على الرغم من الاهتمام الذي حظيت به لدى اختيارها كأول امرأة تشغل منصب نائب الرئيس الأميركي ووصولها إلى البيت الأبيض مع الرئيس جو بايدن قبل عام، إلا أن كامالا هاريس لا تزال إلى حد كبير على الهامش، كما يرى كثيرون، ولا سيما مساعدون لها، خصوصاً بالنسبة للأدوار المسندة إليها، وهو ما يثير السخط في أوساط المقربين منها، خصوصاً تجاه مسؤولي الجناح الغربي في البيت الأبيض حيث مكتب بايدن. لكن هؤلاء الأخيرين ساخطون بدورهم على ما يعتبرونه "خللا وظيفيا" في مكتب هاريس، ليزداد بذلك الحديث عن شرخ متزايد بين فريقي كل من الرئيس ونائبته، وهو ما ألقت شبكة "سي أن أن" الأميركية الضوء عليه في تقرير مطول، وصفت فيه ولاية هاريس إلى الآن بـ"المحبطة".
ويكشف التقرير، الذي نشرته "سي أن أن" أمس الإثنين، ويتضمن مقابلات مع نحو ثلاثين شخصاً من مساعدي هاريس السابقين والحاليين والمسؤولين المقربين منها والعاملين في مكتبها ضمن أدوار مختلفة، والذين تحدثوا شرط عدم الكشف عن هويتهم، عن علاقة معقدة داخل البيت الأبيض المنهك جراء المعارك السياسية والضغوطات الداخلية والخارجية. كما يقدم التقرير صورة حول إدارة غير متيقنة من مستقبلها، خصوصاً بالنسبة لترشح بايدن لولاية ثانية عام 2024، ودور هاريس الطموحة حينها، والتي تتضرر الآن سياسياً، بحسب ما تكشفه استطلاعات الرأي.
أخبرت هاريس مقربين منها بشعورها بأنها "مقيدة سياسياً"
ويشعر حلفاء هاريس بالقلق من أن الإدارة الحالية في البيت الأبيض لا تفعل ما يكفي للتحضير لولاية جديدة في انتخابات عام 2024، خاصة بالنسبة لدور هاريس في تلك الانتخابات كنائبة للرئيس. وفي حال قرر بايدن الترشح لولاية جديدة عام 2024، سيكون قد بلغ 82 عاماً في تلك السنة، وسيترك منصبه وهو في سن الـ86. وقد ترك ذلك العديد من المحللين الديمقراطيين، بما في ذلك بعض الأشخاص المقربين من نائبة الرئيس، متشككين فيما إذا كان بايدن سيرشح نفسه بالفعل في عام 2024، وهو يدرك تماماً أن هاريس ستكون مرشحة متوقعة لتحل محله في أعلى القائمة في حال عدم ترشحه. وبحسب "سي أن أن"، فإن المقربين من هاريس قلقون من أنه في كلتا الحالتين، لن تكون نائبة الرئيس مستعدة لدورها في عام 2024.
ويشعر كثيرون في دائرة نائبة الرئيس بالغضب لناحية أنه لم يتم إعدادها بشكل كاف أو وضعها في مكان مناسب، لا بل إنه بدلاً من ذلك يتم تهميشها. وبحسب "سي أن أن"، أخبرت هاريس نفسها العديد من المقربين منها أنها تشعر بأنها "مقيدة فيما تستطيع القيام به سياسياً"، في حين لا يزال من هم حولها حذرين حتى في التلميح إلى طموحات سياسية مستقبلية لنائبة الرئيس، خصوصاً أن فريق بايدن يتعامل بطريقة حذرة، لا سيما في ظل ما يراه من "علامات عدم ولاء حتى من نائبة الرئيس"، وفق "سي أن أن".
وفي السياق، قالت نائبة حاكم ولاية كاليفورنيا وحليفة هاريس منذ فترة طويلة، إيليني كونالاكيس، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن": "الذين يعرفون هاريس، يعلمون أنه بإمكانها المساعدة بشكل أكبر مما يطلب منها حالياً، ومن هنا يأتي الإحباط".
بدوره، قال شخص وصفته "سي أن أن" بأنه "مانح كبير" لبايدن والحزب الديمقراطي: "كامالا هاريس زعيمة، ولكن لم يتم وضعها في مناصب قيادية. هذا غير منطقي. يجب أن نفكر على المدى الطويل، وعلينا أن نفعل ما هو الأفضل للحزب".
ويعتقد بعض الأشخاص في فريق هاريس أن الرئيس بايدن نفسه ترك نائبته "في العراء"، وهو يعطي الأولوية لجدول أعماله، فيما يلقي البعض باللوم على مساعدين معينين في فريق بايدن بأنهم يحاولون تقويضها.
وبحسب "سي أن أن"، يُنظر إلى هاريس الآن على أنها في موقف ضعيف جداً سياسياً، لدرجة أن كبار الديمقراطيين داخل واشنطن وخارجها بدأوا يسألون بعضهم البعض "لماذا سمح البيت الأبيض بأن تصبح النظرة العامة لها سيئة للغاية؟". فعندما اختار بايدن هاريس لمنصب نائبة الرئيس، كان يرشحها كإحدى الشخصيات المستقبلية للحزب الديمقراطي، لكن يشعر الكثير من المقربين منها الآن أنه يتهرب من واجباته السياسية للترويج لها، ويهيئها للفشل. كما يشعر هؤلاء بالذعر، خصوصاً عندما يشاهدون أرقام استطلاعات الرأي الخاصة بها والتي تنخفض، وتدنت أخيراً لتصبح أقل من أرقام بايدن المنخفضة بالفعل.
يُنظر إلى هاريس الآن على أنها في موقف ضعيف جداً سياسياً
فقد أظهر استطلاع أجرته أخيراً صحيفة "يو أس أيه توداي" بالتعاون مع جامعة سوفولك، أن 28 في المائة فقط من المستطلعة آراؤهم يؤيدون هاريس الآن، بينما 51 في المائة قالوا إنهم لا يوافقون على أدائها الوظيفي، و21 في المائة لم يبدوا رأياً سلبياً أو إيجابياً.
إلى ذلك، تزداد الشكاوى بين فريق بايدن من جهة ومكتب نائبة الرئيس من جهة أخرى. ومما أغضب فريق هاريس على سبيل المثال هو تكليف بايدن لها بالتعامل دبلوماسياً مع ما يعرف بدول "المثلث الشمالي" وهي غواتيمالا وهندوراس والسلفادور، في إطار المساعي لمعالجة مسألة الهجرة من هذه الدول إلى الولايات المتحدة، لكنه لم يمنحها أي دور على الحدود الجنوبية نفسها التي يتدفق منها المهاجرون عبر المكسيك. وقالت هاريس نفسها إنها لا تريد أن يتم تكليفها بإدارة ملف الحدود، لإدراكها أن هذا الملف غير رابح، ولن يؤدي إلا إلى تخريب مستقبلها السياسي، على الرغم من أن بايدن اعتبر الأمر دلالة على احترامه لمنصبها، لأنها كانت الوظيفة نفسها التي منحها له الرئيس الأميركي الأسبق بارك أوباما كنائب للرئيس.
كذلك، يتهم مساعدون لهاريس المسؤولين في مكتب بايدن بعدم الدفاع عنها بالشكل الكافي أمام حملات الجمهوريين ووسائل الإعلام اليمينية ضدها، خصوصاً أنها هدف سياسي مستمر لهم، منذ ما قبل فوزها مع بايدن. من جهة أخرى، تتحدث مصادر "سي أن أن" عن خلل داخل مكتب هاريس، وتقول إن موظفيها "فشلوا مراراً وتكراراً وتركوها مكشوفة، وغالباً ما كان لأفراد أسرتها رأي غير رسمي داخل مكتبها". ويقول العديد من الأشخاص المطلعين على عمل مكتب هاريس إن هناك ارتفاعا كبيرا في نسبة تدخّل أفراد من عائلتها في عملها، خاصة مع شعور نائبة الرئيس بـ"العزلة وعدم تأكدها مما إذا كان بإمكانها الوثوق بموظفيها". ويخشى البعض ضمن فريق بايدن من أن نائبة الرئيس، كما فعلت في كثير من الأحيان في حياتها السياسية، تميل بشدة إلى أختها مايا هاريس، وصهرها توني ويست وابنة أختها مينا هاريس، الذين يمارسون تأثيراً على كل شيء من تعيين الموظفين إلى القرارات السياسية.
دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، عن هاريس
وفيما يبدو أنه رد على تقرير "سي أن أن"، دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، عن هاريس، وقالت في تصريحات صحافية "كامالا هاريس ليست فقط شريكاً حيوياً للرئيس، ولكنها زعيمة جريئة تواجه التحديات الرئيسية والمهمة التي تعترض البلاد". بدورها، انتقدت المتحدثة باسم هاريس، سيمون ساندرز، ما اعتبرته تقارير "القيل والقال". وقالت عبر "تويتر": "من المؤسف أنه بعد رحلة مثمرة (لهاريس) إلى فرنسا أعدنا فيها تأكيد علاقتنا مع أقدم حليف لأميركا، وأظهرنا قيادة الولايات المتحدة على المسرح العالمي، وبعد إقرار مشروع قانون البنية التحتية وغيره، يركز البعض في وسائل الإعلام على القيل والقال، وليس على النتائج التي قدمها الرئيس ونائبة الرئيس". علماً أنه عندما كان بايدن ومساعدوه والعديد من المسؤولين في إدارته يجرون مكالمات طوال اليوم قبل أسبوع ونصف (6 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي)، في محاولة لاستمالة المشرعين المتذبذبين قبل التصويت على مشروع قانون البنية التحتية، كانت هاريس تقوم بجولة في مركز رحلات الفضاء التابع لوكالة "ناسا" في إحدى ضواحي ولاية ماريلاند، وفق "سي أن أن".