برحيل الشاعر النيكاراغوي إرنستو كاردينال، يوم الأحد الماضي عن 95 عاماً، فقد العالم أحد أبرز أصواته ليس ضمن المشهد الشعري وحده، بل أيضاً على مستوى النضال من أجل الحريّات والحقوق المدنية.
كان كاردينال يجمع بين أكثر من صفة؛ أبرزها الشاعر، ولكنه أيضاً رجل سياسة متمرّس راوح بين مسؤوليات رجل الدولة (وزير الثقافة في بلاده بين 1979 و1987) ثم في موقع المعارض بدءاً من 1994 حين استقال من الحزب الحكم احتجاجاً على استبداد دانييل أورتيغا وانقلابه على مبادئ الثورة الساندينية.
وهو أيضاً رجل دين، مسار لم يخل هو الآخر من التقلبات حيث أن انتماءه لما يعرف بـ"لاهوت التحرير" قد كلفه غضب الفاتيكان، لخمسة وثلاثين عاماً، قبل أن يرفع البابا فرانشيسكو العقوبات الكنسية عنه في شباط/ فبراير من السنة الماضية.
من أهمّ إصداراته: "مزامير النضال والتحرير" (1971)، و"تحية للهنود الأميركيين" (1973)، و"نهاية العالم وقصائد أخرى" (1974)، و"ساعة الصفر" (1980) و"أصل الأنواع"، و"الحب لمحة من الخلود"، وتبقى أشهر قصائده "صلاة من أجل مارلين مونرو".
هنا استعادة لعدد من قصائده التي نقلتها إلى غدير أبو سنينة ونشرتها "العربي الجديد" في مناسبات سابقة:
أيها الزمن، أكرهك..
أكرهك، يا زمن.حتى وإن كنت لولاك لا أوجد.ولكي تمضي سأموت، وقد وُلدت لكي تمضي.مثل سان فرانسيسكو دي بورخا أريد الآنأن أحبّ أحداً لا يمسك الوقتوأن نستأجر غرفة لا يمضي بها الليلولا تنطفئ فيها إعلانات أضواء النيونواحداً واحداً.
■ ■ ■
من دور السينما هذه يا كلاوديا
من دور السينما هذه يا كلاوديا، من هذه الحفلات، من سباقات الأحصنة،لم يبق شيء للأجيال القادمةإلا قصائد إرنستو كاردينال لكلاوديا(في هذه الحالة)واسم كلاوديا الذي ذكرته في هذه الأبياتوأسماء منافسيّ إن قرّرت أن أنقذهممن النسيانوأن أضمهم في قصائديكي أسخر منهم.
تدخلين مرَّة أخرى كموسيقى
تدخلين مرة أخرى كموسيقى، كضوء، موسيقى دون موجات صوتية، ضوء دون فوتونات. مداعبةٌ دون ملامسة، دون تلامس، مداعبة صافية وحسب. هل يُدرك الحب من اخترع الجنس؟
علاقاتنا
علاقاتنا..تعايُشنا.تعلمين عمّ كنتُ أبحث:عن جمال لا يُسمنعن حب لا يُملّلأنتِ من جهةٍ أخرى:كنت تريدين ممارسة الحب مع شخص آخربسبب ما فعلت.وأنا لم أفعل شيئاً كي أحبكما زال انسحابيينزف.
نساءٌ في يوم ما
نساءٌ في يومٍ ما سيقرأن هذه الأشعار الجياشةوسيحلمن بشاعر:اعلمن أيتها النساء، أنني كتبت الشعر لواحدة مثلكنّعبثاً.
صلاة من أجل مارلين مونرو
إلهيتقبّل هذه السيدة المعروفة باسم مارلين مونرو في كل بقاع الأرضعلى الرغم من أنّ هذا ليس اسمها(أنت وحدك من يعرف اسمها الحقيقي، اسم اليتيمة المغتصبة في سن التاسعة، وخادمة المتجر الصّغيرة ذات الستة عشر ربيعاً، حيث أرادت أن تقتل نفسها)ها هي الآن بين يديكمن دون مكياجمن دون وكيلها الصحفيأو تواقيع للذكرىفقط كرائدة فضاء في ليلك الفسيح.
على ذمَة "التايمز"، كانت قد حلمت في طفولتهاأنها تقف عاريةً في كنيسةٍأمام حشدٍ من النّاس الساجدينكان عليها أن تسير على أصابع قدميها كي لا تدوس رؤوسهم.أنت تعرف أحلامنا أفضل مما يعرفها علماء النفسكنيسةٌ، بيتٌ، كهفهم أمان الرحم الأموميويعني أيضاً أكثر من ذلك..الكنيسة هي المعجبين، هذا واضح(عجينةُ الرؤوس في العتمة تحت خيطِ الضوء).لكن المعبد ليس استديوهات20th Century Foxالمعبد الرخامي الذهبي، هو معبد جسدكحيث يوجد ابن الإنسان والسوط في يدهيطرد العاملين في المحطَّةالذين جعلوا من بيت عبادتك قبواً للصوص.إلهيفي هذا العالم الملوّث بالخطايا والإشعاعاتلن تحاسب عاملة في متجرٍحلُمت كغيرها أن تُصبح نجمة سينما.وصار الحلم حقيقةً (لكنّها شبيهةٌ بالأفلام الملونة)لم تفعل شيئاً غير أنّها أدَّت الدَّور الذي أعطيناها إياه- مشهد حياتنا- الذي كان مشهداً صامتاً.اغفر لها يا إلهي ولنالقرننا العشرينلتكلفة الإنتاج المرتفعة التي عملنا من أجلها جميعاًكان لديها جوعٌ للحب ولم نمنحها سوى مُهدِّئاتكما أوصى الأطباء النفسيونطالما أننا لسنا قدّيسين
تذكَّر أيُّها الرَّب خوفها الزّائد أمام الكاميراوكُرهها للمكياج- مع الإصرار على تزيينها عند كل مشهد-وبما أن الرّعب ازدادازداد حتماً تأخرها عن الوصول للإستديو.
كأيِّ عاملةٍ في متجرٍحلمت أن تُصبح يوماً نجمةً في السينماكانت حياتها وهماً كحلم فسَّرهُ طبيب نفسي وحفظه في أرشيفه.
حياتها العاطفيّة:كانت مجرَّدَ قبلةٍ بعيون مغمضةٍبمُجرَّد أن تفتحهماتكتشفُ أنَّها تحت الأضواء الكاشفةِثم تنطفئ هذه الأضواء!وتنفكُّ عن جدران الغرفة (كانت لقطة سينمائيَّةً وحسب)بينما يبتعد المخرج مع لوحهلأن المشهد انتهى تصويره.أوكرحلةٍ في قاربٍ،قُبلةٍ في سنغافورةرقصةٍ في ريو دي جانيروحفل استقبال في قصر دوق أو دوقة وندسور
كلها مشاهد مرئية في صالون شقتها البائسة.وينتهي الفيلم دون القبلة الأخيرة.
وجدوها ميَّتة في سريرها والهاتف في يدهالم يعرف المُحقِّقون مع من أرادت أن تتحدثكأنَّ شخصاً طلب رقم صديقه الوحيدولم يُسمع سوى صوت المسجّل يقول:الرقم المطلوب غير موجودأو كأن عصابة قطعت يدها لتبعدها عن الهاتف المقطوع
إلهيأيًّا يكن الشخص الذي كادت أن تحادثهولم تفعل (لربما لم يكن له وجودٌ، أو كانَ اسماً غير مُسجلٍ في دليل لوس أنجلس)
أنت يا ربرُدَّ على الهاتف.
كزجاجاتِ بيرة فارغة
كانت أيامي:كزجاجاتِ بيرة فارغة وأعقابِ سجائرَ مطفأةٍكصورٍ تمرُّ من شاشةِ التلفاز وتختفي،كسيّاراتٍ تنهب الطريق نهباًمع ضحكات نساء وموسيقى مذياع..
تمضي السَّعادة بسرعة،مثل موديلات السيارات وأغاني الراديو الشبابية.لم يتبق شيءٌ من تلك الأيام، لا شيء،سوى زجاجاتِ بيرة فارغة وأعقاب سجائر،ضحكاتٍ في صورٍ ذابلة، تذاكرَ ممزَّقةٍ،وغبارٍ كَنَسوه، صباحاً، من البار.
هكذا سيكون انتقامي
هكذا سيكون انتقامي:أن يصل إلى يديكِ يوماًديوانُ شاعرٍ مشهورٍفتقرئين هذه الكلمات التي أهداها الشاعر إليكِمن دون أن تعرفي ذلك.
قصيدة هجائية
عندما أفقدك، يكون كلانا خاسراً:سأخسر لأنك أكثر امرأة أحببتهاوستخسرين لأنني الرجل الذي أحَبَّك أكثر.لكن من بين كلينا، فأنت الخاسرة الكبرى:إذ بإمكاني أن أُحبَّ امرأةً أخرى تماماً كما أحببتكِلكنَّ أحداً لن يحبَّكِ كما أحببتكِ.
هنا كان يمشي على قدميه في هذه الشوارع
كان يعبرُ الشارعَ ماشياً على قدميهدون عملٍ، دون نقود.الشعراء والعاهرات والمذنبون فقطقرأوا قصائده.
لم يُهاجر يوماًكان معتقلاً.هو ميت الآنليس له أيُّ أثر..
لكنتذكَّروه عندما تبنون جسوراً خرسانيَّة،مُحرِّكاتٍ ضخمةٍ، وجرَّارات، ومخازن فضَّة،وحكوماتٍ جيدة.لأنَّه طَهَّر في قصائدهِ لغة قومهِ،التي سيكتبون بها يوماً عُقود التِّجارة،الدستور، رسائل الحب،والقرارات.
المزمور الخامس(أصغ لكلماتي يا رب)
لكلماتي أصغِ يا ربأنصت لآهاتياسمع احتجاجيلأنك أنت لست إلهاً يُصادق الطُّغاةولا يؤيَّد سياستهمولا يتأثَّرُ بأعلامهمولست شريكاً للعصابات.
لأنَّه ليس في خُطبهم ولا تصريحاتهم الصحفيةصدق
يتحدَّثون عن السَّلام في خُطبهمبينما يُشعلون الحروب
يتحدَّثون عن السَّلام في مؤتمرات السلاموسرَّا يستعدُّون للحروب.
راديوهاتهم الكاذبةتهدرُ طوال الليل
مكاتبهم ملأى بالخطط الإجراميةوالمؤامرات الكارثيةلكنك أنقذتني من حِيَلِهم
يتحدَّثون بأفواه بنادقألسنتهم حرابٌ لامعة..عاقبهم يا ربأَحبط سياستهمشَوّش مذكراتهمامنع برامجهم
وعندما تعلو صفَّارات الإنذارستكون معيستكون ملجأي يوم انفجار القنبلة
الذي لا يؤمن بأكاذيبهم في إعلاناتهم التجاريةوحملاتهم الدعائيَّةولا يصدِّق تصريحاتهم السياسيةأنت من سيباركهوسيكون حبّك الذي تحيطه بهدبابته المدرعة.
المزمور التاسع
أُحدِّث بعجائبك أيها الرَّبأرنِّم بمزاميرك
لأن قواتهم المسلحة هُزِمتسقط أصحاب النفوذ من السلطةأُزِيلَت صورهم وتماثيلهمولوحاتهم البرونزية
محوتَ أسماءهم إلى الأبدفلم تعد تظهر في يومياتهمولن يعرفهم سوى المؤرخين
نزعوا أسماءهم من الميادين والشوارع(التي وضعوها هم بأنفسهم)ها قد هَدَمتَ أوطانهملكنك تحتفظ بحكومتك الخالدةحكومة العدلكي تحكم حكومات الأرضوجميعَ الشُّعوب.
أنت نصير المستضعفين.لأنك تذكَّرت قاتليهمولم تنس صراخهم.
أنظر إليَّ يا رب وأنا في معسكر الاعتقالاقطع الأسلاك الشائكةأخرجني من أبواب الموتكي أُنشد لك المزاميروأحتفل باليوم السابع في أبواب صهيون
سَتَهزِمُهُم أسلحتهموتُصَفِّيهم شرطتهمفكما قضوا على غيرهمسيقضون عليهم.سيُخرِّب الرَّب كل خُطَطِهموسيُحنَّطون في أضرحتهمقُم يا ربلا تُقِم للرجل الموشَّح بالأوسمة قائمة
لأنّه لا يمكن أن ننسى دوماً المُهمَّشينأمل المساكين لن يخيب دوماً
آه يا ربسلّط عليهم رُعباًليعلموا أنهم بشرٌ وليسوا آلهةإلى متى يا رب ستبقى مُختبِئاً؟يقول الملحدون أنك لست موجوداً،إلى متى سينتصر الطُّغاة؟إلى متى ستتحدث مذياعاتهم؟إنهم يحتفلون كل ليلةٍونحن نراقب أضواء احتفالاتهمهم في أعيادهمونحن في سجوننابالنسبة لهم فإن الرَّب كلمةٌ مُجرَّدةٌوالعدالةُ شعار!تصريحاتهم الصحفية كذبٌ وخداعكلماتهم أسلحةٌ دعائيَّةأداةٌ للقمعِشبكات تجسُّسهم تُحيط بنابنادقهم مُصوَّبةٌ نحوناقم يا ربلا تنس المُستضعفينفهم يعتقدون أن الطَّاغيةَ بلا عقاب
أنت تراهلأنك ترى سُجوننابك يثق المُضطهدونوبك يتعلَّق الأيتامأبناءُ قتلاناحطِّم يا ربِّ حرَسهُ الخاصومحاكمه العسكريةلتُبدِّد قُوَّتهُ العسكريَّةلأنك أنت من يحكم لقرون أبديةومن يستمع لدعاء المُعذَّبينوبكاء اليتامىويدافع عن المحرومينوالمُستَغَلِّينكي لا يتجبَّر أصحاب السلطةالأعلون.
الصفحة المطلوبة غير موجودة.