أبعاد تحرك إدارة ترامب العاجل لتعويم سورية

28 مايو 2025   |  آخر تحديث: 14:09 (توقيت القدس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتفكيك العقوبات على سوريا، بما في ذلك وقف العمل بقانون قيصر وإجازة المعاملات مع المصرف المركزي السوري، مما يفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية.
- تسعى الإدارة الأمريكية لتعزيز الاستقرار في سوريا لمواجهة داعش، مستفيدة من التحولات الإقليمية والدولية، بما في ذلك لقاء ترامب والشرع في الرياض الذي غيّر السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
- يرتبط الانفتاح الأمريكي على سوريا بالمستجدات الإقليمية، مثل معركة النووي الإيراني، حيث تسعى واشنطن لفصل دمشق عن طهران، مما يمثل تحدياً لتطوير وضع سوريا.
أفردت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، بنداً خاصا لسورية في افتتاحية إحاطتها الصحافية، سلطت فيه الضوء على الخطوات المتسارعة التي اتخذتها الإدارة في الأيام الأخيرة لتفكيك العقوبات الأميركية على دمشق. وشمل ذلك قراراً لوزير الخارجية ماركو روبيو بوقف العمل بقانون قيصر لستة أشهر (الذي أقره الكونغرس في 2019 ضد النظام لارتكابه جرائم حرب ضد الشعب السوري والمفترض أن يصوت الكونغرس بعد هذه الفترة لإلغائه كلياً)، إلى جانب قرار آخر اتخذته وزارة المالية بإجازة المعاملات التجارية والاستثمارية والمصرفية، وبالتحديد مع المصرف المركزي السوري وبعض الشركات مثل الخطوط الجوية السورية وشركتي النفط والغاز السوريتين، وبما يفتح الطريق أمام الاستثمارات والشركات الأجنبية. 
وأضافت الناطقة أن الإدارة تقوم "بمفاتحة الشركاء الدوليين والإقليميين لحثّهم على الاستثمار في سورية"، وقالت إن "وقف العمل بهذه العقوبات من شأنه أن يخدم الغرض الأساسي المتمثل بإلحاق الهزيمة النهائية بداعش"، من خلال تمكين سورية للنهوض بهذه المهمة. والإدارة لها مصلحة في ذلك، إذ إن مثل هذا التمكين يساعدها على استكمال سحب قواتها من شرق سورية، والذي بدأته في المدة الأخيرة.

لكن التحرك المكثف وشبه الانقلابي الذي قامت به الإدارة أخيراً لتعويم الوضع السوري، بدا أن حجمه وسرعته ينطويان على أبعاد تتجاوز "داعش" لتتصل بالمعادلات المتبلورة في المنطقة بعد الحروب الأخيرة وما أنتجته من توازنات جديدة في الإقليم.

ومنذ البداية، ولغاية أواخر إبريل/نيسان الماضي، بقيت الإدارة متحفظة على نظام الرئيس السوري أحمد الشرع

، وكانت تكتفي بالرد بأنها "تراقب" الوضع قبل أن تقدم على أي خطوة. وكان موضوع رفع العقوبات في حساباتها احتمالاً بعيداً وفي أحسن الأحوال مؤجلاً، لكن الحسابات سرعان ما بدأت تتبدّل عشية زيارة الرئيس ترامب الخليجية، حيث انتقل الخطاب من التحفظ إلى التلميح بإمكانية الانفتاح على دمشق.

ومع لقاء الرياض بين الرئيسين ترامب والشرع، تغيّر المشهد رأساً على عقب وبصورة مفاجئة. وعلى أثره تولت الإدارة تسويق الانفتاح وبقوة على الوضع الجديد في سورية. روبيو، في جلسة الاستماع قبل أسبوع مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، شدد على أهمية وضرورة الإسراع في مد اليد لسورية قبل انزلاقها "إلى حرب أهلية" في المدى القريب، كما قال. تحذيره جاء لحمل الكونغرس على دعم الإدارة في نقلتها السورية الجديدة التي ربطها البعض بنجاح المساعي الخليجية والتركية في إقناع الرئيس ترامب على المضي بها.

لكن بالإضافة إلى هذه الأدوار، لا يستبعد ربط هذا التحول بالمستجدات الإقليمية وتحولاتها التي ساهمت في احتضان إدارة ترامب للوضع السوري بهذا الشكل الذي اختصر الوقت وتجاوز المقاربات الدبلوماسية، فالمنطقة مهددة بأكثر من إعصار. وسورية مكشوفة وانتقلت أخيراً من خندق إلى آخر مضاد. وفي معركة النووي الإيراني، لواشنطن مصلحة في تصليب عود الوضع القائم في دمشق. انتقال هذه الأخيرة من حليف إلى خصم لطهران من شأنه أن يساعد واشنطن في التعاطي مع الملف النووي الإيراني.

خروج سورية من فلك إيران في هذا الظرف يحرم هذه الأخيرة من مساحة إضافية لساحتها دبلوماسياً وعسكرياً، ولو أن الخيار العسكري في النزاع حول هذا الملف ما زالت احتمالاته مستبعدة رغم التعثر التفاوضي وهو ما قد يساهم في المزيد من تلبّد أجواء العلاقة بين ترامب ونتنياهو.

ومنذ أواخر السبعينيات وواشنطن تتعامل مع سورية باعتبارها بلداً "منبوذاً". وفي 1979، فرضت علها عقوبات "كدولة راعية للإرهاب"، ثم جاءت موجة العقوبات الكاسحة بعد اندلاع الحرب الأهلية والتي تجسدت بما يعرف بـ"قانون قيصر". وبعد 46 سنة، انفتحت صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بينهما. تطورات المنطقة ومعادلاتها الجديدة فرضت التلاقي. حالياً، ضمانته أنه مدعوم إقليمياً، والتحدي أن يتطور وضع سورية بحيث ينتقل من حالة الاحتضان إلى حالة الصمود.

المساهمون