يرتبط إنجاز الحل السياسي النهائي في سورية بإغلاق العديد من الملفات، التي من بينها ملف المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمات شمال غربي سورية. وحول وجود ومصير هؤلاء المقاتلين، صدر عن مركز جسور للدراسات، أمس السبت، تقرير تحليلي يُحدّد شرائح المقاتلين الأجانب في صفوف تلك التنظيمات، ويرسم عدداً من السيناريوهات لمصيرهم والعوامل المؤثرة في ذلك.
ووفق التقرير، يرجع وجود المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمات شمال غربي سورية إلى تاريخ تأسيس "جبهة النصرة" نهاية عام 2011، حيث استمر تدفق المقاتلين الأجانب إلى المنطقة حتى نهاية عام 2013، وساهمت الكثرة العرقية لهم بتأسيس مجموعات مستقلّة على أُسس عرقية، كالتركستانيين والطاجيك والأذريين والأوزبك والكازاخ والشيشان، بينما انخرط آخرون في تنظيمات مختلطة، ينتشرون بشكل خاص في محافظة إدلب ومحيطها.
ويقدّر التقرير وجود نحو 2500 من المقاتلين الأجانب في هيئة تحرير الشام، وهم موزعون على المجموعات القتالية على أساس غير عرقي كالمصريين والأوروبيين، أو على أساس عرقي كالشيشان والأوزبك.
وخارج "تحرير الشام"، يمكن اعتبار تنظيم حراس الدين المبايع تنظيم القاعدة أبرز فصيل يستقطب مقاتلين أجانب بواقع نحو 400 مقاتل، ومثلهم من المقاتلين المحليين. وإذا كان العرف بين المقاتلين الأجانب أنهم لا يشاركون في أية عمليات تستهدف مقاتلين أجانب في تنظيمات أخرى، فقد تعرضوا للاستنزاف بسبب الحملات الأمنية التي شنتها ضدهم هيئة تحرير الشام عام 2020، إضافة لضربات التحالف الدولي الجوية المتكررة، والتي تسببت في تصفية الكثير من كوادرهم.
ويشير التقرير إلى أن مقاتلي "داعش" الأجانب هم الأقل عددا مقارنة مع بقية التنظيمات في مناطق شمال غرب سورية، بسبب الحملات الأمنية ضدهم، ما اضطر التنظيم إلى الاعتماد على العنصر المحلي الذي يسهل ذوبانه بين سكان المنطقة.
وحول مصير هؤلاء المقاتلين، يشير التقرير إلى أنه ليست لدى التحالف الدولي استراتيجية محددة للتعامل معهم، إلا كجزء من سياسته في مكافحة الإرهاب، ويركز استهدافاته خاصة على تنظيمي داعش وحراس الدين، مع عدم توجيه أية ضربات لهيئة تحرير الشام منذ فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة، ما يشير الى رضى التحالف عن سياسة الهيئة في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب ومنع أي نشاط خارجي لهم.
أما تركيا فهي تتبع السبل الأمنية والعسكرية ضد تنظيم داعش فقط، والسبل السياسية مع بقية التنظيمات، في حين تسعى روسيا إلى القضاء على هؤلاء المقاتلين خشية أن يتمكنوا من الوصول إلى حدودها في المستقبل.
بدورها، تقوم سياسة إيران، وفق التقرير، على "المواجهة والتحييد وحتى التوظيف"، حيث أسهمت في أوقات مختلفة في نقل مقاتلين أجانب إلى مناطق شمال غربي سورية.
ويطرح التقرير عدة سيناريوهات بشأن مصير هؤلاء المقاتلين تتراوح بن الدمج والتوطين كما حصل في البوسنة، "وهذا مستبعد" في الحالة السورية، أو العودة إلى الأوطان وفق النموذج الأفغاني، أو استقطابهم إلى مناطق نزاع جديدة خارج حدود سورية كما حصل في العراق، أو تعرضهم لإبادة واسعة كما حدث في الشيشان. ويرجح التقرير أخيرا سيناريو الاعتقال والأسر وزجهم في سجون داخل سورية نفسها، وليس على غرار سجن غوانتانامو.
ويرى التقرير أنه لا يوجد سيناريو محدد سينتهي إليه مصير المقاتلين الأجانب، بل ربّما يتحقق أكثر من سيناريو في آنٍ واحدٍ تَبَعاً للظروف القادمة ولشرائح المقاتلين الأجانب ولاختلافاتهم الأيديولوجية، وللفرص التي تتاح أمامهم، ولطبيعة الحل السياسي.