هل يستقيل رئيس الحكومة المغربية؟

هل يستقيل رئيس الحكومة المغربية؟

27 يوليو 2022

رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش يتحدث في بريست شمال غرب فرنسا (11/2/2022/فرانس برس)

+ الخط -

يشهد المغرب مذ أسابيع حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب برحيل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بسبب الارتفاع المهول والمتواصل في أسعار المواد الأساسية. وتجاوز مجموع عدد الذين تشاركوا الوسم الذي يطالب برحيل رئيس الحكومة وخفض أسعار المحروقات أربعة ملايين ونصف المليون حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. وأمام تعنّت الحكومة ورئيسها، واستمرار ارتفاع الأسعار، فإن حملة الغضب مرشّحة لمزيد من التفاعل داخل مواقع التواصل، قبل أن تتحول إلى مظاهرات في الشارع. فما يمنع الناس من الخروج للتعبير عن غضبهم هو حالة الخوف المهيمنة على المجتمع، بالإضافة إلى ما وصفها الباحث في علم الاجتماع، محمد الناجي، بـ "التواضع المذهل المصنوع من الكرامة"، فقد كتب هذا الباحث الجادّ على صفحته على "فيسبوك" متسائلا "كيف يصمت المغاربة رغم كل هذا البؤس، ولا تغزو الحشود الشوارع لفترة طويلة وبعنف؟"، قبل أن يجيب على تساؤله بإن "البؤس موجود وداخل ملايين الأسر وفقط التواضع المذهل المصنوع من الكرامة يمنع العديد منها من إظهار بؤسها في الأماكن العامة حتى لو بكوا دموعًا ساخنة فيما بينهم". لكن الباحث يتوقع أن ينهار هذا "الخضوع الرهيب التاريخي والثقافي، غدًا أو بعد غد، وتنهار معه سدود الاستسلام والصمت لتفتح الطريق أمام زلازل عنيفة لا نعرف نتائجها".

نعم، هذا هو السيناريو المخيف الذي يتوقعه كثيرون ويتخوفون منه، لأنه في حالة انفلات حالة الغضب الصامت من عقالها في العالم الافتراضي للتعبير عن نفسها على أرض الواقع لا أحد يمكنه توقع حجم الغضب المعبّر عنه وقوته، ولا المدى الذي يمكن أن يستمر فيه، فالوضع الاقتصادي صعب والحالة الاجتماعية متأزمة وحالة الاحتقان تزداد حدّة في صمت. وفي المقابل، لا توجد عروض سياسية مقنعة يمكن أن يلجأ إليها الغاضبون بحثا عن حلول لحالة البؤس التي يعيشونها. وبالنسبة للحكومة ورئيسها وأحزابها، هم منقسمون ما بين شامتين وهازئين بحالة "الغضب الافتراضية"، وما بين صامتين خائفين ينتظرون ما الذي سيقع. وعلى الطرف الآخر، توجد معارضتان: مؤسّساتية تحاول أن تستغل "حالة الغضب" المعبّر عنها لتسجيل نقاط صغيرة ضد الحكومة. وشعبية غير مؤطّرة يتجلى الجزء الظاهر منها اليوم في فضاءات المواقع الاجتماعية. وعلى مستوى أعلى قمة في الهرم السياسي المغربي الذي يبقى الحاسم في مثل هذه الظروف، الكل ينتظر الإشارات التي قد تصدر عن دائرة القرار الضيقة، ويتوقع أن يُفصح عنها خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى توليه المُلك يوم 30 يوليو/ تموز الحالي.

حملة الغضب مرشّحة لمزيد من التفاعل داخل مواقع التواصل قبل أن تتحول مظاهرات

وفي انتظار ما سيحمله الخطاب الملكي من جديد، وهو بالمناسبة لحظة مهمة في الزمن السياسي المغربي، لأنه يرسم التوجهات الكبرى للدولة، ويستشرف الآفاق المستقبلية لسياساتها الاستراتيجية في المجالات الحيوية، هناك ثلاثة سيناريوهات، بمثابة الخيارات المتاحة والممكنة، للتخفيف من حالة الاحتقان الشعبي واحتوائها قبل انفلاتها وخروجها إلى الشارع. الأول، هو الذي يطالب به الوسم الذي يتداوله الغاضبون، رحيل رئيس الحكومة، وهذا مستبعد في سياق الظروف الحالية، لأن رئيس الحكومة يبقى منتخبا، بالرغم من تشكيك بعضهم في نزاهة العمليات الانتخابية في المغرب، وما زالت حكومته تحتفظ بأغلبيتها داخل البرلمان بغرفتيه، وقد أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية التي شهدتها أخيرا بعض المناطق في المغرب، استمرار تصدّر أحزاب الأغلبية الحكومية المشهد السياسي، بالرغم، من كل المآخذ، مرّة أخرى، على شفافية العمليات الانتخابية في المغرب. وبما أن رئيس الحكومة في المغرب يعينه ويعفيه الملك، فلا يتوقع أن يُقدم الملك على مثل قرار العفو بدون وجود مبرّرات دستورية مقنعة، أو في ظل حالة استثناء تفرض نفسها على البلد، وشروط هذه الحالة غير متوفرة في الواقع المغربي اليوم.

يبقى السيناريو الثاني المحتمل، استجابة رئيس الحكومة، بتوجيهات من الملك، حتى لا يُنسب إليه الفضل في ذلك، لمطالب الناس بالتخفيف من ارتفاع الأسعار، وبالتالي احتواء حالة الغضب نسبيا، وهذا هو أكثر السيناريوهات واقعيةً، لامتصاص حالة الغضب واستمرار الوضع كما هو عليه، لكن ضغط الأزمة الاقتصادية العالمية وحالة التضخم التي يشهدها الاقتصاد العالمي لا يتركان الكثير من المخارج أمام صانع القرار المغربي لاختيار هذا التوجه، خصوصا في سنة اقتصادية صعبة يشهدها المغرب زادت من حدّتها حالة الجفاف الحاد، وندرة المياه التي باتت تهدّد المغاربة بالعطش، واشتعال حرائق كثيرة شرّدت آلاف الأسر، ودمرت آلاف الهكتارات من الغابات والمزارع. أما السيناريو الأكثر واقعية في الحالة المغربية فهو استمرار الوضع كما هو عليه، أي استمرار صمت الحكومة وتعنّتها، وعدم تدخل ملكي لإيجاد حلول تخفف من حالة الاحتقان الاجتماعي، فحسب التقاليد السياسية المغربية المرعية، نادرا ما يجري اتخاذ قرارات سياسية كبيرة تحت ضغط الشارع. والمرّة الوحيدة في تاريخ المغرب التي تغيرت فيها هذه القاعدة العرفية كانت بمناسبة تظاهرات عام 2011 التي تعدّ بمثابة النسخة المغربية من "الربيع العربي"، والتي تجاوب معها الملك بالإعلان عن دستور جديد وانتخابات سابقة لأوانها. لكن الوضع اليوم يختلف عن مشاهد مظاهرات عام 2011 التي عمّت المنطقة ومست المغرب. وما دام الشارع المغربي هادئا، فإن تدبير الأزمة سيُترك للزمن ليفعل فعلته فيه، لكن إلى متى؟ هذا هو السؤال الذي تصعب الإجابة عنه خارج السيناريوهات المحتملة المطروحة.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).