Skip to main content
"لا للحرب".. معارضة داخلية روسية واسعة لغزو أوكرانيا
رامي القليوبي ــ موسكو

على عكس عملية ضم شبه جزيرة القرم التي نالت تأييداً جماهيرياً روسياً واسعاً في عام 2014؛ فإنّ بدء موسكو حرباً مفتوحة على أوكرانيا، فجر أمس الخميس، لقي رفضاً واستنكاراً واسعين في الداخل الروسي من قبل أحزاب المعارضة والشخصيات العامة والفنية، بالإضافة إلى المواطنين العاديين الذين رفعوا شعارات مثل "لا للحرب" على شبكات التواصل الاجتماعي.

وتعاملت السلطات الروسية بحزم مع التظاهرات العفوية الرافضة للحرب على أوكرانيا، معتقلة عشرات الأشخاص في موسكو والعاصمة الشمالية سانت بطرسبورغ، بينما وجهت هيئة الرقابة الروسية "روس كوم نادزور" وسائل الإعلام باعتماد المعلومات والبيانات من المصادر الروسية الرسمية فقط، عند تغطية "العملية الخاصة المتعلقة بالوضع في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين"، وفق بيان صدر عن الهيئة.

ونقلت منظمة "أو في دي-إنفو" غير الحكومية، أنّه تم اعتقال نحو 1400 شخص في العديد من المدن الروسية خلال تظاهرات مناهضة للحرب في أوكرانيا. وذكرت أنّ ما لا يقل عن 1391 شخصاً تم اعتقالهم في 51 مدينة، بينهم 719 في موسكو و342 في سانت بطرسبورغ. وجرى توقيف العشرات في ساحة بوشكين بوسط موسكو في ظل انتشار كثيف لعناصر الشرطة.

وفي الشارع الروسي، زادت النقلة النوعية في المواجهة العسكرية مع أوكرانيا من قلق المواطنين وتوترهم، الذين استيقظوا على أنباء بدء الحرب، واصطف العديد منهم في الطوابير بالمصارف وأمام ماكينات سحب الأموال خوفاً من اندلاع أزمة سيولة، وسط تراجع سعر صرف العملة الروسية إلى أدنى مستوى تاريخي لها، لامس عتبة الـ90 روبلاً للدولار الواحد في التعاملات الصباحية أمس.

وفي هذا الإطار، اعتبر عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة) الليبرالي المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا، وما قد يترتب عليه من عقوبات غربية غير مسبوقة، يهدد وجود الدولة الروسية من أساسه، دون أن يستبعد في الوقت نفسه احتمال تغيير النظام الحاكم نتيجة للانقسام في النخب أو الغضب الشعبي جراء تدهور الأوضاع الاقتصادية.

وأضاف كرابوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "هذه كارثة وسابقة لغزو بلد كامل في أوروبا في القرن الـ21، وقد تكون بداية للعد التنازلي لنهاية روسيا كدولة، حيث إن العقوبات الغربية القاسية المرتقبة قد تستنزف الاقتصاد الروسي في ظرف بضع سنوات. صحيح أن الولايات المتحدة تدخلت في العراق بصورة غير مشروعة في عام 2003 لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل... ولكنه لم يهدف إلى تقسيم العراق وتجزئته على عكس ما تقوم به روسيا في أوكرانيا".

ومن مؤشرات حزم الدول الغربية في فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا واقتصادها على خلفية غزوها لأوكرانيا؛ إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا عن فرض عقوبات على المؤسسات المالية والشركات الروسية الكبرى، بما فيها أكبر المصارف الحكومية الروسية مثل "سبيربنك" و"في تي بي" و"غازبروم بنك" والناقل القومي الروسي "أيروفلوت".

ويحذر كرابوخين الذي خاض سباق انتخابات مجلس الدوما الروسي بإحدى دوائر موسكو في الخريف الماضي، من التداعيات الكارثية طويلة الأجل للعقوبات الغربية على روسيا، مضيفاً: "قد يؤدي استنزاف الاقتصاد الروسي إلى تفكك البلاد بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث إن هناك أقاليم، مثل جمهوريتي تتارستان والشيشان، يتم ردع النزعة الانفصالية فيها بدعم مالي هائل من الميزانية الفدرالية، وهذه الإمكانية قد لا تعود متوفرة في السنوات المقبلة. ومع ذلك، هناك احتمال أكثر تفاؤلاً، وهو تغيير النظام الحاكم نتيجة لانقسامات داخل النخب الروسية أو خروج تظاهرات حاشدة ستطالب بتغيير السلطة في ظل استمرار إفقار السكان".

ووسط سعي السلطة الروسية لاستبعاد الاحتمال الأخير، يتخوف كرابوخين من أن تواصل السلطات تضييق الخناق على المعارضة بعد بدء الحرب على أوكرانيا، ويؤكد أنه شخصياً قد تلقى في الأيام الأخيرة اتصالين هاتفيين من الشرطة التي طلبت منه عدم المشاركة في الاحتجاجات واقترحت عقد مقابلة معه.

ومن اللافت أن السلطات الروسية استبقت غزو أوكرانيا بحملة قمع واسعة النطاق في العام الماضي، شملت سجن أبرز المعارضين الروس، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، وملاحقة أنصاره، وتصنيف أغلب وسائل الإعلام المستقلة كـ"عميلة للخارج"، وغيرها من الإجراءات.

إلا أن ذلك لم يمنع عدداً من الشخصيات الروسية المؤثرة من الانضمام إلى حملة التنديد بغزو أوكرانيا، ومن بينها رئيس تحرير صحيفة "نوفايا غازيتا" ذات التوجهات الليبرالية المعارضة، دميتري موراتوف، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام في العام الماضي.

وفي كلمة مسجلة عبر موقع "يوتيوب" حظيت بأكثر من ربع مليون مشاهدة بعد أقل من يوم على نشرها، أعرب موراتوف عن شعوره بالعار بسبب بدء روسيا حرباً مع أوكرانيا بأمر من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معلناً عن إصدار النسخة الجديدة من الجريدة باللغتين الروسية والأوكرانية في آن معاً تضامناً مع الدولة المجاورة.

كما وقّع أكثر من 250 صحافياً وخبيراً في شؤون السياسة الخارجية، بيان تنديد بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مؤكدين أن "الحرب لم تكن وسيلة لتسوية الخلافات، ولن تكون أبداً، ولا مبرر لها".

وكان بوتين قد أعلن في ساعة مبكرة من صباح أمس، عن اتخاذه قرار شن "عملية عسكرية خاصة" بحق أوكرانيا، محملاً "النظام" الحاكم في كييف المسؤولية عن إمكانية إراقة الدماء، وداعياً العسكريين الأوكرانيين إلى إلقاء سلاحهم والعودة إلى منازلهم وعدم الامتثال لأوامر "الزمرة المناهضة للشعب"، على حد وصفه.