أحكام قضية التآمر في تونس... كلفة مقاومة الاستبداد ترتفع على المعارضين

22 ابريل 2025
تظاهرة ضد النظام في تونس، 15 إبريل 2025 (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدرت السلطات التونسية أحكامًا قاسية ضد معارضين سياسيين بتهمة التآمر على أمن الدولة، مما أثار صدمة في الأوساط السياسية والحقوقية، واعتبرتها منظمة العفو الدولية مؤشرًا على قمع المعارضة السلمية.
- حزب العمل والإنجاز استنكر الأحكام، داعيًا القوى الوطنية والديمقراطية لتوحيد الجهود لمواجهة الاستبداد والدفاع عن الحريات، مؤكدًا أن تونس لا يمكن أن تُحكم بالخوف.
- انتقد هشام العجبوني وسيمير ديلو المحاكمات لعدم عدالتها، مشيرين إلى فقدان استقلالية القضاء، ودعوا إلى المقاومة والتحرك إعلاميًا لمواجهة التحديات.

لا تزال الساحة السياسية والحقوقية في تونس وخارجها تحت وقع صدمة أحكام قضية التآمر في تونس التي صدرت السبت الماضي ضد عشرات المعارضين السياسيين التونسيين بتهمة التآمر على أمن الدولة، وتراوحت الأحكام بين 13 و66 سنة. وتطرح أسئلة حول تداعيات هذه الأحكام على المعارضة التونسية والمشهد السياسي في البلاد.

ولخص موقف منظمة العفو الدولية، في بيان السبت الماضي، جزءاً من خلفية  الأحكام في قضية التآمر في تونس إذ اعتبرت أن "الأحكام الصادرة فيما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة مؤشر مقلق على مدى استعداد السلطات للمضيّ في قمع المعارضة التونسية السلمية في البلاد". وأضافت: "لقد تمت إدانة هؤلاء الأفراد فقط بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية"، مشيرة إلى أن "محاكمتهم شابتها العديد من الانتهاكات الإجرائية، وتم خلالها تجاهل الحد الأدنى من حقوق الدفاع، ناهيك عن كونها مبنية على تهم غير مدعومة بأدلة".

وفي بيان حول قضية التآمر في تونس أول من أمس الأحد، شدد حزب العمل والإنجاز على أنه "لا مستقبل دون حرية، ولا كرامة من دون عدالة، ولا ازدهار ولا تنمية ولا عدالة اجتماعية دون ديمقراطية". وأعلن أنه "تلقى بقلق واستنكار شديدين الأحكام الابتدائية الصادرة في ما يُعرف بقضية التآمر في تونس المزعومة، والتي شملت عدداً من الشخصيات الوطنية من مختلف المشارب الفكرية والسياسية، المعروفة بنضالها السلمي ومواقفها المناهضة للانقلاب والانحراف بالسلطة، والتي تم حشرها مع أسماء كانت نشطة في التصدي للثورة، مثل الصهيوني برنار هنري ليفي، وهو ما يدل على استمرار مسار الانغلاق السياسي الممنهج والانفراد بالسلطة، وتوظيف القضاء ضد المعارضين السياسيين، وحتى ضد المواطنين المطالبين بحقوقهم". وأضاف أن "هذه الأحكام الجائرة، والصادرة عن محاكمة تفتقر لكل مقومات المحاكمة العادلة، تمثّل استمراراً لتوظيف القضاء في تصفية الخصوم، وتعبر عن منطق استبدادي يهدد ما تبقى من مؤسسات الدولة، ويؤكد إصرار السلطة القائمة على إدارة الشأن العام بمنطق الانتقام لا بمنطق القانون، كما تُعتبر رسائل سياسية وليست تطبيقاً للقانون".

دعوة المعارضة للتوحد 

ودعا الحزب "كافة القوى الوطنية والديمقراطية إلى تجاوز الخلافات، وتوحيد الجهود من أجل الدفاع عن الحريات، وإنقاذ البلاد من هذا الانزلاق المستمر نحو الاستبداد على حساب الحريات والتنمية، ويؤكد أن تونس لن تُحكم بالخوف والترهيب، وأن طريق الحرية والديمقراطية لا رجعة فيه رغم التحديات". وتطرح دعوة الحزب إلى تجمع المعارضة التونسية سؤالاً جوهرياً حول هذه الأحكام، وإن كانت أهدافها الأساسية إنهاء المعارضة التونسية تماماً.

هشام العجبوني: كل المعتقلين سيغادرون السجون يوم سقوط هذا النظام

واعتبر القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن إنهاء المعارضة التونسية انطلق في الحقيقة منذ وضع المرسوم 54 (الذي أصدره الرئيس قيس سعيّد في 13 سبتمبر/ أيلول 2022) موضع التطبيق، والذي شمل المجتمع المدني والإعلاميين وكل الفئات. وهذا أمر مفهوم، لأن الاستبداد يتغذى من استفزاز وخوف الناس، ولا يريد الحريات، مثل التعبير والتنظم، ولذلك انطلق بقمع الأصوات الحرة عبر المرسوم 54، ثم فبركة قضية التآمر في تونس والهدف كان القضاء على المعارضة التونسية والمنافسين، وخاصة السياسيين الذين حاولوا الترشح للانتخابات الرئاسية (التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2024) كالعياشي زمال ولطفي المرايحي وغازي الشواشي ومنذر الزنايدي وعماد الدايمي".

توقع مثل أحكام قضية التآمر في تونس

وأعلن العجبوني أنهم "توقعوا مثل هذه الأحكام في قضية التآمر في تونس  وحتى المعتقلون وعائلاتهم كانوا جاهزين لأحكام ثقيلة على غرار أحكام قضية إنستالينغو التي سبقتها". وأضاف أن "السلطة كانت تخاف الحقيقة وتخشى اكتشاف فراغ الملف المعروف بالتآمر، وهو في الحقيقة تآمر الدولة على القضاء وعلى السياسيين والمواطنين. ويمكن القول إن العدالة سقطت وسقطت معها الدولة. واليوم لم تعد هناك دولة ولا قانون ولا مؤسسات، وانتقلنا إلى الاعتباطية والظلم والتنكيل". وبيّن أنه "بقطع النظر عن الأحكام، فإن هناك سياسيين متهمين لا يعرفون بعضهم البعض، بل يتعارضون فيما بينهم، فكيف يشتركون في التآمر؟ ومن سخرية القدر أن الحقوقية بشرى بلحاج حميدة كانت تهمتها أنها مكلفة بمهمة تبييض حركة النهضة لدى الاتحاد الأوروبي، رغم أن مواقفها التقدمية والحداثية معروفة، وسبق أن تعرضت لحملة تشويه كبيرة، ولا يمكنها تبييض حركة النهضة". وأكد أنه "لا علاقة بين غالبية الـ40 شخصية التي حوكمت في هذه القضية، وغازي الشواشي لم يلتق يوماً رجل الأعمال كمال لطيف، الذي يبدو أنه تم الزج باسمه لتبرير القضية، وكذلك الفيلسوف الفرنسي برنار ليفي الذي لا علاقة له بعصام الشابي أو نجيب الشابي، وكذلك المحامي والحقوقي والمناضل العياشي الهمامي الذي دافع عن كل تونسي يتحول في هذا الملف إلى إرهابي، أو الوزير الأسبق محمد الحامدي، وغيرهم من الأمثلة المضحكة المبكية الواردة في هذا الملف الغريب". ولفت إلى أن "ما حصل مهزلة"، مؤكداً أن "جُل الأحكام لا معنى لها. 30 أو 60 سنة لا يهم، لأن كل المعتقلين سيغادرون السجون يوم سقوط هذا النظام".

وأوضح العجبوني أن "فترة سجنهم مضت عليها سنتان، ومع ذلك لا يمكن القول إنهم حوكموا، لأن ما حصل يوم الجلسة في قضية التآمر في تونس هو عملية سطو واتهامات لم يتم قراءتها سوى لمدة 30 ثانية فقط لتلاوة بضعة أسطر من قرار دائرة الاتهام، مع منع الإعلاميين من الدخول، رغم مطالبتنا بنقل الجلسة للرأي العام، والمحامون كانوا مستعدين للمرافعة في الأصل، ورفضوا المحاكمة عن بعد. لكن النظام الحالي قرر إصدار أحكام جائرة وظالمة"، مشيراً إلى أن "رئيس الدائرة الجنائية (القاضي) ليس له الحق بالجلوس يومها لأنه كان من المفروض أن يعيّن بحسب القانون من قبل المجلس الأعلى للقضاء وليس بمذكرة عمل".

وقال العجبوني: "في الوضع الحالي لا يمكن أن نقول إن هناك معارضة تونسية لأن هذا يتطلب حداً أدنى من النظام الديمقراطي ودولة قانون ومؤسسات، لكننا في فترة مقاومة للاستبداد"، مبيناً أن "الكلفة ستكون غالية كأي مقاومة، ففي ظل قواعد لعبة غير واضحة واستعمال القوة والسلطة لتطويع القضاء صد كل نفس معارض، سواء من السياسيين والمجتمع المدني والإعلاميين، فلا بد من المقاومة وتنظيم الصفوف مهما كانت الخلافات، لأن الدور سيأتي على الجميع. ويمكن القول إن هذه الفترة هي السوداء، وليس العشرية التي سبقتها، والتي سمحت لقيس سعيّد، الذي لا تاريخ ولا ماضي نضاليا ولا حقوقيا له، بأن يصل الى رئاسة البلاد بدستور 2014 الذي انقلب عليه".

سمير ديلو: ما حصل ليس محاكمة

سمير ديلو: الأرجح أن المقصود من هذه الأحكام هو التخويف

من جهته، قال عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، المحامي سمير ديلو، لـ"العربي الجديد"، إنه "يمكن القول إن ما حصل في قضية التآمر في تونس ليس محاكمة لعدة أسباب. ولذلك ففي بيان هيئة الدفاع، وهذا مقصود، لم نتحدث عن ضمانات المحاكمة العادلة، وإنما عن شروط المحاكمة الجزائية، بمعنى أن المحاكمة الجزائية تفترض وجود قاضٍ ومحامٍ ومتهمين وشهود، ونقصد بالشهود الرأي العام من إعلام ومجتمع مدني مع علنية الجلسة، وبعد ذلك نتحدث عن ضمانات المحاكمة العادلة، وهي شروط معروفة وموجودة في المواثيق الدولية". وأضاف: "لكننا لم نصل إلى ضمانات المحاكمة العادلة، إذ لم يحضر المتهمون". وأوضح أنه "إثر تقديم المحامين لطلباتهم من دعوة المتهمين وحضور الشهود ورفع السرية عنهم، اختلت المحكمة للتفاوض، ثم تولت في 30 ثانية تلاوة بضعة أسطر من قرار دائرة الاتهام ورفعت الجلسة للتصريح بالحكم".

ولفت إلى أن "إجمالي الأحكام الصادرة بلغت 892 سنة سجناً، وتمت خلال ثلاث جلسات وحصل تأخير بين الجلستين بأسبوع وهي سابقة لم تحصل، ثم السرعة بالتصريح بالحكم، كلها مؤشرات تؤكد أن الحكم جاهز". وقال "الأرجح أن المقصود من هذه الأحكام في قضية التآمر في تونس هو التخويف وأن المعارضة التونسية فعل تآمري يستوجب سنوات من السجن"، مبيناً أن "ما يحصل هو أَعراض الأزمة، فقد عاشت البلاد بعد الثورة عدة أزمات بلغت أحياناً أوجها، ولكن لم يضعف فيها القضاء بهذا الشكل"، مؤكداً أن "تونس دخلت طوراً جديداً، ولم يعد هناك أمان على الحياة والحريات، وستصبح هناك خصومات من دون تحكيم، أي الغلبة للأقوى. فدور القضاء هو الحكم في كل المجالات السياسية والانتخابية والاقتصادية وليس السياسية فقط، ولكن لا أحد يأمن على نفسه عندما لا يكون هناك قضاء مستقل، ما سيؤدي إلى فقدان الثقة، ما قد يمس بسمعة تونس". وأشار إلى أن "المرحلة القادمة ستكون مخصصة للطعون، ولا بد من المقاومة وسيتم التحرك إعلامياً، والأصل أن يتكلم المحامي داخل المحكمة، ولكن عندما يكون القضاء غير مستقل يتكلم المحامي في الإعلام والشارع وكل المنابر المتاحة".