استمع إلى الملخص
- تواجه كوسوفو تحديات اقتصادية كبيرة، حيث تُعتبر من أفقر دول أوروبا، مع تأثير سلبي لقرار ترامب بتجميد عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مما يضعف الاقتصاد.
- تستمر التوترات بين كوسوفو وصربيا، حيث ترفض الأقلية الصربية المشاركة في الانتخابات، وتتهم كوسوفو صربيا بتدبير هجمات، بينما تسعى الأطراف الدولية للحوار والاعتراف المتبادل.
تختلف الانتخابات التشريعية المقررة اليوم الأحد في كوسوفو عن سابقاتها، لحسابات عدة، أبعد من منطقة البلقان ومن تشابك العلاقات بين إثنيات تلك المنطقة، تحديداً بين الصرب والألبان. ومع أن الرجل القوي في بريشتينا، رئيس الوزراء ألبين كورتي، يبقى محور انتخابات كوسوفو غير أن اضطراب الظروف الإقليمية قد يجعل من ولايته العتيدة المحتملة، في حال صحّت استطلاعات الرأي، في غاية الصعوبة. من المقرر أن يتجه نحو 920 ألفاً إلى صناديق الاقتراع، اليوم الأحد، للمشاركة في انتخابات كوسوفو والتصويت على حقبة جديدة، وسط اعتبارات سياسية واقتصادية وديمغرافية، في ظلّ استمرار الخلافات بين الحكم في بريشتينا، والأقلية الصربية في ميتروفيتشا، شمالي كوسوفو، على الحدود مع صربيا. بالنسبة إلى استطلاعات الرأي، فإن حزب "فيتيفيندوسيي" (تقرير المصير)، بقيادة كورتي، لا يزال متصدراً نيات التصويت قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع. ووفقاً لاستطلاع مؤشر "ألترنيفا"، الصادر في الخامس من فبراير الحالي، فإن "فيتيفيندوسيي" نال 52.7% من أصوات المستفتين، وحلّ خلفه بفارق شاسع، حزب "الاتحاد الديمقراطي"، بـ16.8%، و"الرابطة الديمقراطية لكوسوفو" بـ14.2%. ولم تكن الاستطلاعات السابقة، التي أجرتها مؤسسات "يو بي أو" و"ألبانيان بوست" و"آي أس أر أن" و"بي آي بي أو أس" طيلة العام الماضي، مغايرة لاستطلاع "ألترنيفا".
أظهر استطلاع "ألترنيفا" تمتع كورتي بدعم 52.7% من الناخبين
حقبة كورتي الثالثة
ووفق القانون الانتخابي في كوسوفو، فإن المجلس النيابي مكون من 120 مقعداً، مائة منها مخصصة للأحزاب الألبانية، و20 مقعداً للأقليات الصربية والتركية والبوسنية والمصرية (أشكالي) والرومانية (الغجرية). ويحتاج أي حزب أو تحالف، إلى 61 مقعداً لضمان الغالبية من أجل تشكيل الحكومة. وباتت انتخابات كوسوفو العاشرة منذ الحروب اليوغوسلافية (1991 ـ 2001)، وذلك بعد انتخابات 1992، و2001، و2004، و2007، و2010، و2014، و2017، و2019، و2021. في السياق، يبدو كورتي أمام حقبة ثالثة من مسيرته السياسية. تعلقت الحقبة الأولى بتأسيسه مع مجموعة من الطلاب في الولايات المتحدة "شبكة عمل كوسوفو" في عام 1997، لتوثيق الاعتداءات اليوغوسلافية على الكوسوفيين، ثم تحويل الشبكة إلى حزب "فيتيفيندوسيي" اليساري في عام 2005. أما الحقبة الثانية، فتمحورت حول الصعود إلى السلطة، وهو ما تحقق تدريجياً، حتى الفوز في انتخابات كوسوفو في عام2021.
أما الحقبة الثالثة، فمن المفترض أن تبدأ غداة إقفال صناديق الاقتراع في انتخابات كوسوفو عشية اليوم الأحد. أمام كورتي في الحقبة الثالثة المحتملة عدة ملفات. الملف الأول متعلق بالوضع الاقتصادي، إذ تُعتبر كوسوفو من أفقر البلدان في أوروبا، مع إجمالي ناتج محلي سنوي لا يتجاوز ستة آلاف يورو للفرد. كذلك أثّر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتجميد عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "يو أس إيد" لمدة 90 يوماً، بالسلب على وضع كوسوفو، التي بلغت قيمة استثمارات الوكالة الأميركية فيها أكثر من مليار دولار، منذ عام 1999، من أصل نحو ملياري دولار قدمتها واشنطن لبريشتينا.
الملف الثاني، الذي سيواجهه كورتي، متعلق بالهجرة الدائمة لسكان كوسوفو، إذ يغادر البلاد نحو 30 ألفاً من الشباب في كل عام، وفقاً لوكالة "دويتشه فيله" الألمانية، علماً أن 55% من سكان كوسوفو تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً. ومن شأن هذا التراجع الديمغرافي الدائم، إضعاف القوة الاقتصادية لكوسوفو، في ظل فرض الاتحاد الأوروبي في عام 2023 عقوبات عليها، بسبب ما وصفه بـ"فشلها في تهدئة التوترات في الشمال"، حيث الأقلية الصربية.
وتحولت العقوبات إلى بند أساسي في حملة انتخابات كوسوفو لحزب كورتي والمعارضة، التي ألقت باللوم عليه بالعقوبات، معتبرة أنه سيؤخر محاولات بريشتينا للانضمام إلى التكتل الأوروبي. أما الملف الثالث بمرتبط بقدرة كورتي على انتزاع اعتراف صربي باستقلال كوسوفو، رغم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يترددا في توجيه الاتهامات له بعرقلة الحوار مع صربيا.
في غضون ذلك، يسعى منافس كورتي الرئيسي في انتخابات كوسوفو بدري حمزة، ممثل حزب "الاتحاد الديمقراطي"، إلى استغلال التراجع الاقتصادي لمزاحمة رئيس الوزراء المنتهية ولايته. وحمزة ليس طارئاً على الحياة السياسية في كوسوفو، إذ عمل نائباً ووزيراً للمالية لولايتين، الأولى بين عامي 2011 و2013، والثانية بين عامي 2017 و2020. كذلك كان حاكماً للمصرف المركزي في كوسوفو بين عامي 2013 و2017. عُرف حمزة بفرضه تعريفات جمركية على البضائع الصربية، فضلاً عن عقده اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي وتركيا. ومنذ عام 2021، عمل حمزة عمدة لبلدية جنوب ميتروفيتشا، المجاورة لميتروفيتشا، حيث الأقلية الصربية. ورفع حمزة شعار "يمكن لكوسوفو أن تفعل ما هو أفضل" في حملته الانتخابية، جاعلاً من الاقتصاد النقطة الرئيسية في برنامجه.
في المقابل، فإن الخلاف بين كوسوفو وصربيا هدأ في الأسابيع الأخيرة، وذلك بعد سلسلة صدامات استعرت بدءاً من عام 2022، حين أدى قرار بريشتينا بتسجيل كل السيارات في كوسوفو وإلغاء تسجيل السيارات الصربية فيها، إلى اندلاع اشتباكات بين الشرطة الكوسوفية والأقلية الصربية، مما دفع صربيا إلى التهديد باجتياح كوسوفو "لحماية الأقلية الصربية". انتهت الأزمة برعاية الاتحاد الأوروبي، بموافقة صربيا على إلغاء وثائق الدخول والخروج لحاملي بطاقات هوية كوسوفو، كذلك فعلت كوسوفو بالنسبة للمواطنين الصرب.
هدأت الأزمات بين صربيا وكوسوفو في الأسابيع الأخيرة
الخلافات بين كوسوفو وصربيا
وعلى الرغم من التهدئة، ومواصلة الأوروبيين والأميركيين دفع بريشتينا وبلغراد للحوار، من أجل إتمام انضمامهما للاتحاد الأوروبي، إلا أن الطرفين غرقا في أزمة أخرى، فحواها رفض الأقلية الصربية المشاركة في انتخابات كوسوفو البلدية في عام إبريل/نيسان 2023، لكن بريشتينا أجرت الاستحقاق، الذي أدى إلى فوز أعضاء في بلديات ألبان في بلديات ليبوسافيتش، وميتروفيتشا، وزوبين بوتوك، وزفيتشان، وهي بلديات الثقل الصربي في شمال كوسوفو. ولم تُحلّ الأزمة رغم مرور عامين تقريباً عليها. وطيلة الأعوام الماضية، وقعت أحداث أمنية عدة في شمال كوسوفو، أدت إلى مقتل وجرح عدد من الأمنيين والمدنيين. وآخر تلك التوترات كان اتهام كوسوفو لصربيا بتدبير "أسوأ هجوم على البنى التحتية" في تاريخ كوسوفو، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأدى انفجار بعبوة ناسفة إلى حدوث فجوة كبيرة في أحد الجدران الخرسانية لقناة إيبار - ليبيناك التي توفر مياه الشرب لآلاف من سكان شمال كوسوفو وجزء من بريشتينا. وهذه المياه ضرورية أيضاً لتبريد محطتين للطاقة الحرارية ستغرق البلاد في الظلام في حال توقفهما. وأعلنت بريشتينا اعتقال ثمانية أشخاص، وأعلن كورتي أنه "عندما زرت مكان الحادث، وجدت أنه من المستحيل أن تكون هذه الأعمال قد ارتكبها فرد أو مواطن عادي. تقف وراء ما حصل منظمات محترفة متخصصة في هذا النوع من الهجمات الإرهابية. صربيا هي الكيان الوحيد الذي لديه القدرة والوسائل والمصلحة لارتكاب مثل هذه الأفعال".
بالنسبة إلى الصرب، فإنه لا حليف في كوسوفو، مهما كان الفائز، على اعتبار أن جميع الأحزاب، عدا الصربية منها، مؤيدة لتثبيت الاستقلال، المعلن من طرف واحد في عام 2008. غير أن بلغراد التي تشهد أزمة داخلية، إثر استقالة رئيس الحكومة الصربية ميلوس فوتشيفيتش، في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد حوالى ثلاثة أشهر من حركة احتجاجية كبرى اندلعت على خلفية انهيار سقف في محطة قطارات نوفي ساد أسفر عن مقتل 15 شخصاً. ومن شأن انصراف صربيا إلى معالجة أوضاعها الداخلية، تأجيل الاستحقاقات مع كوسوفو لفترة من الوقت، ريثما تتضح اتجاهات الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب تجاه البلقان. مع العلم أن الرئيس الأميركي السابق الديمقراطي جو بايدن، كان من أبرز حلفاء كوسوفو، لا خلال ولايته (2021 ـ 2025)، بل حين ساهم في إصدار قانون في الكونغرس، حين كان سيناتوراً، بالتشارك مع زميله الجمهوري جون ماكين، لدفع إدارة الرئيس بيل كلينتون من أجل تحفيز حلف شمال الأطلسي "ناتو"، لشنّ ضربات ضد يوغوسلافيا السابقة من أجل حماية كوسوفو في عام 1999. وكافأت بريشتينا بايدن بإطلاق اسم ابنه الراحل، بو، على إحدى الطرقات السريعة، وسط كوسوفو، في عام 2016.
أما ترامب فكان راعياً لعملية تطبيع العلاقات بين كوسوفو وإسرائيل في عام 2020، غير أنه في المقابل، كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، في 11 نوفمبر الماضي، أنه "أبديت الرغبة في تطوير علاقاتنا في جميع مجالات المجتمع، وأعربت عنها، آملاً أن يزور صربيا، لأن صربيا كانت البلد الذي كان فيه الدعم لانتخاب الرئيس ترامب هو الأكبر في كل أوروبا". وإزاء ذلك، تبدو روسيا الداعمة لصربيا في قلب البلقان أكثر حذراً، خصوصاً أنه سبق للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن ذكرت في الثامن من يوليو/تموز 2023، إبّان أزمة بلديات شمالي كوسوفو، أن "سبب التصعيد يعود إلى انتهاج سلطات ألبان كوسوفو سياسة التطهير العرقي والمذابح والطرد والإرهاب ضد الصرب"، داعية إلى فرض "السيادة الصربية على إقليم كوسوفو". أما الاتحاد الأوروبي، فإن موقفه الرسمي يبقى ثابتاً، حيال إجراء بريشتينا وبلغراد حواراً شاملاً، يؤدي إلى اعتراف صربيا باستقلال كوسوفو، وتأمين عضوية الطرفين في الاتحاد الأوروبي.