"عرين الأسود".. التفاف حول المقاومة رغم استهداف الاحتلال والسلطة

"عرين الأسود".. التفاف حول فكرة المقاومة رغم استهداف الاحتلال والسلطة الفلسطينية

27 أكتوبر 2022
"عرين الأسود" تحظى بتأييد شعبي منقطع النظير (ناصر اشتيه/Getty)
+ الخط -

بعد وقت قصير من انتشار شائعات، ليل أمس الأربعاء، بأنها طلبت من بعض مقاتليها تسليم أنفسهم لأجهزة الأمن الفلسطينية، حسمت مجموعة "عرين الأسود" الجدل، وأكدت أنها لم تطلب من أي جهة رسمية أو أمنية أن تتسلم أياً من مقاتليها.

وبعد أشهر من عمليات الضغط والوساطات من قبل المستويات السياسية والأمنية في السلطة الفلسطينية، واستهداف الاحتلال الإسرائيلي للمجموعة بالاغتيال والعمليات العسكرية العنيفة سلّم خمسة من مقاومي "عرين الأسود"، مساء أمس الأربعاء، أنفسهم لأجهزة الأمن الفلسطينية، وخرجت "العرين" ببيان رسمي تؤكد فيه أنها "بألف خير"، وأن "هنالك منتظرين صادقين بعد ارتقاء شهدائها".  

تقول "العرين": "إن من يقوم بتسليم نفسه من المقاتلين هذا قراره، وخياره لا نناقشه به، ونطلب من المواطنين وقف تداول الشائعات، وعدم الإساءة لأي مقاتل سلم نفسه".

التفاف جماهيري حول "العرين"

تحظى "العرين" التي لا يوجد فيها أي تنظيم هرمي، بتأييد شعبي منقطع النظير، حيث باتت فكرة أكثر منها مجموعة أشخاص، لا سيما أنها وحدت كل الأحزاب والانتماءات السياسية الفلسطينية.

وتشكل "العرين" و"كتيبة جنين" تهديداً واستفزازاً للاحتلال الذي لا يستطيع اقتحام نابلس وجنين في الضفة الغربية، دون مواجهته بإطلاق النار، بل إن الأمر تعدى انتظار المواجهة، للمبادرة بمهاجمة حواجز الاحتلال والمستوطنات المحيطة بالمدينتين بإطلاق النار بشكل لم يسبق له مثيل منذ انتفاضة الأقصى الثانية (منذ عام 2000 إلى 2005).

ولأول مرة منذ أكثر من ستة عشر عاماً، تخرج مجموعة مقاومة في مدينة نابلس بشكل جماعي وليس فردياً، تؤرق الاحتلال، وتمنع المستوطنين من الصلاة في "قبر يوسف"، وهي صلاة تتم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وعادة ما يقوم جنود الاحتلال بتأمينها وسط إطلاق نار يوقع شهداء وجرحى في صفوف الفلسطينيين. 

السلطة وإدارة الأزمة

يرى سياسيون فلسطينيون أن السلطة تحاول إدارة الأزمة التي خلقتها "موجة المقاومة" كمن "بلع سكيناً؛" بين تفعيل "وضعية الانتظار" وتصدير بيانات إدانة الاحتلال، أو استخدام القوة وإطلاق النار على المتظاهرين كما جرى في نابلس الشهر الماضي، عند اعتقال المطارد للاحتلال وأحد أدمغة "العرين" مصعب اشتية، وبين الانحناء للموجة واعتقال مقاومين ومصادرة أسلحتهم والتوسط بين الاحتلال والمقاومين لإنهاء "الحالة"، حسب مصطلح الاحتلال والسلطة، وكأنها فعلياً طرف ثالث.

وتبدو أزمة السلطة الفعلية بوجود مقاومين فتحاويين لا يخضعون للقرار الرسمي للحركة وخارج شبكة الاحتواء من رواتب وامتيازات تضخها "فتح" على عناصرها، واستطاعوا القفز عن الانقسام وحساباته الفصائلية، واستبدالها بشراكات دم ورصاص مع مقاومين من حركات "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين".

ومارست السلطة بمستوياتها السياسية والأمنية ضغوطاً متواصلة على مدار الأشهر الماضية لإنهاء "العرين" عبر عرضها عليهم تسليم أنفسهم مقابل الحصول على "عفو" من الاحتلال، لكنها كانت تواجه بالرفض.

ويقول القيادي الفتحاوي أمين الجميّل، وهو شقيق شهيدين من الحركة، خلال بيت عزاء الشهيد وديع الحوح قبل يومين شارك فيه العديد من أعضاء مركزية "فتح"، إن "السلطة الفلسطينية عرضت على الشهيد وديع الحوح بيتًا وراتبًا قدره ستة آلاف دولار، مقابل أن يسلم سلاحه، لكنه رفض".

وقال الجميّل في كلمة له، خلال بيت عزاء شهداء نابلس الذين استشهدوا أول أمس الثلاثاء، ومنهم الحوح، "إن وديع الحوح تجند لأجل وطنه، ووديع عرضت عليه السلطة أن يكون له بيت وراتب شهري بقيمة ستة آلاف دولار، على أن يسلم نفسه، لكنه رفض".

وأكد الجميّل أن "وديع والشبان بالعشرينيات من أعمارهم التفت الناس حوله وخرج نحو 250 ألف نسمة في نابلس ليحيوه، وديع بطل وهو فتحاوي"، داعياً أن "تعاد هيبة حركة فتح". وقال: "والله إن فتح في نابلس فإنها ستهز إسرائيل، إن جيش الاحتلال خلال الاشتباكات كان يبكي".

ودعا السلطة الفلسطينية إلى "الإفراج عن القيادي بعرين الأسود مصعب اشتية من سجون السلطة الفلسطينية"، قائلاً: "أنا لا أعرف مصعب، لكنه بطل، واحتراماً لوديع، أفرجوا عن مصعب".

وتابع: "نحن ندرك ما فعله الانقسام بنا، لكن حينما حدثت المقاومة الحالية الأمر مختلف، ولقد رأينا كيف ذهبت كل الضغينة، كما رأينا شباب الأجهزة الأمنية الذين تصدوا للاحتلال، ونأمل ألا يتم اعتقالهم".

توريط "فتح" في المقاومة المسلحة

مقاومو "العرين" الأقرب لحركة "فتح" هم على خلافات عميقة مع مستوياتها الرسمية وغالبيتهم معتقلون سابقون على خلفية مقاومة الاحتلال، وترى أوساط في الحركة أنه قد فات الأوان، فقد "ورطوا فتح" في مقاومة مسلحة مرفوضة من قائد الحركة الرئيس محمود عباس "أبو مازن"، ومن أجهزة الأمن التي تعتقل المقاومين، لا سيما بعد استشهاد الطبيب عبد الله أبو التين أحد أعضاء إقليم الحركة في جنين وهو مسؤول بارز في وزارة الصحة.

يقول المتحدث الإعلامي باسم إقليم حركة فتح في جنين وعضو الإقليم، نصري حمامرة في حديث لـ"العربي الجديد": "إن ما فعله أبو التين قد يكون طريقًا لانضمام قيادات بمستواه إلى المقاومة، لأن الاحتلال لم يدع أمام الشعب الفلسطيني مجالاً في ظل جرائمه وانتهاكاته، ما يجري هو انتفاضة قد تُفرض على القيادة وتتبناها وتتناغم معها".

واستشهاد أبو التين أرغم رئيس الوزراء محمد اشتية ونائب رئيس حركة فتح محمود العالول على زيارة بيوت عزاء للشهداء.

شراكة حقيقية في "العرين"

لعل غضب "العرين" وأهالي نابلس حين اعتقل الأمن الوقائي المطارد للاحتلال مصعب اشتية عكس قوة الشراكة بين عناصر من حركة "فتح" وحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".

ويتهم الاحتلال اشتية وهو أسير محرر محسوب على حركة "حماس" بتمويل "العرين"، وقامت مستويات عدة في السلطة بالتحريض على حركة "حماس" التي تتهمها بدعم وإدارة "العرين" بل إن الاتهامات وصلت للقول إن بيانات "العرين"، "كُتبت بمداد أخضر"، وذلك لأن مستوى الخطاب في البيانات لم تعهده السلطة من قبل.

مصدر في السلطة اشترط عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد"، يؤكد أن اشتية المسؤول الأول عن تمويل "العرين" ومعه مجموعة أخرى غالبيتهم من عناصر "فتح" معتقلون في "سجن أريحا" تمكن الأمن الفلسطيني من معرفة الآلية المالية التي يتم بها تحويل المال لشراء السلاح، وهي آلية غير خاضعة للرقابة المشددة منذ عام 2007، كما يحدث مع المصارف ومحال الصرافة والتجار.

ويفضل "العربي الجديد" عدم الإفصاح عن تلك "الآلية المالية"، بسبب عدم التمكن من أخذ رد مصعب اشتية الموجود مع مجموعة مقاومين آخرين في سجن أريحا غالبيتهم من حركة "فتح"، وعدم التمكن من أخذ رد الشركة التي تم الادعاء باستخدام إحدى "خواص التحويل" لديها.

مقاومو الأمن

ما يعمق أزمة السلطة هو مشاركة عناصر الأمن الفلسطيني بموجة المقاومة الحالية، وهو مؤشر خطير لدى الاحتلال الذي أعاد صياغة العقيدة الأمنية عبر الجنرال كيث دايتون عام 2007، بعد انتهاء انتفاضة الأقصى التي شارك فيها مئات من عناصر الأمن، واستشهاد الرئيس ياسر عرفات، وترؤس محمود عباس السلطة بعدها، ما يعني أن أي إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية للسلطة لن تكون بمعزل عن إعادة هيكلة النظام السياسي وتحديداً الرئيس، وهذا ما تدركه القيادة جيداً التي تصرّ على إنهاء حالة "العرين" و"كتيبة جنين" بأقل الأضرار الممكنة لها.

ويؤكد مصدر أمني لـ"العربي الجديد" أن الأمن الفلسطيني يحتجز حالياً نحو 25 عنصراً من كافة الأجهزة، بعد تلقي أوامر اعتقالهم من الاحتلال الإسرائيلي عبر الارتباط الفلسطيني بتهمة "قربهم أو تعاطفهم الخطير مع المقاومين".

وحسب المصدر، "فإن الاحتلال زوّد الارتباط الفلسطيني بقائمة فيها نحو 60 عنصر أمن في نابلس وجنين، وطلب من السلطة اعتقالهم، لكن السلطة احتجزت حتى الآن 25 منهم في مقراتها، ولم يتم اعتقال أي أحد من بيته، بل تم استدعاؤهم من قبل أجهزتهم وحجزهم في المقرات".

تشابك "فتح" والأمن

تخشى السلطة اتساع دائرة مشاركة عناصر الأمن في المقاومة، لكن حالة التشابك بين "فتح" وأجهزة الأمن واسعة جداً، بحيث يستحيل فكها دون الإضرار بإحدى الجهتين، ولفهم الأمر فإن مجرد إلقاء نظرة سريعة على غالبية المقاومين في نابلس يمكن إدراك حجم التشابك غير المتوقع للسلطة، فوالد الشهيد إبراهيم النابلسي عقيد في الأمن الوقائي، ووالد المطارد الجريح تيسير الخراز بالأمن الوقائي، وشقيق الشهيد محمد العزيزي مؤسس "العرين" يعمل بالأمن الوطني، وهؤلاء مجرد أمثلة من "العرين" ومناصريها في نابلس، ناهيك بـ"كتيبة جنين" التي تضم أمثلة كثيرة مثل الشهيد أحمد عابد منفذ عملية الجلمة يعمل بالاستخبارات، وأهم قائد وملهم في مخيم جنين العقيد فتحي خازم "أبو رعد"، وغيرهم الكثير.

وقبل يومين، اكتشف عناصر الاستخبارات الفلسطينية كانوا يقفون بدورية اعتيادية وسط مدينة نابلس، قوات خاصة إسرائيلية كانت تستعد للعملية العسكرية ضد "العرين"، حيث أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الاستخبارات ما أدى لإصابة اثنين منهم.

في هذه الأثناء، يؤكد مسؤول المناطق التنظيمية لحركة "فتح" في مدينة نابلس مازن الدنبك لـ"العربي الجديد"، أن "انخراط عناصر الأمن أمر ممكن في ظل عدوان الاحتلال وظلمه الذي ازداد، نحن نتمنى أن يكون الأمن والمقاومة في خندق واحد".

وفيما تؤكد المستويات الرسمية للسلطة بأن الرد بإطلاق النار على القوة الاحتلال الخاصة أمر فردي وعرضي، لكن الأمر لاقى ترحيباً كبيراً من الشارع الفلسطيني، الذي يدين التنسيق الأمني.

وضمن جهودها لإحباط المقاومة المسلحة، اعتقلت الأجهزة الأمنية، أخيراً، عناصر من حركتي "حماس" و"فتح" ومستقلين، وصادرت أسلحة لعناصر من "فتح" ومستقلين بعشرات آلاف الدولارات في الضفة الغربية، في الوقت الذي توجد فيه مئات البنادق في محافظة نابلس محسوبة على أشخاص ينأون بأنفسهم عن المقاومة.

المساهمون