أبي أحمد في مقديشو... تسوية الأزمات وكسر الطوق الثلاثي

28 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 04:03 (توقيت القدس)
أبي أحمد وحسن شيخ محمود في مقديشو، 27 فبراير 2025 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- زيارة رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد إلى مقديشو جاءت في ظل إجراءات أمنية مشددة، وهي الأولى منذ الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، مما يعكس جهود تركيا في التوسط وتهدئة الأوضاع.
- أكد الزعيمان التزامهما بتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي والاجتماعي، مع التركيز على بناء الثقة وتنفيذ مشاريع بنية تحتية استراتيجية، مما يعزز فرص تطبيع العلاقات.
- زيارة أبي أحمد تمثل تحدياً للتحالف الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، حيث تسعى إريتريا لتعزيز علاقاتها مع مصر، مما يطرح تحديات لمصر في زيادة نفوذها في القرن الأفريقي.

وسط إجراءات أمنية مشددة في العاصمة مقديشو، استقبل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مطار آدم عبدالله الدولي بمقديشو رئيس الحكومة الإثيوبية أبي أحمد أمس الخميس، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ تفجر الأزمة الدبلوماسية بين مقديشو وأديس أبابا، بعد توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند (أرض الصومال غير المعترف بها دولياً) في يناير/ كانون الثاني 2024 للوصول إلى منفذ بحري في البحر الأحمر مقابل وعد بالاعتراف بالإقليم دولةً مستقلة. وهو ما أدى في النهاية إلى تدهور العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا وإعلان الحكومة الفيدرالية سحب سفيرها من أديس أبابا قبل أن تتوسط تركيا بين البلدين الواقعين في شرق أفريقيا، وتستضيف ثلاث جولات من المباحثات ساهمت في تهدئة الأزمة وتمهيد الطريق أمام زيارة أمس. وحملت زيارة أبي أحمد دلالات عدة، أهمها كسر الطوق الدبلوماسي الذي فرضه التحالف الثلاثي المصري الصومالي الإريتري على إثيوبيا وتوقيع البلدان الثلاثة اتفاقاً أمنياً ودبلوماسياً في أسمرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فضلاً عن تأكيد رؤساء الدول الثلاث عبر القمة التي جمعتهم يومها "تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بكافة صوره وحماية حدوده البرية والبحرية وصيانة وحدة أراضيه".

ياسين أحمد: التعاون الأمني بين مقديشو وأديس أبابا، يعطي انطباعاً بعودة العلاقات إلى طبيعتها

 

أبي أحمد في مقديشو

ورحب أبي أحمد وحسن شيخ محمود في بيان مشترك، عقب اجتماعهما أمس بالتفاهم بين قادة جيشي البلدين، معتبرين ذلك "خطوة حاسمة" نحو تعزيز التعاون الأمني ​​والاستقرار بالمنطقة. وأضافا في بيان مشترك، أمس الخميس، أنهما "يرحبان ببدء المفاوضات الفنية بين البلدين ضمن (إعلان أنقرة الموقّع في 11 ديسمبر/كانون الأول 2024) مؤكدين التزامهما بالحوار والتعاون البنّاء". وبحسب البيان، أكد الزعيمان مجدداً التزامهما بتعزيز التعاون لما فيه مصلحة الشعبين. وانطلاقاً من الروابط التاريخية العميقة بين البلدين والحدود المشتركة التي تربط شعبيهما، شدّدا على أهمية بناء الثقة عبر تعزيز التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي. وأوضح البيان أن إثيوبيا والصومال دولتان مترابطتان بمصير مشترك ورؤية موحدة لتحقيق الاستقرار والازدهار الإقليمي. في هذا الإطار، أعرب أبي أحمد وحسن شيخ محمود عن التزامهما بتنفيذ مشاريع بنية تحتية استراتيجية تسهم في تحقيق تنمية مستدامة، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وتقوية الروابط بين شعبي البلدين. كما رحّب الزعيمان بانطلاق المحادثات الفنية في أنقرة، وفقاً لما تم الاتفاق عليه في إعلان أنقرة، مؤكدين التزامهما بالحوار البناء والتعاون المشترك. وجدد الطرفان عزمهما على العمل معاً لتعزيز المصالح المشتركة، ودعم السلام والأمن، وتعميق العلاقات الثنائية بما يخدم رفاهية شعبي البلدين واستقرار منطقة القرن الأفريقي.

في السياق، يقول عدنان عبدي علي، الباحث بمركز الصومال للدراسات (مستقل) في حديث لـ"العربي الجديد"، إن زيارة أبي أحمد إلى مقديشو تهدف إلى دفع العلاقات بين البلدين إلى الأمام، من خلال تحقيق هدفين أساسيين، هما ضمان عملية المشاركة في مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (أوصوم)، وتحقيق مكاسب في ما يخصّ الوصول إلى منفذ بحري، وقد بدأ ذلك الأمر بالفعل وعقدت الجولة الأولى الأسبوع الماضي.

ويضيف عبدي علي أن هذه الزيارة يمكن أن تخدم أجندات الحكومة الصومالية في ما يتعلق بقطع العلاقات بين أديس أبابا والولايات الفيدرالية في الصومال، ما يضمن الاستقرار الداخلي ويوفر أجواء إقليمية أفضل لمناخ عملية التحول الديمقراطي في الصومال، ويزيد من رصيد الحكومة الفيدرالية ويضعف قدرة رؤساء الولايات على بناء علاقات خارج نطاق النظام الفيدرالي، الذي يمنح حكومة مقديشو السلطة الفعلية في السيطرة على قنوات التواصل مع محيطها الإقليمي والدولي. أما في ما يخص مستقبل مذكرة التفاهم الموقعة بين صوماليلاند وإثيوبيا، فيقول عبدي علي، إن هذه المذكرة أصبحت لاغية بعدما بدأت أديس أبابا بحث مسارات الوصول إلى منفذ بحري عبر الحكومة الصومالية. وهو ما يعزز فرص تطبيع العلاقات بشكل قوي، ويبدد آمال صوماليلاند بالحصول على اعتراف دبلوماسي من أديس أبابا، التي تتطلع إلى التعاون بشكل قوي مع حكومة مقديشو وتهدئة الأوضاع الإقليمية، كي تتفرغ لمشاكلها الداخلية المتعلقة بالجبهات المسلحة في إقليمي تيغراي وأورومو.

من جهته، يشير مدير معهد الدبلوماسية الشعبية الإثيوبي، ياسين أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن أبي أحمد استطاع كسر حاجز العزلة الإقليمية تجاه إثيوبيا، وتمكن من استعادة علاقاته مع الحكومة الصومالية، ولهذا فإن إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين تعني أن لا مستقبل للتحالف الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، كما أن التعاون الأمني بين مقديشو وأديس أبابا، يعطي انطباعاً مفاده بأن العلاقات بين البلدين تعود إلى طبيعتها. ووفق مراقبين، فإن الصومال يعيش في مرحلة حساسة تجاه ضبط بوصلة علاقاته الخارجية، خصوصاً بعد اندلاع الأزمة مع إثيوبيا عام 2024، وتشعر دول عدة من بينها مصر وإريتريا بعدم ارتياح لخطوات مقديشو نحو الجنوح إلى أديس أبابا، من دون التوصل إلى تسويات حقيقية ودائمة لإنهاء ملف الأزمة الدبلوماسية.


عبد القادر محمد علي: يمكن أن يكون البديل بالنسبة لإريتريا هو تمتين علاقاتها مع مصر

في السياق، يقول الصحافي المصري حامد فتحي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هذه الزيارة تأتي استكمالاً للمحادثات التي بدأها الطرفان الإثيوبي والصومالي بعد توقيع إعلان أنقرة، من أجل التوصل لاتفاق يحقق منفذاً تجارياً بحرياً لإثيوبيا تحت السيادة الصومالية. ويشي تبادل الزيارات على مستوى حسن شيخ محمود وأبي أحمد بالحرص على إنجاح مخرجات إعلان أنقرة، وإدراك البلدين أهمية العمل معاً بدلاً من الصدام. وحول رؤية مصر تجاه التقارب الصومالي الإثيوبي يشير فتحي، إلى أن القاهرة تدرك وتحترم سيادة واستقلال الصومال، وتدرك أن العلاقات بين الدول تقوم على مساحات من الالتقاء والافتراق لا التبعية، ولهذا فهي لا تعارض العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، بل وصول الأخيرة إلى البحر بطريقة غير شرعية ولأهداف عسكرية، تراها القاهرة مزعزعة للأمن في البحر الأحمر ولا طائل منها سوى تهديد أمنها القومي. بالطبع، خسر الصومال الكثير من ثقة القاهرة بسبب اضطراب سياسته تجاه الأزمة مع إثيوبيا، ولهذا فمقديشو هي التي بيدها تطمين القاهرة وأديس أبابا بما يخدم مصالح الجميع.

مصير التحالف الثلاثي

أما الكاتب الإريتري عبد القادر محمد علي، فيعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا شك أن التطورات الأخيرة تمثل تحدياً كبيراً للتحالف الثلاثي، لكني أعتقد أن مصير هذا التحالف الآن مرهون بالعديد من الأمور، أهمها المدى التي ستذهب إليه المصالحة الصومالية الإثيوبية، وما قد تسفر عنه الجهود المختلفة لتطويرها وقدرة الصومال على الموازنة بين المصالح المختلفة". ويضيف محمد علي، أنه يمكن أن يكون البديل بالنسبة لإريتريا هو تمتين علاقاتها مع مصر على الصعيدين الأمني والعسكري، ويظل اللجوء إلى دعم الأطراف المحلية داخل إثيوبيا من خلال حروب الوكالة خياراً موضوعاً على الطاولة، وكذلك محاولة إقناع مقديشو بترتيب علاقاتها مع أديس أبابا بشكل لا يضر بمصالح إريتريا بشكل جذري. ويلفت محمد علي إلى أن التطورات الأخيرة بين الصومال وإثيوبيا تلقي بظلالها السالبة على المحاولة المصرية، لزيادة نفوذها في القرن الأفريقي عبر البواية الصومالية، وهي تطرح على القاهرة عدداً من التحديات منها تزايد نفوذ تركيا، وانخفاض التوتر الإثيوبي الصومالي يضيق على القاهرة مساحات التحرك. ويوضح محمد علي أن التعاون الدبلوماسي بين مقديشو والقاهرة سيبقى على حاله، وأن مصر لن تتراجع عن تفاهماتها العسكرية مع الصومال بل ستسعى إلى تأكيدها وتعزيزها، كما ستعمل على توثيق تحالفاتها مع دول في المنطقة كإريتريا ودعم الجيش السوداني للضغط على إثيوبيا.

المساهمون