لهذا يظنّ الناس أنني من قصب

لهذا يظنّ الناس أنني من قصب

وجدان بودكاست علي صلاح بلداوي

لهذا يظنّ الناس أنني من قصب

02 يناير 2022
+ الخط -

ألمَحُ المَرارةْ
كَيفَ تستولي على شِفاهكِ بلا مقاومةْ
ألمَحُ المفاجآتْ
كيفَ غَيَّرتْ طُرُقَكِ كلَّها
فبِتِّ غريبةْ
ألمَحُ التِّيهَ الشائكَ يحاوطُكِ 
فلا تعرفينَ كيف تعْبُرينَهْ. 

كُلُّهم جاؤوا وباركوا الموسمْ
كُلُّهم ودّعوهْ
وكُلُّهم سيقولونَ حينَ تَصِلينَ متأخِّرةْ:
لقد فاتَكِ الكثيرُ من التّينْ
يا سيّدةَ السِّلالِ الفارغةْ

■ ■ ■

ما زلتُ كلَّما سَمِعتُ ناياً في الجِّوارْ
تفقّدْتُ حَنْجَرتيْ
وكلّما أبصرتُ امرأةً تُسلِّيْ عَتَبَةَ بابِها بالماءْ
تَصعَدُ في عُروقي اللهفةُ إليهْ، وكأنَّهُ مِنّي.

يعرفُني الفجرُ عندما يستيقظُ مثلَ طفلٍ صغيرْ
فيستلقيْ على كَتِفيْ
تعرفُني الشمسُ أيضاً، أقودُها كلَّ غروبٍ إلى بيتِها متعبةْ
على يديَّ كًبُرَتِ الـ"آه، يا ولي"، وصارتْ لها عائلةٌ من المواويلْ
وعلى مَقْرُبةٍ منّي، شاختِ الأغنياتُ، وهُجِرَتْ
وكلَّما هبّتِ الرّيحُ تمايلتْ.

لهذا يظنُّ الناسُ دائماً
أنني من قصبْ.

■ ■ ■

على صخرةٍ في مكانٍ لم تَطَأْهُ الأقدامُ بعْدْ
بنيتُ بيتاً
من شُرفتهِ تَلمَحُ انحناءةَ الأرضِ البعيدةْ
ومن بابِهِ الخلفيّ
تُشرِفُ على هِجرة النهرْ، إذْ يُمازحُ صمتَ المكان،
وتلويحةَ الغابةْ، إذْ تُمارسُ عادتَها مع الريحِ المهاجِرةْ.

رَشَشْتُ عَتَبَتَهُ لأنّي لم أتخلَّ عن عادَتيْ
رَغمَ أنَّ لا أحدَ سَيَعبُرُ فيشمُّ رائحةَ الترابْ.

زَيّنتُ البابَ بالرَّيحانْ
رغم أنَّ لا أحد سيطرُقُهْ.

على الطاولةِ في الحديقةْ
تركتُ الكوبَ يَصَّاعدُ منهُ البُخارْ
ليصيرَ غيمةً من القهوةِ في الأعلى
وكِتاباً يشرحُ كيفَ تعتني بجُدْرانِ البيتْ
حينما تكونُ من المدى،
والسقفْ، حينما يكونُ مُطرَّزاً بالنجومِ البعيدةْ.

لي بيتٌ بَنيتُهُ هناكْ
ولا مفاتيحَ تُثْبِتُ ذلكْ
إنني أمتلِكُهُ فحسبْ
وهذا ما أردتَ قولَهُ من البدايةْ.

 

 

قراءة: محمود حسن

الأكثر استماعاً