أزمة تشريعية في كردستان العراق: صراعات حزبية تُعقّد المشهد

أزمة تشريعية في كردستان العراق: صراعات حزبية تُعقّد المشهد

25 نوفمبر 2022
أجريت آخر انتخابات محلية في كردستان عام 2018 (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -

يتأزم المشهد السياسي في إقليم كردستان العراق مع انتهاء دورة برلمان الإقليم في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، لتبدأ فترة "عام التمديد" التي شرّعها البرلمان لنفسه، على الرغم من انتقادات واسعة لهذا القرار، فيما أخفقت القوى السياسية في الإقليم لغاية الآن في إقرار قانون خاص بالانتخابات التشريعية للإقليم أو تحديد موعد مبدئي جديد لإجراء الانتخابات.

وتعتبر كتل برلمانية معارضة للسلطة في كردستان أن البرلمان "فاقد للشرعية" منذ 6 نوفمبر، ضمن رفضها قرار تمديد عمله، مؤكدة بطبيعة الحال أن الحكومة المحلية في الإقليم هي الأخرى فقدت الشرعية على اعتبار انتهاء الدورة البرلمانية التي تقترن الحكومة بها، والتي تشكلت في العام 2018.

وصادق البرلمان بثمانين صوتاً من أصل 111 صوتاً على قرار تمديد الدورة النيابية الخامسة له في 9 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وبموجب النظام الداخلي، فبعد مضي 15 يوماً من إرسال رئاسة البرلمان قرار التمديد إلى رئاسة الإقليم، يصبح القرار مصادقاً عليه، حتى لو لم يوقّع الرئيس عليه.

وتتوزع مقاعد برلمان كردستان الحالي على 17 كتلة تضم كافة المكونات والقوميات داخل الإقليم، أبرزها كتلة الحزب "الديمقراطي الكردستاني" التي لها 45 مقعداً، تأتي بعدها كتلة "الاتحاد الوطني" ولها 21 مقعداً.

وكانت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، قد وجّهت انتقادات إلى القوى السياسية في الإقليم، من خلال الإحاطة التي قدّمتها إلى مجلس الأمن الدولي، وقالت فيها إن تداعيات سياسية قد تنجم عن عدم إجراء انتخابات برلمانية لإقليم كردستان في وقتها المناسب، وعدم التعامل مع توقعات الجمهور تعاملاً صحيحاً.

وتتزامن الخلافات مع واحدة من أعقد فترات التأزم الأمني التي يعيشها الإقليم، بسبب العمليات العسكرية التركية والإيرانية المتواصلة على مناطق عدة منه تشهد أنشطة لجماعات كردية تركية وإيرانية معارضة، وسط مخاوف من تدخّل بري لإيران في بلدات حدودية تابعة للإقليم.

أسباب الخلافات الكردية

وتعترض كتل المعارضة في البرلمان، وهي كتلة الاتحاد الاسلامي، وجماعة العدل، والجيل الجديد، ونواب منشقون عن كتلهم أو يسمون أنفسهم مستقلين، على تمديد عمل البرلمان عاماً آخر، بعد فشل الأحزاب والقوى السياسية في الإقليم بتحديد موعد لإجراء الانتخابات. وترفض تلك القوى تأجيل الانتخابات البرلمانية في الإقليم، معتبرة مبررات تأجيلها حججاً واهية للاستمرار في الاستحواذ على مفاصل السلطة والمؤسسات الحكومية.

أما الأحزاب المشاركة في حكومة الإقليم (الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، حركة التغيير)، وهي المكونات الرئيسة في التشكيلة الوزارية، فتقول إن الظروف الحالية غير مؤاتية لإجراء الانتخابات بسبب عدم التحضيرات اللوجستية وعدم الاتفاق فيما بينها على آلية الانتخابات.

قانون الانتخابات الجديد يبقى أبرز نقطة خلافية بين "الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"

ويبقى قانون الانتخابات الجديد، الذي يجب أن تُجرى الانتخابات على ضوئه، أبرز نقطة خلافية بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، الذي يملك مع حلفائه قرابة نصف مقاعد البرلمان (54 مقعداً)، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل الطالباني، الذي يسيطر مع حلفائه على أكثر من ثلث المقاعد البرلمانية. وتتركز نقاط الخلاف على نوع الدوائر الانتخابية، متعددة أو دائرة واحدة في كل محافظة، إلى جانب الخلاف على توزيع مقاعد الأقليات القومية والدينية على مستوى الإقليم.

ويعارض "الاتحاد الوطني" الإبقاء على قانون الانتخابات الحالي، الذي ينص على أن إقليم كردستان دائرة انتخابية واحدة. ويطالب الحزب بأن يكون التوزيع على أساس الدوائر المحلية، وهذا هو النظام المعمول به في انتخابات البرلمان العراقي في بغداد.

كما يدعو الحزب إلى إعادة توزيع مقاعد الأقليات في الإقليم بواقع 5 مقاعد للمكون التركماني ومثلها للمسيحيين ومقعد لأبناء الديانة الأيزيدية، حتى لا تكون محتكرة في محافظتي أربيل ودهوك فحسب، حيث يملك خصمه التقليدي "الديمقراطي الكردستاني" نفوذاً وجماهيرية عالية. كما يطالب "الاتحاد الوطني" بأن تكون تلك المقاعد موزعة بالتساوي على مختلف محافظات الإقليم ومناطقه.

وفي هذا السياق، اتهم عضو "الاتحاد الوطني"، صالح فقي، الحزب الديمقراطي بأنه "يُصرّ على إجراء الانتخابات بقانونها الحالي، حتى يُبقي على نفوذه وتحكّمه بإدارة السلطة في الإقليم، من خلال الاستحواذ على عدد مقاعد برلمان كردستان".

وأضاف فقي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حزبه "يطالب بالدوائر المتعددة كما جرى في انتخابات البرلمان العراقي، لأن هذا الأمر فيه عدالة للأحزاب، ويحافظ على شعبيتها، كما يعطي فرصة لصعود النواب المستقلين والأحزاب الصغيرة". وشدد على أن "مفوضية الانتخابات في الإقليم منتهية الصلاحية، ويجب انتخاب مفوضية جديدة، كون الحالية متهمة بأنها تخضع للضغوط السياسية من حزب معين، وهو الحزب الديمقراطي".

تأجيل الانتخابات كان بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بخصوص القانون الجديد وتشكيل المفوضية

في المقابل، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني إدريس شعبان إن تأجيل الانتخابات كان بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بخصوص القانون الجديد وتشكيل المفوضية الجديدة، وهي الجهة المعنية بالإشراف على الانتخابات.

وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "بعد انقضاء العمر القانوني لبرلمان الإقليم، يجب تحديد موعد سريع للانتخابات"، مضيفاً أن "الحزب الديمقراطي لا يمانع إجراء تعديلات على قانون الانتخابات، لكن أن تكون وفقاً للاتفاقات والضوابط، لا وفق الأهواء والرغبات السياسية".

وتابع أن "الأحزاب الأخرى تستشعر قوة الحزب الديمقراطي وتزايد شعبيته، خصوصاً بعد الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، التي تم فيها اكتساح أصوات المواطنين والمقاعد المخصصة لمحافظات الإقليم، لذلك تطالب بتعديلات حسب رغباتها على قانون الانتخابات لتقليل مقاعد الحزب الديمقراطي".

أما المتحدث باسم مفوضية الانتخابات في إقليم كردستان، شورش حسن، فأكد لـ"العربي الجديد" عدم وجود أي جديد في ما يتعلق بإعادة تفعيل مفوضية الانتخابات. ولفت إلى أن "مجلس المفوضين فاتح برلمان الإقليم بخصوص انتهاء مدته القانونية والتجديد له أو انتخاب أعضاء جدد للمجلس، من أجل أن يقوم بدوره في التحضير والاستعداد لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد".

وتابع أن "المفوضية من الناحية الفنية مستعدة لإجراء الانتخابات في أي موعد تقرره رئاسة الإقليم، كما أنها ليست طرفاً في الصراع السياسي القائم بين الأحزاب المختلفة".

انعدام الثقة بين الأحزاب

ويعاني إقليم كردستان من أوضاع اقتصادية سيئة تتمثل بتأخر صرف رواتب الموظفين، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود، ومعدلات الفقر والبطالة، وذلك نتيجة الخلاف حول الملف النفطي مع بغداد، وأيضاً عدم الاتفاق على حصة إقليم كردستان من الموازنة.

وقال الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة الحالية في الإقليم مشابهة لأزمات بغداد المتكررة، مع انعدام الثقة بين الأحزاب والتنافس على المناصب. وأضاف أن "تزامن الأزمة السياسية الحالية مع التصعيد الأمني في الإقليم، قد يؤدي بالنهاية إلى الذهاب نحو عام آخر بلا انتخابات في الإقليم".

الأزمة الحالية في الإقليم مشابهة لأزمات بغداد المتكررة، مع انعدام الثقة بين الأحزاب والتنافس على المناصب

وكانت آخر انتخابات أجريت في الإقليم عام 2018 تمخضت عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بأغلبية مريحة بواقع 45 مقعداً من أصل 111 هي مجموع مقاعد برلمان الإقليم. بينما حصل غريمه التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني على 21 مقعداً، وتوزعت المقاعد المتبقية على حركة التغيير بـ12 مقعداً، و8 مقاعد لحركة الجيل الجديد، و7 مقاعد للجماعة الإسلامية، بينما حصل الحزب الشيوعي الكردستاني وكتل أخرى على ما بين مقعد وخمسة مقاعد.

ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت في انتخابات إقليم كردستان العراق نحو 3 ملايين و700 ألف شخص، موزعين على 1200 مركز انتخابي تعمل بنظام الدائرة الواحدة، لانتخاب 111 نائباً في برلمان الإقليم، من بينهم 11 نائباً عن الأقليات الدينية والعرقية الموجودة في الإقليم الذي يتمتع، بمحافظاته الثلاثة، بحكم شبه مستقبل عن بغداد وفقا للدستور الذي أقر عام 2005 عقب الغزو الأميركي للبلاد.