"تحرير الشام" في عفرين: تبدل خريطة النفوذ بالشمال السوري

"تحرير الشام" في عفرين: تبدل خريطة النفوذ بالشمال السوري

14 أكتوبر 2022
عناصر من "تحرير الشام" ينقلون تعزيزات لأطراف عفرين أمس (رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

سيطرت "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، أمس الخميس، على مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، بعد أيام قليلة من اقتتال بين فصائل المعارضة السورية، كان المدخل لهذا التمدد الذي يعني تغيّر خريطة السيطرة لصالح "الهيئة" الطامحة إلى فرض سطوتها على كل الشمال السوري.

سيطرة كاملة لـ"تحرير الشام" على عفرين

وقالت مصادر عسكرية عاملة في "الجيش الوطني السوري" التابع للمعارضة، لـ"العربي الجديد"، إن أرتال "تحرير الشام" سيطرت أمس بشكلٍ كامل على مدينة عفرين الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة "غصن الزيتون" شمالي محافظة حلب، بمساندة من فرقتي "الحمزة" و"سليمان شاه". وجاء ذلك بعد اشتباكات متقطعة أدت لانسحاب فصائل "الفيلق الثالث" التابع للجيش الوطني، بما فيها فصيلا "الجبهة الشامية" و"جيش الإسلام"، إلى منطقة كفر جنة، معقل "الجبهة الشامية" بريف منطقة عفرين.

بعض فصائل "الجيش الوطني" لا تزال موجودة داخل عفرين، كونها أعلنت الحياد

وأشارت المصادر إلى أن بعض فصائل "الجيش الوطني"، مثل تكتل "هيئة ثائرون للتحرير"، لا تزال موجودة داخل مدينة عفرين، كونها أعلنت الحياد في هذا القتال.

وأكدت المصادر أن "جهاز الأمن العام"، الذراع الأمنية لـ"هيئة تحرير الشام"، دخل إلى مدينة عفرين وتسلم المباني الأمنية بعد سيطرة قوات الهيئة العسكرية على المدينة، وسط حركة نزوح كبيرة لسكان عفرين باتجاه القرى الأكثر أماناً بريفي حلب الشمالي والشرقي.

وأضافت المصادر أن فصيلي "فرقة الحمزة" و"سليمان شاه" وفصيل "حركة أحرار الشام"، تمكنت من السيطرة على معبر الحمران الفاصل بين مناطق "الجيش الوطني" ومناطق "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وعلى مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، وذلك بعد انسحاب مجموعات "الفيلق الثالث" باتجاه بلدة الراعي القريبة من الحدود السورية التركية شمال شرقي محافظة حلب.

وقالت مصادر محلية إن عفرين شهدت فلتاناً أمنياً نتيجة الاشتباكات التي دارت داخلها، ما أدى إلى هروب نحو 170 سجيناً من السجن المركزي، أغلبهم ينتمون لـ"قسد" وتنظيم "داعش".

حركة نزوح كبيرة لسكان عفرين وهروب نحو 170 سجيناً جراء الفلتان الأمني الذي شهدته المدينة

وكانت "الجبهة الشامية" قد بدأت الثلاثاء حملة ضد فصيل "فرقة الحمزة"، بعد ثبوت تورط قادة فيه باغتيال ناشط إعلامي في مدينة الباب شمال شرقي حلب، وهو ما فجّر الأوضاع بشكل دراماتيكي في الشمال السوري الخاضع لعدة فصائل وتشكيلات عسكرية متباينة، لم تستطع تجاوز حالة الفصائلية على الرغم من انضوائها في الجيش الوطني.

وساندت "تحرير الشام" فصيلي "فرقة الحمزة" و"سليمان شاه" الذي وقف في صف "فرقة الحمزة"، وتقدمت من ريف إدلب إلى ريف عفرين أول من أمس الأربعاء، فسيطرت على عدة بلدات وقرى في الطريق إلى مدينة عفرين التي لطالما كانت هدفاً مؤجلاً لهذه "الهيئة".

تبريرات "الفيلق الثالث" لسيطرة "تحرير الشام" على عفرين

وبرر مصدر في الفيلق الثالث، في حديث مع "العربي الجديد"، سرعة وصول "تحرير الشام" إلى مدينة عفرين، بالقول إن "منطقة عفرين لم تكن منطقة النفوذ الرئيسية للفيلق".

وأوضح أن "قدرات الفيلق العسكرية ليست في عفرين، بل في ريف حلب الشمالي". كما أكد أن الفيلق "لديه القدرة على صد أي هجوم من قبل الهيئة بدءاً من بلدة كفرجنة"، مشيراً إلى أنه "يتعامل مع الفصائل المتحالفة مع الهيئة في ريف حلب الشمالي، والتي تحاول تشتيت قوة الفيلق من خلال فتح محاور عدة للقتال".

أهداف "هيئة تحرير الشام"

وفي السياق، ذكر مصدر مقرب من "الجيش الوطني"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التوغل من قبل "تحرير الشام" في مناطق سيطرة هذا الجيش "هدفه تأديب الجبهة الشامية وتحجيم دورها، وتثبيت نفوذ الفصائل المتحالفة مع الهيئة، وأبرزها فرقة الحمزة وفرقة سليمان شاه".

كما أكد أن "الهيئة تريد معبراً مع مناطق سيطرة "قسد" تشرف عليه إحدى أذرعها في الشمال"، مشيرة إلى أن "الفصائل والتشكيلات التي وقفت على الحياد، ربما تعطيها الهيئة دوراً في إدارة منطقة عفرين".

مصدر في الفيلق الثالث: قدرات الفيلق العسكرية ليست في عفرين، بل في ريف حلب الشمالي

وتقع منطقة عفرين ضمن النفوذ التركي المباشر منذ مطلع عام 2018، حين طرد الجيش التركي وفصائل المعارضة التابعة له الوحدات الكردية من المنطقة، في عملية أطلق عليها اسم "غصن الزيتون". وقُسمت عفرين وريفها إلى قطاعات وُزعت على الفصائل التي قام أغلبها بانتهاكات ضد السكان المحليين والمهجرين.

ولم تقتصر الاشتباكات الأخيرة على منطقة عفرين وحدها، إذ دارت اشتباكات مماثلة في منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، حيث قتلت امرأة أمس الخميس بقصف طاول مدينة الباب من قبل فصيل "فرقة الحمزة" المتمركز في بلدة بزاعة المجاورة.

تركيا وأحداث الشمال السوري

في السياق، قال الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "كل ما يجري في شمال سورية هو على عين أنقرة وسمعها"، مضيفاً: "لو لم تكن موافقة عليه لما كانت لتسمح به، وقواتها تنتشر حول عفرين، ولا يدخلها أحد من أي محور من دون أن يمرّ بالحواجز والنقاط التركية".

واعتبر أن "(زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد) الجولاني بات أكثر أداة وظيفية تخدم الدول عامة، وليس تركيا وحدها، والشواهد على ذلك كثيرة".

واستدرك بالقول: "لم نصل إلى هذا المستوى بترتيب من أحد، بل فصائلنا (فصائل المعارضة السورية) هي التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة عندما توهمت أنها تستطيع التغيير والتعديل خارج النص وبما ترى؛ ولكن يبدو أنه فات الأوان".

ياسين جمول: البوصلة اليوم هي لحفظ ما بقي في الشمال وحفظ ما بقي من الثورة

وتابع: "المطلوب اليوم ثبات الفصائل ضد الجولاني وعصابته، وضد الفساد والمفسدين، ولا بد للشارع من أن يساند الفصائل الوطنية الشريفة التي تقاتل لتحفظ ثوابت الثورة. البوصلة اليوم هي لحفظ ما بقي في الشمال وحفظ ما بقي من الثورة".

ورأى جمول أنه "في حال تغلب الجولاني ومن معه، فالأمور ستتجه نحو ما يريد النظام وحلفاؤه فرضه على الشمال وأهله من التسوية، ولا يقف الأمر عند سيطرة فصائل فاسدة على الشمال وما يعنيه ذلك من ألوان الفساد والظلم".

ودعا إلى تحرك الائتلاف الوطني السوري باتجاه الجانب التركي للحيلولة دون تغيير خريطة السيطرة لصالح "هيئة تحرير الشام" في ريف حلب، فـ"وجود الجولاني في عفرين، وغيرها من المناطق، سيكون ذريعة للروس والنظام لاستهداف رقعة جغرافية أوسع وعدد مدنيين أكبر، وهو ما يضر تركيا أيضاً".

وأضاف: "لا بد من تنبيه الجانب التركي للمخاطر التي يجرها تمدد هيئة تحرير الشام على هوية عفرين، فدخول الهيئة إليها يرسخ ما تروجه قسد عن سيطرة جهات إرهابية على هذه المنطقة".

المساهمون