استمع إلى الملخص
- دعا خالد المشري لسحب الشرعية من حكومة الوحدة الوطنية وتكليف شخصية جديدة، بينما نفت الحكومة استقالة وزرائها وأكدت على حق التظاهر السلمي وضرورة إنهاء المجموعات المسلحة.
- دعت تونس إلى وقف التصعيد واستعدادها لاستضافة حوار ليبي برعاية الأمم المتحدة، بينما شهدت طرابلس تصعيدًا عسكريًا أدى إلى مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار.
تجمع آلاف الليبيين في ميدان الشهداء، أكبر ساحات العاصمة طرابلس مساء اليوم الجمعة، للاحتجاج على الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المدينة بداية الأسبوع الجاري، وسط مطالبات برحيل الأجسام السياسية الحاكمة في البلاد، فيما استقال ثلاثة وزراء من الحكومة. وبدأ المتظاهرون يتوافدون على الميدان بعد العصر استجابة لدعوات أطلقها نشطاء ومجالس اجتماعية في طرابلس وطالبوا بوقف القتال، فيما تركزت هتافاتهم على المطالبة برحيل حكومة الوحدة الوطنية وتحميلها مسؤولية ما عاشتها العاصمة من أحداث دامية ليلتي الاثنين والأربعاء الماضيين.
وشملت هتافات المتظاهرين مطالب بإسقاط حكومة مجلس النواب، ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وضرورة إجراء انتخابات في ليبيا لاستبدال كلّ الأجسام السياسية. وفي تجل واضح لتأثير الاحتجاجات على حكومة الوحدة الوطنية، أعلن وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي استقالته من منصبه، ولحقه وزير الإسكان والإعمار أبوبكر الغازي، وذلك عبر حساباتهما الخاصة على موقع "فيسبوك". كما أكدت "رويترز" استقالة وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج.
وبينما اتجه المتظاهرون إلى مقر الحكومة بطريق السكة، وسط طرابلس، لمواصلة احتجاجاتهم المطالبة برحيلها، أفادت معلومات مصادر متطابقة أن المجلس الرئاسي بدأ بعقد جلسة طارئة بمشاركة رئيس المجلس محمد المنفي، ونائبيه موسى الكوني وعبد الله اللافي لبحث تطورات الأوضاع في طرابلس ومناقشة كيفية التعاطي مع مطالب المحتجين. وأشارت مصادر "العربي الجديد" إلى أن المجلس الرئاسي تأكد لديه انضمام نائب رئيس الحكومة رمضان أبو جناح إلى المستقيلين من الحكومة، مرجحة انضمام وزراء آخرين في الساعات القادمة. وأوضحت أن المجلس الرئاسي يجري اتصالات كثيفة في الوقت الحالي مع كلّ الأطراف المحلية والدولية للوصول إلى حل يحفظ استقرار الوضع في طرابلس، واستمرار العمل بمؤسسات الدولة.
وأصدر خالد المشري، بصفته رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، بيانا حمل عنوان "سحب الشرعية من حكومة الوحدة الوطنية"، دعا فيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح "للتواصل الفوري" معه "من أجل البدء بإجراءات تكليف شخصية وطنية تتولى مهام رئاسة حكومة موحدة خلال مدة لا تتجاوز 48 ساعة". واستند المشري في قراره هذا إلى الاحتجاجات في ساحة ميدان الشهداء، قبل انتقالها إلى مقر الحكومة بطريق السكة، لرفض استمرار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. وشدد المشري، في بيانه، على ضرورة الإسراع في تكليف شخصية بديلة عن الدبيبة "لضمان استمرارية المؤسسات وتفادي الفراغ التنفيذي، إلى حين التوافق بين المجلسين على حكومة مؤقتة بإدارة شؤون الدولة لفترة انتقالية قصيرة ومحددة".
وفيما أشار المشري إلى أن حكومة الدبيبة "انتهت مدتها القانونية"، اعتبر أن الرفض الشعبي لاستمرارها أفقدها "شرعيتها سياسياً وقانونياً وشعبياً، ولم تعد تمثل إدارة الليبيين، وعليه فإنها تعد حكومة ساقطة الشرعية ولا يجوز استمرارها في ممارسة مهامها". وعلى الرغم من إعلان مجلس النواب منذ سبتمبر/أيلول 2021 سحب ثقته من حكومة الوحدة الوطنية، إلا أن المشري أثناء ولايته في رئاسة المجلس الأعلى للدولة لم يتجاوب مع قرار مجلس النواب بشأنها. ولم يصدر على الفور أي بيان من جانب محمد تكالة، المتنافس مع المشري على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، حول موقفه من الحكومة.
حكومة الوحدة الليبية تنفي استقالة وزراء
من جانبها، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية بيانا، أثناء اندلاع الاحتجاجات ضدها، أكدت فيه أن حق التظاهر مكفول للمواطنين "ضمن الأطر القانونية واحترام مؤسسات الدولة"، مشيدة بدور وزارة الداخلية بحماية المتظاهرين وتأمين ظروف تظاهرهم. وبشأن مطالب المتظاهرين بإسقاطها، قالت الحكومة: "نجدد رؤيتنا بأن تحقيق الاستقرار الدائم في ليبيا يمر عبر إنهاء جميع الأجسام التي جثمت على السلطة منذ أكثر من عقد، وأسهمت في إطالة أمد الانقسام السياسي وتعطيل بناء الدولة"، في إشارة لضرورة إسقاط كل الأجسام السياسية في المشهد الليبي.
وأضافت الحكومة في بيانها: "إنهاء المجموعات المسلحة والانحياز الكامل إلى أجهزة الشرطة والأمن النظامية، هما مطلب شعبي واسع يشكّل حجر الأساس لبناء دولة القانون والمؤسسات". وحول استقالة عدد من وزرائها، قالت الحكومة إن "ما ينشر بشأن استقالة وزراء ووكلاء لا يعكس الحقيقة، وكافة الوزراء يواصلون عملهم بصفة طبيعية". وفي نفي ضمني لعدم قبولها استقالة الوزراء الذين أعلنوا عن استقالاتهم، أوضحت الحكومة بقولها: "أي قرارات رسمية تصدر حصرياً عبر القنوات المعتمدة، وليس من خلال منشورات غير موثوقة".
وكانت قوة دعم مديريات الأمن، التي تكفلت بتأمين مظاهرات اليوم، قد دعت في بيان لها صباح اليوم الجمعة المواطنين إلى التظاهر بعيداً عن مقرات فصيلي الاشتباكات، مشيرة إلى تلقيها معلومات تفيد بـ"احتمال تسلل عناصر مندسة" في صفوف المتظاهرين "لإثارة الفتنة وخلق توترات قد تتسبب في عودة الاحتراب وتقويض حالة التهدئة القائمة". من جانبها شددت البعثة الأممية في ليبيا على حق المواطنين في الاحتجاج السلمي، وحذرت من "أي تصعيد في العنف". وذكرت، في بيان لها مساء اليوم الجمعة، جميع الأطراف بالتزاماتهم بحماية المدنيين. وقالت البعثة إن "استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين يُعد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، وقد يرقى إلى جرائم يعاقب عليها القانون الدولي".
تونس تجدد دعوتها للوقف الفوري للتصعيد
من ناحية أخرى، أبدت تونس استعدادها لكي تكون أرض التلاقي بين الأشقاء الليبيين من أجل حوار ليبي – ليبي برعاية بعثة الأمم المتحدة، وذلك لبلوغ الحل السياسي المنشود، بما يحفظ وحدة ليبيا ويستجيب لتطلعات الشعب الليبي في الأمن والاستقرار. جاء ذلك في بيان صادر عن وزارة الخارجية التونسية مساء اليوم حول التطورات في طرابلس، أشار إلى أن "لها تداعيات جسيمة على أمن وسلامة الليبيين والمقيمين بليبيا الشقيقة". وجدّدت تونس دعوتها إلى الوقف الفوري للتصعيد في كافة مناطق ليبيا، مُهيبة بضرورة نبذ العنف والكف عن استعمال السلاح وتحكيم لغة الحوار سبيلاً أوحد لحل الخلافات بين الإخوة الليبيين.
كذلك دعت إلى "أهميّة إعلاء صوت الحكمة وإيلاء مصلحة الوطن الأولوية المطلقة وذلك في كنف التوافق بين كافة الأطراف الليبية، بما يكفل الانخراط في مسار شامل تحت مظلة الأمم المتحدة، ويفضي إلى إنهاء العنف والتقدّم بالعملية السياسية في ليبيا نحو تنظيم انتخابات وإرساء مؤسسات موحدة ودائمة للدولة، تراعي مصالح كافة المواطنين الليبيين بدون استثناء أو إقصاء وتضمن وحدة الدولة وسيادتها واستقرارها". وذكر بيان الخارجية أنه "يجمع تونس وليبيا مصير مشترك ولا بد من مواصلة دعم الأشقاء الليبيين حتى يتوصلوا إلى حل سياسي سلمي نابع من إرادتهم ودون أي تدخل خارجي".
وليل الأربعاء الماضي خرج المئات من سكان طرابلس في أحيائهم للتنديد بأعمال العنف التي شهدتها المدينة بين "اللواء 444 قتال" التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية و"جهاز الردع" التابع للمجلس الرئاسي، وحملوا حكومة الوحدة الوطنية مسؤولية تلك الأحداث. ومساء أمس الخميس نشر المكتب الإعلامي للدبيبة بياناً مقتضباً أعلنت فيه أنه سيوجه كلمة "خلال الأيام المقبلة" حول تفاصيل عملية أبو سليم، و"تأجيل شرح التفاصيل احترامًا لجهود التهدئة وتفاديًا لأي تشويش أو استغلال سياسي".
وبدأ التصعيد العسكري في طرابلس مساء الاثنين، بتحشيد جهاز دعم الاستقرار عرباته المسلحة ومقاتليه في منطقة أبو سليم، معقله الرئيسي، قابله تحشيد آخر من جانب قوات وزارتي الدفاع والداخلية بالحكومة. وفي تلك الأثناء، انعقد اجتماع بين قادة المجموعات المسلحة بغرض التهدئة ووقف التصعيد. وخلال الاجتماع، قُتل قائد جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي إثر اشتباكات اندلعت بين حراسات القادة المجتمعين، وأعقب مقتله تنفيذ قوات وزارتي الدفاع والداخلية عملية عسكرية خاطفة سيطرت خلالها على كامل مقرات الجهاز في منطقة أبو سليم.
وعقبه نشر الدبيبة على صفحته على "فيسبوك"، توضيحات مقتضبة قال فيها إن ما حدث في أبو سليم "كان خطوة ضرورية لإنهاء وجودٍ تمادى في تجاوز القانون، وارتبط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، مضيفاً أن "العملية الأمنية في أبو سليم نُفِّذت بأسلوب منظّم وهادئ، دون أي مواجهات". وتابع الدبيبة: "في اليوم التالي، وبعد انتهاء العملية بالكامل، شهدت العاصمة أحداثًا عسكرية مؤسفة لا علاقة لها بمجريات العملية الأمنية، وقد تعاملت معها الجهات المختصة بمسؤولية عالية، حفاظًا على الاستقرار".