أزمة "أوكوس": ما حدود رد فرنسا "الدبلوماسي" على التجاهل الأميركي؟

أزمة "أوكوس": ما حدود رد فرنسا "الدبلوماسي" على التجاهل الأميركي؟

18 سبتمبر 2021
ما آلت إليه أمور باريس وواشنطن كان نتيجة تراكمات طويلة من الخذلان الأميركي (فرانس برس)
+ الخط -

صعّدت فرنسا ردّها على إنشاء الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا تحالف "أوكوس" الأمني باستدعاء سفيريها لدى كانبيرا وواشنطن، بحسب ما أعلنت الخارجية الفرنسية، ليل أمس الجمعة، منتقلة بذلك إلى تصعيد دبلوماسي أمام حالة التجاهل الأميركي لتبعات هذا التحالف على باريس، وما نجم عنه من إلغاء صفقة الغواصات مع أستراليا.

الخطوة الفرنسية جاءت بعد إشارات سلبية تلقّتها من واشنطن، فبعد الاستنفار السياسي في فرنسا عقب الإعلان عن التحالف الجديد، لم تقم واشنطن بأي خطوة عملية تجاه باريس لشرح ما حصل، واكتفت بإصدار الرسائل على شكل بيانات صحافية، أو تصريحات لمسؤولين في الإدارة الأميركية لوسائل إعلام.

حتى أنه في اليوم ذاته لإعلان ولادة "أوكوس"، صمت المسؤولون الأميركيون على الهجوم العنيف الذي شنّه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على التحالف الجديد بمفردات غير دبلوماسية، بل إنّ الخارجية الأميركية، وكأن شيئاً لم يحدث، هنّأت باريس على تصفيتها القيادي الجهادي عدنان أبو وليد الصحراوي في مالي، في وقت كان الإليزيه ينتظر اتصالاً من الرئيس الأميركي جو بايدن.

وتأتي خطوة استدعاء السفيرين الفرنسيين في الولايات المتحدة وأستراليا، للتأكيد على موقف فرنسا الرافض لطريقة الولايات المتحدة في مواجهة الطموحات العسكرية للصين، إذ تطرح باريس استراتيجية لمواجهة طموحات الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أقل تصادمية من تلك التي نجحت واشنطن في تحقيق جزئها الأكبر حتى الآن من خلال تحالف "أوكوس"، وهو ما يوصف في الأروقة الدبلوماسية من قبل واشنطن، بسخرية ربما، بـ"الطريق الثالث"، ضاربة بعرض الحائط الرفض الأوروبي لأن تكون دول القارة أسيرة للتنافس بين بكين وواشنطن.

إضافة إلى ما سبق، فما آلت إليه الأمور اليوم بين باريس وواشنطن، كان نتيجة تراكمات طويلة من الخذلان الأميركي لإدارتين مرّتا على الإليزيه على الأقل، بدءاً مما فعله الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عندما استعدت باريس عسكرياً في إحدى الليالي، خلال ولاية الرئيس فرانسوا هولاند، للانضمام إلى تحرك أميركي لتوجيه ضربة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد عام 2013 في أعقاب استخدامه السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية، ففضل أوباما إبرام صفقة مع روسيا وطلب من باريس أن تبلغ طياريها بإطفاء المحركات لأن الضربة لن تتم.

سياسة التجاهل تلك استمرت مع وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الحكم، والفوضى التي أثارها في أوروبا حين استمدت قوى اليمين القومي المتطرف طاقة منه، وفي أحيانٍ أخرى دعماً واضحاً ضد الاتحاد الأوروبي الذي تجهد فرنسا للحفاظ عليه في وجه دعوات الانفصال، لتأتي إدارة جو بادين وتقوّض الاستراتيجية الفرنسية في منطقة المحيطين، لتسكب الماء البارد على علاقات لم تشهد دفئاً منذ وقت طويل، ولتثبت أنّ السياسة التي تتبعها واشنطن مع أوروبا هي سياسة الازدراء أكثر من الشراكة، وأنّ شعار "أميركا أولاً" لم يكن بالضرورة شعاراً خاصاً بترامب وحده، بل هو شعار تردده الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض بالسر والعلن.

وكان من اللافت عدم استدعاء باريس لسفيرتها في لندن، الأمر الذي برّره مسؤول دبلوماسي فرنسي، اليوم السبت، لوكالة "رويترز"، بأنّ فرنسا تنظر إلى المملكة المتحدة على أنها رافقت "بطريقة انتهازية" هذا التحالف، وكانت مثل شخص يتسلل إلى حفل، بينما كان الجناة الرئيسيون؛ أستراليا بإلغائها عقد الغواصات، والولايات المتحدة التي وجّهت ضربة غير متوقعة لحليف تاريخي.

لكن على أي حال، لا يتوقع أن يبلغ لودريان سفيري أستراليا والولايات المتحدة بأنهما شخصان غير مرغوب بهما في باريس خلال الأيام المقبلة، فما يزال أمام باريس خيارات دبلوماسية أخرى، سيكون أولها عدم حضور ماكرون لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء المقبل في نيويورك، وفق معلومات نشرتها صحيفة "لوموند"، اليوم السبت، مقدماً رداً على تصريحات لمسؤولين أميركيين أكدوا أنّ واشنطن ستناقش هذه الأزمة مع باريس خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنّ الأزمة بالنسبة إلى الإليزيه أكبر بكثير من أن تناقش على هامش اجتماع دولي.

المساهمون