أجواء انتخابات جزائرية باردة: أزمة سياسة وأحزاب

أجواء انتخابات جزائرية باردة: أزمة سياسة وأحزاب

25 نوفمبر 2021
تشهد الجزائر أول انتخابات بلدية بعد الحراك الشعبي (العربي الجديد)
+ الخط -

دخلت الانتخابات الجزائرية المحلية المقررة بعد غد السبت، مرحلة الصمت الانتخابي، بعد 21 يوماً من الحملة الانتخابية التي جاب فيها قادة الأحزاب السياسية والمستقلون المدن والأحياء الشعبية، لإقناع الناخبين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وإنهاء حالة العزوف الانتخابي، الذي بات ملازماً للاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، منذ الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019. وباستثناء حزبين سياسيين نجحا في تحقيق تقدم نسبي على صعيد التعبئة الشعبية خلال الحملة الانتخابية، وهما جبهة التحرير الوطني كبرى أحزاب الموالاة وحركة مجتمع السلم كبرى أحزاب المعارضة، فإن هناك إجماعاً عاماً على أن الحملة الانتخابية هذه المرة قد تُعدّ الأضعف والأكثر فتوراً، مقارنة مع الاستحقاقات الماضية، التي جرت منذ الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019. مع العلم أن الاستحقاق هو أول انتخابات بلدية وولائية تجرى منذ الحراك الشعبي، وأول انتخابات محلية تشرف عليها سلطة مستقلة للانتخابات. وتتباين التفسيرات بشأن ضعف الحملة وفتور تفاعل الجزائريين مع الانتخابات، بين دوافع وعوامل اجتماعية تتعلق بالظروف المعيشية وغلاء الأسعار من جهة، وبين مأزق الخطاب السياسي لغالبية الأحزاب السياسية خصوصاً من كتلة الموالاة التي استدعت نفس الخطاب الذي يبرر خيارات السلطة، من جهة أخرى. كما يُظهر ضعف حماسة الجزائريين، استمرار حالة الشك إزاء امكانية تحقيق تغيير جدي عبر آلية الانتخابات. وهي عوامل ستؤدي الدور الأبرز في تحديد سقف المشاركة الشعبية في عمليات التصويت بعد غد السبت.


الحملة الانتخابية هذه المرة قد تُعدّ الأضعف والأكثر فتوراً في السنوات الأخيرة

ويحمّل الكثير من المحللين مسؤولية ضعف الحملة الانتخابية إلى السلطة أولاً، بسبب إفسادها العمل السياسي والتضييق على الأحزاب الحقيقية وسياساتها الفاشلة، التي عمقت الشرخ بين المواطن والصندوق، جراء تلاحق الأزمات الاجتماعية. لكن المحللين يحمّلون أيضاً الأحزاب النصيب الأكبر من المسؤولية، بسبب عدم وجود أي تطور في الأداء السياسي وعودة الخطاب الشعبوي.

برأي الباحث المختص في الإعلام والتسويق السياسي عبد العالي زواغي، فانّ "هذه الحملة الانتخابية كانت الأضعف مقارنة مع سابقاتها، لجهة مضمونها وأسلوب الخطاب السياسي فيها، الذي لم يرق إلى المستوى العقلاني، بل انغمس في الشعبوية التي تسوّق للأمنيات وليس للممكن فعله". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "معظم المرشحين لم تكن لديهم برامج عمل جادة مبنية على رؤية متبصرة للواقع والرهانات التي تعيشها البلديات، ولم تبتكر الحلول للمشاكل اليومية التي يواجهها المواطنون، بل اكتفوا بإطلاق وعود مكررة تعاد كل خمس سنوات من مرشحين جدد لهذه الانتخابات". ولاحظ أيضاً أن "حرارة الخطاب الحزبي في شكله المنظم، أي الذي تسوقه القيادات والكوادر، كان منخفضاً جداً، إذ إن صوت هذه الأحزاب كان خافتاً هذه المرة". وعزا السبب إلى "السياق العام الذي يشهد عزوفاً انتخابياً، بالإضافة إلى غلاء الأسعار وندرة بعض المواد الغذائية، وقلة ثقة المواطنين بالأحزاب. وهو شرخ توسع في أعقاب ما يعرف بالحراك الشعبي".

وخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في 12 يونيو/حزيران الماضي، خاض الإعلامي بلقاسم عجاج حملة انتخابية ضمن قائمة مستقلة، ولم ينجح في الظفر بمقعد نيابي، لكنه عاد هذه المرة للترشح ضمن قائمة حزب سياسي (حركة البناء الوطني) للمنافسة على مقعد في المجلس الولائي.

ويقارن عجاج في حديث مع "العربي الجديد" بين أجواء الحملة الانتخابية ومدى تفاعل الناخبين مع المرشحين، في التشريعية والمحلية، ويقول "إذا قارنت بين الحملة التي خضتها في الانتخابات التشريعية الماضية والانتخابات المحلية الحالية، فأعتقد أن هناك تراجعاً واضحاً في الإقبال والتفاعل". ويلفت إلى أن "هذا الأمر يتطلّب جهداً أكبر، بسبب الظروف الاجتماعية الصعبة (غلاء الأسعار) التي تجرى فيها الانتخابات، واستمرار غياب الثقة بين الناخبين والسلطة وفي العملية الانتخابية برمتها". ويشير إلى أن "الملاحظ خلال الحملة الانتخابية وخلال اللقاءات الحوارية المباشرة مع الناس، أن هناك انطباعاً يشي بوجود إحباط حقيقي لدى المواطنين، غير أن ذلك لا يمنع من ترقب مشاركة في التصويت أفضل بقليل مقارنة بانتخابات يونيو الماضي"، عازياً ذلك إلى أن "نِسَب الإقبال في المحليات تكون عادة أكبر منها في التشريعيات، لعوامل عدة، تتعلق بكونها انتخابات تهمّ المصالح اليومية للمواطن مباشرة، فضلاً عن قرب المرشحين من الأحياء الشعبية".

ويتطرق عجاج إلى ملاحظة تتعلق "بقلة تفاعل الناخبين مع البرامج، إذ إن قلة من الناخبين تحاول التمييز بين المرشحين على أساس البرامج، كما أن الناخبين أساساً لا يعيرون اهتماماً لاسم الحزب وللإطار الحزبي الذي يترشح ضمنه أي مرشح". ويشير إلى أن "التفاعل وتعامل الناخب مع المرشح مباشرة، سواء لاعتبارات القرابة أو المعرفة السابقة أو للثقة والشخصية وسمعته وأفكاره هو أساس هذه الانتخابات، وهو ما يُشكّل حالة مغايرة للتجارب الانتخابية في العقود الماضية، حين كان الولاء الانتخابي موجّها للحزب أكثر منه للمرشح".


لم تستطع غالبية الأحزاب صياغة خطاب خاص بالانتخابات البلدية

وتُظهر هذه المسألة حصول تغيّرات وتحولات كبيرة خلال الفترة الأخيرة في علاقة الجزائريين بالمجتمع السياسي والأحزاب، التي باتت في الغالب ومن دون تعميم، مجرد غطاء وتفويض انتخابي بالنسبة للمرشحين، فيعفيهم من بعض الأعباء التقنية والفنية، خصوصاً بعد أن أدت مرحلة الحراك الشعبي إلى انكشاف الكثير من الأحزاب التي كانت تدعم سياسات السلطة والرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

ويعزو الأستاذ في كلية العلوم السياسي، العضو السابق في حزب طلائع الحريات، محمد حسن دواجي، هذه المسألة إلى هشاشة المؤسسة الحزبية والبيئة السياسية غير السليمة في الجزائر. ويعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الجميع يعلم أن المنظومة الحزبية في الجزائر لم تتغير بعد، ولم يحصل فيها الإصلاح الذي يجعل خطابها أكثر إقناعاً ومردودية. ويعود السبب إلى ضعف التكوين السياسي وإهمال التنشئة السياسية والظرفية في مرحلة الانتخابات". ويرى أنه "بدلاً من البحث عن مرشحين جاهزين لخوض الانتخابات، على المؤسسات الحزبية تقديم مرشحين من صفوفها، مكوّنين وفقاً للقيم والأدبيات السائدة في كل عائلة سياسية، وهو ما يمكنه أن ينعكس على فاعلية الخطاب الحزبي ومردودية المؤسسة الحزبية في الجزائر بشكل عام".

ويشير دواجي إلى أن رصد الخطاب السياسي في الحملة الانتخابية يؤكد ذلك بوضوح، إذ لم تستطع غالبية الأحزاب صياغة خطاب خاص بانتخابات بلدية لها خصوصياتها. ويقول: "شاهدنا حملة فاترة تميّزت بخطاب متقارب، بسبب عدم وجود تمايز في المشاريع السياسية بين مختلف الفعاليات المكونة للقوائم المرشحة، الحزبية أو المستقلة. وقد غلب على القوائم الحزبية خطاب سياسي حول الوحدة الوطنية وحول الوضع الإقليمي والدولي، جراء ما تعيشه الجزائر من تطورات في الآونة الاخيرة، على الرغم من كون الانتخابات محلية وتعني بالدرجة الأساس التنمية المحلية". ويضيف "ومع أن الجانب الاجتماعي هو الطاغي على لغة الأحزاب، خصوصاً في ملفات غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والبطالة، إلا أنه لم تُطرح خطط حقيقية وبدائل ملموسة في برامج المرشحين، يُمكن أن تتحول لخطة عمل ميدانية لخلق الحلول للمشاكل، بل غلب على الخطاب طابع التشخيص للمشاكل اليومية التي يعرفها الجميع".