتي سيتم دحضها بنداً بنداً بالأدلة والوثائق، ثم سيتم نشر قضايا الانحرافات الإدارية والأمنية التي وصلت إليها أوقاف القدس".

وحول اتهامه للجنة التحقيق التي شُكّلت ضده بأنها صورية، قال عمرو: "بمجرد عودتي من الإبعاد الجائر عن الأقصى لستة شهور، شكّلت إدارة الأوقاف لجنة صورية بامتياز، في محاولة واضحة للضغط عليّ وإسكاتي أو تلفيق ما يمكن من اتهامات ذات صبغة إدارية (مخالفات إدارية) بهدف تبرير نقلي من المسجد الأقصى، والحقيقة أن لجنة التحقيق خالفت في تشكيلها وفي أسلوبها في التحقيق ثم في معالجة نتائج التحقيق لأربع مواد كاملة وواضحة في نظام الخدمة المدنية الأردني، وبالتالي كان هناك تجاوز خطير لنظام الخدمة الأردني وفصّلت ذلك لوزير الأوقاف الأردني" محمد الخلايلة. وأضاف أن "اللجنة عندما أنهت تحقيقاتها واستفساراتها مع عدة موظفين في الأقصى لم تطلعهم على خلاصة النتائج، بل أعطتها طابعاً من السرية وأرسلتها إلى وزارة الأوقاف وتضمنت تلفيقات كبيرة"، متابعاً: "الحقيقة أن نظام الخدمة الأردني يمنع بقاء نتائج التحقيق سرية في هذا الوضع، أي أنه يلزم الأطراف بكشف ما آلت إليه الأمور ويسمح للموظف بالدفاع وإرفاق رده على نتائج التحقيق وهذا لم يحصل، ما يطعن في مصداقية ونزاهة هذه اللجنة".

وبالنسبة للوثائق والصور التي اتُهم عمرو بأخذها من مركز المخطوطات، قال: "أنا ناقشت رسالتي الماجستير عن المسجد الأقصى واعتمدت فيها على أرشيف أوقاف القدس ـ قسم التراث، وكان المشرف عليّ في هذه الرسالة هو نائب عام مدير الأوقاف، وكان المناقش الداخلي لهذه الرسالة هو مديري المباشر مدير السياحة والآثار في المسجد الأقصى بإدارة الأوقاف، إذاً رسالتي كُتبت بمعرفة الأوقاف وبإشرافهم وعلمهم، وفي نقاشي لهذه الدراسة لدي مقاطع فيديو أتحدث فيها أمام مدير عام أوقاف القدس وأمام لجنة المناقشة وأذكر فيها بالأرقام ما الذي صورته، وما الذي فهرسته، وكيف عملت بالأرشيف".

عمرو: على الأوقاف القيام بإصلاحات في الأشخاص وفي السياسات قبل أن تضعف إلى حد لا يمكن إصلاحها

بالنسبة لعمرو، فالخطوات المقبلة بالنسبة إليه ستتكشف حسب تطورات الموقف، لكن التوجّه الطبيعي والأكيد هو كشف هذه الممارسات خصوصاً التي وردت في نص الرسالة التي بعثها لوزير الأوقاف الأردني ولم يحقق فيها. وقال إن "كل هذه النقاط كنت على تماس مباشر فيها وشاهد عيان عليها وأمتلك الأدلة والرواية حولها، لا تهمني في هذه المرحلة كل المشاكل التي تمر بها الأوقاف بقدر ما يهمني التركيز على القضايا الحساسة الأمنية والخطيرة التي مررت بها في الشهور الأخيرة، وهي ملفات حديثة وتؤشر إلى انحراف وأسلوب تعامل جديد يطرأ على الأوقاف". وحذر من "أن الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى باتت في خطر، ونحن حريصون على بقاء الوصاية العربية الإسلامية الأردنية على المسجد الأقصى لأن البديل عنها هو الحاخامية، والأوقاف الآن بحاجة إلى إصلاح مثالي".

الموقف الأردني
في الوقت الذي تجاهلت فيه وزارة الأوقاف الأردنية الرد على استفسارات "العربي الجديد" حول اتهامات عمرو لإدارتها في القدس بوجود انحرافات إدارية ومهنية، ولم توضح ما إذا كانت هناك إجراءات للتحقيق في هذه الاتهامات مع مدير أوقاف القدس، اكتفى المتحدث الإعلامي باسم الوزارة حسام الحياري، بالإشارة إلى البيان الذي أصدرته أوقاف القدس حول استقالة عمرو.

من جهته، أكد النائب في البرلمان الأردني ينال فريحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه قدّم مذكرة استجواب لوزير الأوقاف الأردني حول أوقاف القدس وعملها وإدارتها للمكان. وأضاف: "من الواضح أن هناك خللاً، في ظل أكثر من استقالة تقدّم بها حراس المسجد في الآونة الأخيرة، الذين قالوا إن هناك تقصيراً وأخطاء إدارية كبيرة، في مرحلة حساسة لا تحتمل الخطأ من جانبنا". وأشار فريحات إلى أن "قوات الاحتلال تعزز الاقتحامات للمسجد الأقصى وحماية المستوطنين، ووصلنا إلى مرحلة خطيرة من خلال النفخ بالبوق في ساحات المسجد الأقصى، في ظل منع حراس الأقصى من تصوير ذلك"، مشيراً إلى أنه تواصل مع مجموعة من الحراس الذين قدّموا استقالاتهم، والذين أكدوا له وجود تقاعس وخلل، خصوصاً في عمل مدير أوقاف القدس، عزام الخطيب، الذي تجاوز السبعين من العمر، وما زال مستمراً في منصبه. وبحسب فريحات، فإن من الواضح من خلال المشاهدات والاطلاع على المعلومات أن مدير الأوقاف لم يعد قادراً على الاضطلاع بهذه المهمة الحساسة.

نائب أردني: وزارة الأوقاف حتى اللحظة ليست على مستوى خطورة الموقف ولم ترتق بالأداء إلى ذلك

وأوضح فريحات أن الهدف الرئيسي من السؤال هو إشعار وزارة الأوقاف بخطورة الموقف، وأن هناك رقابة على عملها، ومتابعة، وضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة، لتصحيح الموقف. واعتبر أن وزارة الأوقاف حتى اللحظة ليست على مستوى خطورة الموقف ولم ترتق بالأداء إلى ذلك، خصوصاً في ظل التطورات لتعزيز التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وحكم محكمة الاحتلال بالصلاة الصامتة في ساحات المسجد الأقصى، تأكيداً على هذا التقسيم، ولذلك يجب أن تكون هناك مواقف قوية أكثر.

يُذكر أن مذكرة الاستجواب التي قدّمها فريحات لوزير الأوقاف الأردني، تساءل فيها عن واقع موظفي الأوقاف في القدس والمسجد الأقصى والإجراءات المتخذة لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على الأوقاف الإسلامية في القدس، وإجراءات الوزارة تجاه ما يتعرّض له الحراس في الأقصى من اعتداءات إسرائيلية وإبعاد وهدم لمنازلهم، ومنع مدير دائرة أوقاف القدس لموظفي الأوقاف من التصريح لوسائل الإعلام حول ما يجري من اعتداءات إسرائيلية، وأسباب عدم تقديم وزارة الأوقاف لأي شكوى لدى القضاء الأردني ضد اعتداءات الاحتلال على موظفي الحكومة الأردنية العاملين في دائرة أوقاف القدس. كما تضمّن السؤال الاستفسار عن عمليات الترميم اللازمة للمسجد الأقصى وما تواجهه من معوقات من الاحتلال، وإجراءات مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على الوصاية الأردنية على المقدسات، وعدد المقابر التي تعرضت للاعتداء في القدس من قبل سلطات الاحتلال.