استمع إلى الملخص
- تعنت كورتي يهدد بإجراء انتخابات مبكرة ويعطل إبرام اتفاقات المساعدة الأوروبية، مما قد يحرم كوسوفو من 883 مليون يورو. كما يؤثر على محادثات التطبيع مع صربيا.
- تاريخياً، كانت كوسوفو جزءاً من يوغوسلافيا وأعلنت استقلالها في 2008. التوترات العرقية مستمرة، حيث يرفض الصرب في شمال كوسوفو سلطة الجمهورية.
"لا تساوي ألبولينا حجيو 90 مليون يورو". هكذا علّق أحد النواب في برلمان كوسوفو، قبل أسابيع قليلة، مع استمرار فشل البرلمان الكوسوفي في انتخاب رئيس أو رئيسة له، ما يعني استمرار حكومة رئيس الوزراء المنتهية ولايته ألبين كورتي في تصريف الأعمال، وسط اتهامات له من المعارضة، بتعطيل الحياة السياسية، وتعريض كوسوفو لإمكانية حرمانها من مساعدات أوروبية أولية بقيمة 90 مليون يورو. وأبعد من ذلك، يخشى مراقبون من أن تؤدي الأزمة السياسية في كوسوفو، والمرتبطة بالانسداد المتواصل منذ 9 فبراير/شباط الماضي، سواءً في تشكيل حكومة جديدة أو انتخاب رأس للبرلمان، إلى تقاعس كوسوفو عن مواجهة التحديات المحيطة بمنطقة البلقان، مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية، وتمسّك روسيا وأوكرانيا حتى الآن بخيار المواجهة، بالإضافة إلى تأخرها في اللحاق بركب الاتحاد الأوروبي.
كورتي يرفض التنازل
ويُتهم كورتي بأخذ المشهد السياسي في كوسوفو، رهينةً له ولحزبه "فيتفيندوسيي" (تقرير المصير – وسط يسار) الحاكم منذ عام 2021، بعدما رشّح وزيرة العدل (في حكومتيه) ألبولينا حجيو (38 عاماً) لمنصب رئيسة البرلمان، الذي انبثق عن الانتخابات التشريعية التي أجريت في فبراير الماضي. تلك الانتخابات لم تسفر عن أغلبية حاسمة، وحظي فيها حزب "فيتفيندوسيي"، بـ48 مقعداً من أصل 120. نسبة لا تخوّل هذا الحزب، تشكيلَ الحكومة منفرداً، ولا تمنح الأصوات البرلمانية الكافية، لترجيح رئيس أو رئيسة للبرلمان، كما أن الأصوات من الأحزاب الصغيرة (خصوصاً تلك التي تسمى أحزاب الأقليات) لم تكف لتمرير اسم وزيرة العدل، ما أوصل عدد جلسات البرلمان لانتخاب رئيسه يوم الاثنين الماضي إلى 50 جلسة، منذ فبراير، فشلت كلّها في الوصول إلى حلّ وسط. وكانت المحكمة الدستورية تدخلت في أواخر يونيو/حزيران الماضي، على خلفية الأزمة، وأمرت بضرورة انتهاء الجمود السياسي بحلول 26 يوليو/تموز الحالي. وتتجه الأنظار إلى جلسة اليوم الأربعاء، التي ستكون الجلسة 51، إذ يفرض الدستور الكوسوفي عقد دورات برلمانية كل 48 ساعة حتّى انتخاب شخص على رأس البرلمان، من دون أن ينصّ على مهلة قصوى لذلك.
كوسوفو مهدّدة بالحرمان من ملايين يوروهات المساعدات الأوروبية
وتتهم أحزاب المعارضة كورتي بأخذ البلاد رهينة له وللحزب الحاكم، في وقت حسّاس، وذلك بسبب رفضه القاطع الانصياع لرغباتها بتغيير مرشحته للمنصب. وبموجب القانون، لا يمكن تشكيل أي حكومة لكوسوفو التي يبلغ تعداد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة، من دون انتخاب رئيس البرلمان الذي يتعين عليه التصويت على منح الثقة للحكومة أو رفضها. وترفض أحزاب المعارضة، ترشيح ألبولينا حجيو، التي تعتبرها وجهاً استفزازياً، وغير قادرة على توحيد البرلمان، إذ تتهمها بالفساد وخرق الدستور مرات عدّة خلال توليها قيادة وزارة العدل، كما تأخذ عليها فشلها في تمرير إصلاحات قضائية ضرورية تطالب بها المعارضة. وشكّلت جلسة أول من أمس، استفزازاً إضافية للمعارضة، مع إعلان أفني دهاري، النائب الذي يرأس المناقشات بحكم أنه الأكبر سناً، للمرة الـ50 "رفع الجلسة"، وبعدما حاول العديد من النواب التحدث، قام بكتم صوت ميكروفوناتهم.
مصير معلّق لمساعدات كوسوفو
ويعجز الحزب الحاكم، عن إيجاد شريك له حتى اليوم، للوصول إلى 61 مقعداً التي تخوله تشكيلَ ائتلاف حكومي، ويرفض حزب "تقرير المصير" التحالف مع الحزب الديمقراطي في كوسوفو (24 مقعداً) أو الرابطة الديمقراطية في كوسوفو (20 مقعداً) أو التحالف من أجل كوسوفو (8 مقاعد)، وتتهم جميع الأطراف بعضها بالتعطيل، في وقت يهدّد هذا الجمود بالذهاب إلى انتخابات مبكّرة. واعتبرت الأمينة العامة للحزب الديمقراطي في كوسوفو (يمين وسط)، فلورا سيتاكو، أول من أمس، أن "كوسوفو رهينة ألبين كورتي". من جهته، أقدم المحامي المعروف في البلاد، أريانيت كوتشي، على حلق رأسه أمام مبنى البرلمان، الاثنين، احتجاجاً، محذراً من أن "سيادتنا مُهدّدة، وأصدقاؤنا وأعداؤنا يوشكون على إقناع أنفسهم بأننا عاجزون عن صيانة دولتنا".
تتهم المعارضة ألبين كورتي برهن البلاد لمصالحه
ويهدّد التأخير في انتخاب رئيس للبرلمان، بحجب ملايين اليوروهات من المساعدات الأوروبية عن كوسوفو، لا سيّما من خلال إرجاء إبرام اتفاقات مساعدة أوروبية، ما يحرم البلد من حوالى 883 مليون يورو من القروض والإعانات. ولا يقتصر الضّرر على البعد الاقتصادي، بل قد يضرّ بمحادثات التطبيع مع صربيا، برعاية أوروبية، التي أخفقت حتى الآن في إحداث اختراق.
وكانت كوسوفو جزءاً من يوغوسلافيا إلى أن أدّت انتفاضة مسلحة بين عامَي 1998-1999 من جانب الأغلبية الألبانية في الإقليم إلى حملة قمع دامية شنّها الصرب. وأدت حملة قصف لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلى إجبار القوات الصربية على الخروج من كوسوفو لإنهاء الحرب. وبعد حرب كوسوفو التي راح ضحيتها حوالى 11 ألف شخص، معظمهم من الإثنية الألبانية التي تشكّل الأغلبية، أعلنت كوسوفو الاستقلال عن صربيا في 2008، واعترفت معظم الدول الأوروبية بسيادتها، وهو ما ترفضه حتى الآن روسيا، الحليفة لصربيا. وتحافظ بعثة للناتو على الأرض على السلام الهشّ في كوسوفو. وكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد حثّا كوسوفو وصربيا، أخيراً، على تنفيذ اتفاقات جرى التوصل إليها قبل عامَين، تتضمن التزاماً من كوسوفو بإنشاء تجمع بلديات ذات أكثرية صربية، مع التزام صربيا بالاعتراف بكوسوفو. ويشكل الصرب 5% من سكّان كوسوفو، ويُعبّر نحو 50 ألف صربي في شمال كوسوفو على الحدود مع صربيا، عن رفضهم لسلطة جمهورية كوسوفو بالامتناع عن دفع ضرائب أو تكاليف طاقة ويهاجمون الشرطة باستمرار، وهم يحصلون على امتيازات من ميزانية صربيا.
وترفض المرشحة لمنصب رئيسة البرلمان في كوسوفو، فكرة إنشاء تجمع بلديات ذات أكثرية صربية، وتقول إنه حتّى مع إنشائه، إذا حصل، فلن يحصل على صلاحيات تنفيذية. ورداً على انتقادات أميركية أخيراً لكوسوفو، ردّت بأن الخطأ كان من الأساس التوقيع على اتفاقية تطبيع العلاقات بين كوسوفو وصربيا (اتفاقية بلغراد) في عام 2013، وأنّ الانتقادات يجب أن توجه إلى صربيا لانتهاكاتها المستمرة على الحدود.
ويرى متابعون للوضع في كوسوفو، أن استمرار أزمة رئاسة البرلمان قد تمنح المجتمع الدولي ذريعة جديدة لاعتبار كوسوفو غير ناضجة سياسياً، في وقت تشتد التوترات الجيوسياسية في المنطقة التي تقع أيضاً في نطاق التنافس الأميركي الصيني.
(العربي الجديد، فرانس برس)