أزمة سريلانكا تكبر: إجراءات قمعية متزايدة لوقف الاحتجاجات

أزمة سريلانكا تكبر: إجراءات قمعية متزايدة لوقف الاحتجاجات

04 ابريل 2022
اعترضت قوات الأمن تظاهرة للمعارضة أمس (إيشارا كوديكارا/فرانس برس)
+ الخط -

تتفاقم الأزمة في سريلانكا بسرعة. التظاهرات التي بدأت منتصف الأسبوع الماضي احتجاجاً على أزمة اقتصادية غير مسبوقة، بدأت تتحول لما يشبه أزمة سياسية ومواجهة مع المعارضة التي مُنعت أمس الأحد من التظاهر ضد خطوات رئيس البلاد، غوتابايا راجاباكسا، الذي يواصل اتخاذ الإجراء تلو الآخر من أجل مواجهة الاضطرابات المتزايدة في أنحاء مختلفة من البلاد، ووضع حدّ للاحتجاجات ضده وضد الحكومة التي يقودها شقيقه ماهيندا راجاباكسا.

لا يتوقع أن يهدأ غضب السريلانكيين أو أن تخمد التظاهرات ضد السلطة الحاكمة قريباً، خصوصاً أن الأزمة الاقتصادية تتفاقم والأسعار تقفز بشكل كبير بين يوم وآخر بما يفوق قدرة المواطنين الذين تحوّلت حياتهم إلى طوابير، على التحمل.

إجراءات قمع جديدة لوقف الاحتجاجات

وفي آخر الإجراءات لقمع الاحتجاجات بعد فرض راجاباكسا حالة طوارئ مساء الجمعة الماضي، ثم حظر تجوّل أول من أمس السبت لمدة 36 ساعة، عُطلت أمس الأحد وسائل التواصل الاجتماعي في سريلانكا، فيما منع جنود وعناصر من الشرطة تظاهرة للمعارضة احتجاجاً على الرئيس.

وكانت منصات تويتر وفيسبوك وواتساب ويوتيوب وانستغرام، بين شبكات التواصل الاجتماعي التي يتعذر استخدامها في كل أرجاء البلاد أمس.

تقييد الوصول إلى منصات من بينها تويتر وفيسبوك وواتساب ويوتيوب وإنستغرام

وقالت منظمة "نت بلوك" لمراقبة الإنترنت إن سريلانكا فرضت قيوداً على الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية.

وأوضحت المنظمة في تغريدة: "تظهر بيانات الشبكة أن سريلانكا فرضت تعتيماً على وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى البلاد، مما أدى إلى تقييد الوصول إلى منصات من بينها تويتر وفيسبوك وواتساب ويوتيوب وإنستغرام، مع إعلان حالة الطوارئ وسط احتجاجات واسعة النطاق".

وقال رئيس هيئة تنظيم الاتصالات، جايانتا دي سيلفا، لـ"رويترز"، إن "حجب وسائل التواصل الاجتماعي مؤقت وفُرض بناء على تعليمات خاصة من وزارة الدفاع. لقد فُرض لمصلحة البلاد والشعب للحفاظ على الهدوء".

وقبل أن يحصل هذا التعطيل، كان ناشطون مجهولون قد وجهوا عبر الإنترنت دعوات جديدة للتظاهر بكثافة أمس الأحد مع وسوم مناهضة للسلطة من بينها #GoHomeRajapaksas (ارحل راجاباكسا). وجاء في منشور السبت "لا تدعوا الغازات المسيلة للدموع تردعكم، قريباً ستنفد منهم الدولارات للتزود مجدداً بها".

تعطيل تظاهرة للمعارضة السريلانكية

وبينما أقام جنود يحملون بنادق ورجال شرطة نقاط تفتيش كثيرة في كولومبو، أمس الأحد، تجمع مئات الأشخاص على رأسهم نحو 20 من نواب المعارضة، أمام مقر إقامة زعيم المعارضة ساجيث بريماداسا، وبدأوا التوجه إلى ساحة الاستقلال في كولومبو متحدين حظر التجول المفروض حتى صباح اليوم الإثنين، وهاتفين ضد الرئيس. لكن سرعان ما منعتهم من التقدم مجموعة كبيرة من العسكريين وعناصر الشرطة المسلحين ببنادق آلية.

وفي الأيام العادية، يكتفي الجيش بدور الداعم للشرطة، لكن مع إعلان الرئيس حالة الطوارئ مساء الجمعة، بات بإمكان الجيش التدخل بمفرده وتوقيف مدنيين خصوصاً. كما أنه يمكن في ظل الطوارئ أن يأذن الرئيس بمصادرة ممتلكات وتفتيش مباني، وكذلك تغيير أو تعليق أي قانون باستثناء الدستور.

وقال زعيم المعارضة ساجيث بريماداسا، متوجهاً لعدد من قوات الأمن التي اعترضت النواب "هذا غير دستوري... أنتم تنتهكون القانون. من فضلكم فكروا في الناس الذين يعانون. لماذا تحمون حكومة كهذه؟".

بدورها، قالت نالين باندارا، وهي نائبة معارضة أخرى: "إلى متى يمكن أن يحكموا في ظل حالة الطوارئ؟ في أول ساعة سيرفع فيها حظر التجول سيعود الناس إلى الشوارع".

كما قال النائب المعارض هارشا دي سيلفا، لوكالة "فرانس برس": "أجدر بالرئيس راجاباسكا أن يدرك بأن المد بدأ ينقلب على نظامه السلطوي". وأضاف "لا يمكننا السماح بهيمنة العسكر على السلطة. يجب أن يدركوا أننا لا نزال نظاماً ديمقراطياً".

نائب معارض: أجدر بالرئيس راجاباسكا أن يدرك بأن المد بدأ ينقلب على نظامه السلطوي

ومُنع المصورون الصحافيون من الوصول إلى ساحة الاستقلال التي يتجمع فيها عادة المتظاهرون في كولومبو. ومساء السبت، تحدى مئات الأشخاص حالة الطوارئ وحظر التجول اللذين فرضهما الرئيس راجاباكسا، وخرجوا في تظاهرات في أحياء عدة من كولومبو وضاحيتها. وقالت الشرطة في بيان أمس الأحد، إنها ألقت القبض على 664 شخصاً لخرقهم حظر التجول.

وكان الرئيس السريلانكي برر اتخاذ هذه الإجراءات الاستثنائية بضرورة "حماية الأمن العام والمحافظة على الإمدادات والخدمات الأساسية لحياة المجتمع". وليل الخميس الجمعة، توجه مئات المتظاهرين إلى منزل الرئيس مطالبين باستقالته واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم.

وبدأت تظهر خلافات داخل السلطة أيضاً، إذ قال نامال راجاباكسا وزير الرياضة وابن شقيق الرئيس، إنه "لن يتغاضى أبداً عن حجب وسائل التواصل الاجتماعي". وأشار عبر "تويتر" إلى "توافر شبكات خصوصية افتراضية (في بي أن) كالتي استخدمها راهناً تجعل من هذا التعطيل غير مفيد بتاتاً".

وينتمي غوتابايا راجاباكسا إلى عائلة حاكمة كانت تحظى في الماضي بتأييد جزء كبير من الغالبية السنهالية في البلاد لأنها وضعت حداً في العام 2009 لحرب أهلية إثنية مع نمور التاميل. إلا أن التأييد لعائلة راجاباكسا انهار بسبب الأزمة الاقتصادية.

أسوأ أزمة اقتصادية في سريلانكا منذ استقلالها

وتواجه الدولة البالغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، نقصاً حاداً في السلع الأساسية وارتفاعاً كبيراً في الأسعار وانقطاعاً طويلاً للكهرباء، وهي أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها العام 1948.

وتفاقمت الأزمة مع تفشي جائحة كورونا التي قضت على السياحة وأوقفت التحويلات المالية من السريلانكيين العاملين في الخارج، فيما فرضت السلطات حظراً واسعاً على الواردات في محاولة لادخار العملات الأجنبية.

وفاقمت قرارات سياسية غير موفقة هذه المشاكل، بحسب خبراء اقتصاد. فقد حرمت تخفيضات ضريبية غير مناسبة قبيل الجائحة، الدولة من إيرادات وأدت إلى ارتفاع عبء الدين. وقد تطيح الأزمة الحالية بالأمل بانتعاش القطاع السياحي. وطلبت سريلانكا مساعدة صندوق النقد الدولي إلا أن المفاوضات قد تستمر حتى نهاية العام الحالي.

ألقت الشرطة القبض على 664 شخصاً لخرقهم حظر التجول

وينتظر المواطنون في طوابير طويلة للحصول على مختلف المواد الأساسية بما في ذلك الغاز، وتنقطع الكهرباء لعدة ساعات يومياً بسبب عدم وجود وقود كاف لتشغيل محطات الطاقة، كما أدى الطقس الجاف إلى استنفاد قدرة الطاقة الكهرومائية.

وتعود المشاكل الاقتصادية لهذه الدولة إلى فشل الحكومات المتعاقبة في تنويع الصادرات، وبدلاً من ذلك اعتمدت على مصادر النقد التقليدية مثل الشاي والملابس والسياحة، وعلى ثقافة استهلاك السلع المستوردة.

وبينما تسعى الحكومة للحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي، والتوجه إلى القوى الإقليمية ولا سيما الصين والهند، التي قد تكون قادرة على المساعدة، إلا أن الغضب الشديد يزداد داخل سريلانكا.

ويحذر خبراء من أن الوضع من المرجح أن يزداد سوءاً. ويشير المحتجون في الشوارع، إلى سوء الإدارة، إذ زادت ديون سريلانكا الخارجية بشكل كبير بعد الاقتراض بكثافة من أجل مشاريع لا تدر مالاً.

وفي السياق، يقول مرتضى جافرجي، رئيس مركز أبحاث "أدفوكاتا" ومقره كولومبو، لشبكة "سي أن أن"، إن الأزمة الحالية ناتجة "بنسبة 30 في المائة عن أزمات خارجة عن الإرادة مثل كورونا والجفاف وغيره، و70 في المائة عن سوء إدارة".

ويصف جافرجي تحركات الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية بأنها "سلسلة من الأخطاء الفادحة تلو الأخرى".

من جهته، يشعر بايكياسوثي سارافاناموتو، المدير التنفيذي لمركز بدائل السياسة ومقره كولومبو، بالقلق من احتمال تصاعد إحباط الناس من الحكومة وغضبهم. ويقول لـ"سي أن أن": "من الواضح أن الأمور ستزداد سوءاً قبل أن تتحسن. هناك الكثير من الكراهية والغضب ضد الرئيس والحكومة".

ولا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن ما سيحدث في الأيام المقبلة، فقد تضاعف تضخم أسعار المواد الاستهلاكية ثلاث مرات من 6.2 في المائة في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 18.7 في المائة في مارس/آذار الماضي، وفقاً للبنك المركزي للبلاد. وتثير الاحتجاجات المتصاعدة، احتمال وقوع أحداث أسوأ في المستقبل.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)