أزمة رئاسة مجلس الدولة الليبي: تضارب جديد في أحكام القضاء

18 يناير 2025
المجلس الأعلى للدولة الليبي (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدرت محكمتان ليبيتان أحكاماً متضاربة بشأن انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، مما زاد من حدة الانقسام السياسي بين محمد تكالة وخالد المشري، حيث ألغت محكمة استئناف جنوب طرابلس نتائج انتخابات أغسطس، بينما ألغت محكمة الزاوية نتائج انتخابات نوفمبر.

- الخلاف بين المشري وتكالة يتجاوز الجانب القانوني ليصبح سياسياً، حيث يرتبط بمصالح سياسية تشمل مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية، مما يهدد بشلّ جهود إحياء العملية السياسية في ليبيا.

- تسعى البعثة الأممية لإحياء الحوار السياسي بمبادرات جديدة، لكن الانقسام داخل مجلس الدولة يعوق هذه الجهود، مما يثير تساؤلات حول شرعية المبادرات ويهدد الاستقرار السياسي في ليبيا.

أصدرت محكمتان ليبيتان أحكاماً قضائية متضاربة بحق انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، المختلف حول صحة نتائجها منذ أغسطس/آب الماضي، ما يزيد من حكم انقسام المجلس ويلقي بظلاله على العملية السياسية؛ التي تعتزم البعثة الأممية إحياءها من خلال مبادرة حوار جديدة. ودخل مجلس الدولة في انقسام حاد منذ أولى جلسات انتخاب رئاسة المجلس في أغسطس الماضي بين الرئيس السابق محمد تكالة ومنافسه خالد المشري. وعلى الرغم من فوز المشري بواقع 69 صوتاً مقابل حصول تكالة على 68 صوتاً، إلا أن خلافات تلت الإعلان عن نتائج التصويت، بسبب استبعاد ورقة حملت كتابة على ظهرها استجابة لطلب المشري؛ الذي اعتبر الكتابة تمييزاً يخالف لوائح التصويت بالمجلس. لكن تكالة طالب باحتسابها وإعادة جولة الانتخاب، مصراً على أن الكتابة على الورقة لا تحمل تمييزاً.

ووسط إصرار المشري وتكالة على موقفيهما، وصلت قضية الخلاف إلى دائرة المحاكم للنظر فيها، وصدرت عدة أحكام قضائية تضاربت في قبول طعون الطرفين. ووسط استمرار الخلافات دعا تكالة أعضاء مجلس الدولة لإعادة الانتخابات وعقد لذلك جلسة في نوفمبر الماضي وانتهت بإعادة انتخابه رئيساً للمجلس، وسط رفض المشري الذي لم يشارك وأنصاره من أعضاء المجلس في الجلسة.

والخميس الماضي أصدرت الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف جنوب طرابلس حكماً يقضي بإلغاء نتائج جلسة انتخابات المجلس الأعلى للدولة في السادس من أغسطس الماضي، بسبب "مخالفات قانونية وإجرائية أثرت على شرعية الجلسة ونتائج الانتخابات؛ والتي أُعلن بموجبها خالد عمار المشري رئيساً للمجلس".

ومن بين المخالفات التي رصدتها المحكمة في جلسة الانتخابات "مشاركة أعضاء فاقدين للصفة القانونية" في إشارة لعضوين من أعضاء المجلس شاركا في انتخاب المشري؛ على الرغم من استقالتهما من منصبيهما بعد تقلدهما مناصب أخرى، بالإضافة لإعلان المشري رئيساً دون الحسم في الورقة الجدلية، التي تضمنت علامات تشير إلى مخالفة للوائح المجلس في عملية الاقتراع.

وفي ظل هذه النزاعات القانونية اعتبرت المحكمة إعلان المشري نفسه رئيساً "تجاوزاً للصلاحيات واغتصاباً للسلطة دون سند قانوني"، واعتبار الجلسة "كأنها لم تكن، مع إلزام خالد المشري بتحمل المصاريف القانونية للدعوى".

وفور صدور الحكم أعلن محمد تكالة، بصفته رئيساً للمجلس، عن ترحيبه بالحكم وأنه "دليل على صحة قرار المجلس بالانتخابات التي أجراها في شهر نوفمبر الماضي والتي نتج عنها مكتب رئاسة جديد برئاسة محمد تكالة"، في إشارة إلى جلسة الانتخابات التي دعا تكالة لعقدها في 12 نوفمبر الماضي لإعادة انتخابات رئاسة المجلس، وأبدى المشري اعتراضه عليها ورفض نتائجها.

ومن جانبه، نفى المشري اعتبار حكم محكمة جنوب طرابلس في قضية خلافه مع تكالة حول انتخابات رئاسة المجلس صحيحاً، مؤكداً أنه حكم صدر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة، وهي غير مختصة بالنظر في القضية لطبيعتها الدستورية.

وفيما أوضح المشري، بتدوينة على حسابه في فيسبوك، أنه وأنصاره في مجلس الدولة بانتظار بت المحكمة العليا بالقضية، بناء على طعن تقدم به إلى المحكمة العليا، أصدرت محكمة الزاوية، غرب طرابلس حكماً آخر بالتزامن قضى بإلغاء نتائج جلسة الانتخابات التي عقدها تكالة في نوفمبر الماضي.

وأكدت محكمة الزاوية وقف تنفيذ ما نتج عن جلسة انتخاب نوفمبر الماضي "وما ترتب عليها من إجراءات وآثار، إلى حين الفصل في موضوع النزاع حول رئاسة المجلس بحكم باتّ، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل".

خلاف سياسي "لا قانوني"

ويوافق المحامي والخبير القانوني بلقاسم القمودي على صحة تفسير المشري لحكم محكمة جنوب طرابلس، مؤكداً عدم اختصاص القضاء الإداري بالنظر في قضية الخلاف القائم بشأن صحة جلسة الانتخابات، وأكد كذلك صحة حكم محكمة الزاوية "لأنه يوقف حالة التأزيم من الطرفين".

ويضيف القمودي قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن حكم محكمة جنوب طرابلس بناء على طلب تكالة، وكذلك حكم محكمة الزاوية بطلب من المشري، ولهذا يستمر الطرفان في توظيف القضاء والزج به في أتون هذه الدوامة، التي لن تنتهي باعتبار كثرة الثغرات التي يمكن النفاذ منها في القضية". وأشار إلى أن الخلاف بين الطرفين "سياسي وليس قانونياً للبحث في طبيعته إدارية كانت أم دستورية، وحالة التأزيم ستستمر لارتباطها بالوضع السياسي القائم في البلاد".

الخلاف بين المشري وتكالة "سياسي وليس قانونياً للبحث في طبيعته إدارية كانت أم دستورية

ومنذ دخول المجلس في خلافات انتخابات رئاسة المجلس لم يتمكن من عقد جلساته، على الرغم من إعلان مجلس النواب، الشريك الأساسي لمجلس الدولة في العملية السياسية، عن اعترافه بالمشري رئيساً ورفضه عودة تكالة لرئاسة المجلس، بسبب التقارب الكبير بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والمشري وعلى خلفية قرب تكالة من مصالح وسياسات حكومة الوحدة الوطنية، التي يعتبرها مجلس النواب منتهية الولاية. وعليه يحذر الناشط الحزبي جمعة شليبك من وقوف الجميع وراء توسيع دائرة الخلاف داخل مجلس الدولة "لشلّ أي توجه لإحياء العملية السياسية، التي لن تتم بالانقسام الحاد الذي يعيشه مجلس الدولة".

ووفقاً لرأي شليبك فإن الحكمين الأخيرين من محكمتي جنوب طرابلس والزاوية أدخلا المجلس مرحلة جديدة من الانقسام الحاد، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أنها "أخطر مراحله السابقة، فخلافاً للسابق يوجد الآن أمل لعودة الحوار السياسي للنظر في قضايا الانتخابات وإنهاء أزمة الانقسام الحكومي".

ويلفت شليبك إلى فحوى المبادرة السياسية التي أعلنت عنها البعثة الأممية بتشكيل لجنة استشارية ولجان أخرى للحوار دون أي ذكر لمجلسي النواب والدولة. وحسب رأيه فإن البعثة تتحدث عن مرحلة أولى لإعادة الحوار السياسي، ولا بد من مراحل أخرى من وجود المجلسين، مضيفاً: "مبادرة البعثة تعترضها عرقلة كبيرة وهي شرعيتها التي لن تقوم إلا على أسس الاتفاقات السياسية السابقة التي يوجد فيها المجلسان بصفتهما طرفين أساسيين للمصادقة على نتائج أي حوار والانتقال بها إلى التنفيذ، وفي ظل وجود حقيقي لمجلس الدولة لن تتمكن البعثة من بعث الحياة في مبادرتها".

ويذكّر الناشط الليبي بقدرة البعثة الأممية على تجاوز خلافات مجلس الدولة إبان اندلاع أزمة المصرف المركزي في أغسطس الماضي، التي اقتضت اتفاقاً بين مجلسي الدولة والنواب لتعيين محافظ جديد للمصرف، فاختارت ممثلاً لمجلس الدولة من واقع اتفاق اللجان الدائمة فيه، مستدركاً بالقول "طبيعة الحوارات في مبادرة البعثة سياسية، بمعنى أنها لا تتوقف على جانب دون آخر، بل حوار لبناء اتفاق سياسي جديد لن يفيد فيه وجود ممثل من لجان المجلس عنه خاصة مع هذه اللجان التي أصبحت منقسمة في ولائها بين المشري وتكالة".

ويعبر شليبك عن اعتقاده بأن "الجميع الآن يشارك في تعميق الانقسام داخل مجلس الدولة لمصلحة عرقلة مبادرة البعثة التي ستشكل تهديداً لبقاء كل القائمين في سدة الحكم الآن" بما في ذلك مجلس النواب الذي يدعم المشري والحكومة التي تدعم تكالة، وفقاً لرأيه.