تشهد تونس أزمة مالية خانقة ستزيد التطورات السياسية من حدّتها، لأن الوضع الداخلي المنقسم والمتوتر لا يشجع على دفع الإنتاج الداخلي بما يمكن أن يخلق ثروة إضافية تسد فجوات الموازنة. كما أن الدول والصناديق والمؤسسات الذين تعتمد عليها الدولة منذ عقود، أوقفت الدعم، بسبب خوفها من انزياح تونس عن التجربة الديمقراطية وجنوحها إلى الاستبداد، وتوجّسها من مشروع سياسي واقتصادي غامض يوحي بخلفية اشتراكية قديمة، لا يمكن المغامرة معها في الوقت الراهن. وأمام هذه الحقيقة التي لا يمكن أن تغيّرها المواقف السياسية الرنانة، وبعد التهديد بإقفال أبواب المانحين، التفت الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى "الشعب الذي يريد"، قائلاً "سنعمل على تشريك المواطنين كلهم في الخروج من هذه الأزمة". ودعا يوم الخميس الماضي، في اجتماع مجلس الوزراء، التونسيين في الداخل والخارج، إلى "المساهمة في إيجاد التوازنات المالية المطلوبة".
يطلب الرئيس من شعبه أن يتقشف وأن يقلص من الواردات، وكأنه يمهّد لمرحلة زهد اقتصادي يطلب من الجميع أن يشارك فيها. أي باختصار، أن يدفع الشعب ثمن الفاتورة التي يريدها سعيّد لمشروعه السياسي. وبالأرقام، ستحتاج تونس إلى ثلاثة مليارات دولار لإكمال العام الحالي، وستحتاج إلى تمويلات إضافية بـ15 مليار دولار لموازنة العام المقبل. أما وكالات التقييم التي استهزأ بها سعيّد فقد وضعت تونس في ذيل قائمة الدول التي يمكن أن يثق فيها المانحون. ويتلكأ أصدقاء سعيّد في دعمه، كما فعلوا مع دول أخرى، ولا أحد يعلم ثمن دعمهم الممكن وشروطه. ويبقى السؤال: هل سيقتنع "الشعب الذي يريد" بدعوة الرئيس ويصبر مرة أخرى بعد صبر السنوات العشر الماضية على كل تلك الكوارث التي عاشها؟
القيادي في حزب "التيار الديمقراطي"، هشام العجبوني، قال كلاماً منطقياً جداً في هذا الخصوص، إذ لفت إلى أنه "حسب استطلاعات الرأي، يحظى الرئيس بنسبة ثقة عالية جداً تفوق الـ80 في المائة. وبحسب الرئيس أيضاً، فإن 1.8 مليون تونسي خرجوا في يوم واحد لمساندته، ولو استجاب كل هؤلاء لدعوة الرئيس بإعانة البلاد مالياً، فستصبح تونس دولة مانحة وليست دولة مقترضة". ولكن ما يقوله العجبوني ساخراً كان يمكن أن يصبح حقيقة لو آمن كل التونسيين بمشروع الرئيس، أما وهو يصف جزءاً منهم بالخونة والحشرات والسارقين ويريد أن يتحول إلى الزعيم الأوحد الملهم، فقد جرّبوا ذلك من قبل، وإذا كان "الشعب يريد" فعليه أن يدفع الثمن.