أزمة فرنسا: سادس رئيس لحكومات ماكرون في اختبار أخير

07 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 23:36 (توقيت القدس)
ماكرون وبايرو، باريس، 13 يوليو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه البرلمان الفرنسي تصويتًا حاسمًا على الثقة في خطة رئيس الحكومة فرانسوا بايرو لخفض الديون، مما قد يؤدي إلى استقالته في حال عدم نجاحه. تأتي هذه الأزمة في ظل تراكم الديون والعجز المالي في فرنسا، مما يضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام خيارات صعبة، منها احتمال الدعوة لانتخابات مبكرة.

- يفتقر بايرو إلى الدعم الكافي في البرلمان، حيث يرفض اليمين المتطرف وتحالف اليسار منحه الثقة. تتضمن خطته المالية إجراءات تقشفية تثير معارضة واسعة، مما قد يؤدي إلى تظاهرات احتجاجية.

- مع استقالة بايرو المتوقعة، يواجه ماكرون تحدي اختيار رئيس حكومة جديد قادر على الحصول على دعم كافٍ في البرلمان، مع تداول أسماء مثل إريك لومبارد وجيرالد دارمانان.

ساعات قليلة تفصل البرلمان الفرنسي، اليوم الاثنين، عن موعد التصويت على الثقة بشأن خطة رئيس الحكومة فرانسوا بايرو لخفض الديون. جلسة مقررة بعد الظهر، ستفضي، إذا لم تحدث "معجزة"، إلى تقديم بايرو استقالته مع تسجيل خطابه "للتاريخ" بشأن الأزمة المالية التي تعصف بفرنسا. هذا الحدث الذي يحمل في طيّاته أسباباً اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى، هي نتيجة تراكمات أفضت إلى دخول فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، مسار ديون متزايدة وعجز مزمن، ستكون له تداعيات سياسية على البلاد، مع توالي الأزمات في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تتعقد الخيارات أمامه للمرحلة المقبلة، ومنها أن يدعو إلى انتخابات مبكرة ثانية، بعد الأولى "الانتحارية" التي دعا إليها العام الماضي، وأفقدت فريقه الأغلبية.

لا دعم في البرلمان

هذا السيناريو، ظلّ حتى يوم أمس مستبعداً من قبل أوساط الرئيس الفرنسي، ولا سيما أن مواجهة الانتحار السياسي، كما يوصف طلب بايرو الثقة، يتطلب مقاربة مختلفة هذه المرة وتلافي خطأ جديد، وقد يفتح الباب أمام شخصية جديدة لقيادة الحكومة، يمكن لماكرون أن يتفاوض معها مع اليسار الاشتراكي "المعتدل"، أو أن يبقى في معسكر اليمين، لكن ذلك لن يغلق الباب أمام أزمة فرنسا التي أصبحت مكرّرة في عهده منذ 2017، من دون أفق واضح، خصوصاً مع استعداد الشارع والنقابات العمّالية، أكثر من أي وقت مضى، للتظاهر بدءاً من يوم الأربعاء، مع حملة "فلنغلق كل شيء".

لا يريد بايرو أن يلجأ إلى تمرير الميزانية عبر المادة 49.3 من دون موافقة البرلمان

ويتوجه رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا بايرو، اليوم، إلى قصر بوربون (مقر الجمعية الوطنية في باريس)، لإلقاء خطابه الأخير رئيساً للحكومة، كما هو مرجح، مع فقدان حزب ماكرون "النهضة" وحلفائه واليمين الفرنسي ممثلاً بحزب "الجمهوريون"، الأغلبية المطلقة التي يحتاج إليه بايرو للبقاء في المنصب.

بعيدا عن الملاعب
التحديثات الحية

وحتى أمس، ظلّ اليمين المتطرف الفرنسي، أكبر كتلة لحزب واحد في البرلمان، رافضاً منح الثقة لبايرو، الذي تلحظ خطة ميزانيته للعام المقبل، والتي يريد منها توفير 44 مليار يورو على الخزينة، سلسلة إجراءات تشمل تجميد موازنات كل القطاعات باستثناء الدفاع وخدمة الدين، وإبقاء المعاشات التقاعدية على مستويات العام الحالي، وخفض الإنفاق على الرعاية الصحية، وتجميد رواتب موظفي القطاع العام، وتقليص التوظيف الحكومي، وتحديد سقف لمصاريف الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى حرمان الفرنسيين من يومي عطلة رسميين سنوياً. وكما اليمين المتطرف الممثل بحزب التجمع الوطني وحلفائه، يرفض تحالف اليسار (الحزب الاشتراكي وحزب فرنسا الأبية والشيوعيون والخضر) منح الثقة للحكومة، فيما يدفع اليسار الراديكالي واليمين المتطرف إلى إجراء انتخابات مبكرة وحتى إلى استقالة ماكرون.

فرنسا بانتظار حكومة جديدة

وبايرو هو سادس رئيس حكومة في عهد ماكرون، بعد إدوار فيليب وجان كاستكس وإليزابيث بورن وغابريال أتال وميشال بارنييه. وسنة تعيينه، 2024، كان رابع رئيس للحكومة، في دليل واضح على التخبط السياسي لعهد ماكرون، منذ أن دعا إلى انتخابات برلمانية مبكرة العام الماضي، وأفرزت في يوليو /تموز برلماناً منقسماً يتسم باستقطاب حاد. وأدّت تلك الانتخابات إلى صعود التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان كأكبر حزب في البرلمان (125 من أصل 577 نائباً)، فيما تصدر تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) بـ192 نائباً، يليه 166 لتحالف ماكرون (كان 250 في برلمان 2022).

ولا يملك بايرو، اليوم، لا أغلبية مطلقة ولا نسبية. ويجادل معارضون من فريقه خطوته، ويصفونها بأنها لم تكن ضرورية، وكان بإمكانه أن يلجأ إلى المادة 50.1 من الدستور، والتي يمكن للحكومة من خلالها أن تطرح نقاشاً أمام البرلمان، من دون إلزامية طلب التصويت عليه. من جهته، يعتبر بايرو أنه حتى لو كان قفز عن الخطوة، فإن حكومته ستسقط مع تقديم ميزانيته المقترحة، والتي لن يلجأ إلى تمريرها عبر المادة 49.3 من دون موافقة البرلمان، وهي المادة التي مكّنت ماكرون من تمرير مشروع رفع سنّ التقاعد.

من المتوقع أن تشهد فرنسا الأربعاء تظاهرات دعت إليها حركة "لنغلق كل شيء"

وكان سلف بايرو، بارنييه، قد لجأ إلى هذه المادة لتمرير ميزانية 2025، ما عرّض حكومته لحجب الثقة في البرلمان. وكان أتال قدّم استقالته في يوليو 2024، بعد فشل حزب ماكرون في الحصول على أغلبية برلمانية، فيما كان عُيّن خلفاً لإليزابيت بورن، التي استقالت في يناير/كانون الثاني 2024، بعد تسلّمها المنصب في مايو/أيار 2022، إثر فوز ماكرون بولاية ثانية. ومرّرت بورن قانونين غير شعبيين، ولا يحظيان بتوافق حزبي، هما إصلاح التقاعد، وقانون الهجرة المثير للجدل.

في كل الأحوال، يواجه الرئيس الفرنسي، اليوم الاثنين، معضلةً للمضي قدماً بعد استقالة بايرو المرجحة. وبحسب صحيفة "لا تريبون دي ديمانش"، أمس، فإن ماكرون الذي اجتمع يوم الثلاثاء الماضي، بأتال وإدوار فيليب (رئيس حزب أوريزون الحليف لماكرون وأحد الأسماء المطروحة للترشح للرئاسة في 2027)، وبايرو، وبرونو روتايو (وزير الداخلية ورئيس حزب الجمهوريين)، حيث أبدى الرئيس أسفه لخيار بايرو. وبحسب الصحيفة، سيكون على ماكرون اختيار رئيس حكومة مقبل و"عدم ارتكاب خطأ مجدداً" إذا ما أراد تجنب حلّ البرلمان، وهو الخيار "الذي لا يريد أبداً السماع عنه"، وفق تعبيرها.

وبينما من المتوقع أن تشهد البلاد الأربعاء (بعد غد) تظاهرات دعت إليها حركة "لنغلق كل شيء" التي برزت على وسائل التواصل الاجتماعي، ينتظر ماكرون كما يبدو، نتيجة الاتصالات التي يجريها فريقه مع الحزب الاشتراكي، الذي يتطلع إلى رئاسة الحكومة. وبحسب فريق الرئاسة، فإن أي حكومة مقبلة يجب أن تحظى بدعم الاشتراكيين، حتى لو لم تكن رئاستها من بينهم، علماً أن ماكرون كان رفض العام الماضي، الاسم الذي طرحه تحالف اليسار لرئاسة الحكومة، وهي لوسي كاستيتس، وهي خبيرة اقتصادية وموظفة رفيعة في القطاع العام.

ومن الأسماء المطروحة لخلافة بايرو، وزير المالية إريك لومبارد، ووزير العدل (والداخلية السابق) جيرالد دارمانان، ووزير الدفاع سيباستيان لوكورنو. كما يبرز من الأسماء المطروحة، رئيس الوزراء الاشتراكي السابق برنار كازنوف، وكزافييه برتران، القيادي في حزب "الجمهوريين" الذي يرشحه زعيم اليمين في البرلمان، لوران فوكييه.

ورأت صحيفة لوموند، أول من أمس، أن خطوة بايرو "قفزة في المجهول" و"خيار منفرد"، ويرى فيها السياسيون "خطوة غير مفهومة" و"استقالة غير معلنة". وظلّ بايرو، طوال فترة تسلمه الحكم، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، يحذر من ارتفاع مديونية فرنسا، ويبدو أنه راهن الأسبوع الماضي على حوار مع جزءٍ من اليسار، وهو ما فشل فيه.

المساهمون