سارق الحكم في بلادنا

سارق الحكم في بلادنا

04 فبراير 2021
+ الخط -

من أهم علاماته وأشدّها خطرا على الإطلاق أن يكون دموياً، لأن الدماء التي تخيف الجماهير في أثناء قطاف الرقاب غيلة، أو جلدهم في أقسام الشرطة، أو إعدامهم، هي التي ترهب الجميع، وبذلك يزيد رصيد الخوف في البلاد والقلوب. والخوف يصنع المهابة، حتى وإن كانت كاذبة، وتلك أولى اللبنات التي يحرص عليها خاطف الحكم في بلادنا، ويستدرج الجماهير لها بأي حيلة، حتى بحيلة الإرهاب، حقيقياً كان أو مخططاً له مسبقا بفخاخ منصوبة. ويا حبذا لو طال أمده، ودقت له الطبول مع معزوفاتٍ إعلامية تستمر سنوات بديلا عن البرنامج الرئاسي والخطط الخمسية والعشرية، لأن الخطط مضيعة للوقت والبلاد والعباد، فالمهم هي الدماء والشرعنة لها، بالشرع إن كان، أو القانون أو حتى الأعراف السائدة. المهم أن تتم الطبخة بشكل يومي ومعتاد، كي تصير الدماء مائدةً يومية للجماهير. ويا حبذا لو كان هناك لحن راقص مع تحية العلم وأغنيات الصباح الطالعة من الريف بالطبع، أو أغنية تحكّ تحت جلد الناس والجماهير أو سمفونية أو حتى أوبرا أو مسرحية، وإن كان هناك فيلم سينمائي لممثلين وممثلات لهم ذلك الرصيد المقبول عند الجماهير في مسلسلات رمضان، فقد وصلت الرسالة على أكمل وجه، رسالة الدم، وقد أخذ بذلك الحاكم الخاطف، ختم الخلاص، مشرعنا مع محبة الجماهير وتشجيعها بالتصفيق والدموع.

أما لو جاء عالم دين جليل حسن الصورة وبليغ في سبك العبارة من بطون التاريخ وقال للحاكم: "اضرب في المليان"، و"كلاب جهنم"، و"ريحتهم نتنة"، فقد اكتمل المعنى من السماء وفم الشيخ. أما لو جاء إلى الحاكم نفسه حلم مبارك، وأعطاه حاكم سابق، في الحلم، سيفا مباركاً، ومكتوب عليه "بالأحمر كمان"، لون الدم: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فما على الحاكم إلا أن يمشي في طريقه، طريق الدم، ولا يخاف عقاباً، أي عقاب، فقد اكتملت له صحة "الولاية".

قد تحدُث أمورٌ في العالم، كالانتخابات في أميركا مثلاً، أو حقوق الإنسان، أو كلام الديمقراطية، وكلها أمورٌ معاصرة ومستحدثة في الحكم، وعلى خاطف الحكم في بلادنا أن تكون لديه الردود المختومة والجاهزة والمهذبة في الغرب، خصوصا في أثناء سفر خاطف الحكم لأي مؤتمر دولي، كي يناقش ويرد على كل تلك المسائل المستحدثة أمام الصحافة أو وكالات الأنباء أو الإعلام. والمهم أن يكون ثابتاً وحكيماً وحليماً، وعاطفياً جداً في الردود، والأهم من ذلك كله أن يشتري السلاح بالمليارات، حتى وإن باع جزيرتين أو جبلين أو حتى بقرتين.

أما لو أراد أن يعمّق المشهد عالمية وصهللة، ويرسم للعالم صورا مضيئة عن حكمه، فعليه بالحفلات والمهرجانات السينمائية والمسرح التجريبي وملاطفة نجمات السينما من كبيرات السن والتاريخ المشرف، ولاعبي كرة القدم، وخصوصا في أثناء عودتهم بالكؤوس، أو ذهابهم إلى كأس العالم. وعند ذلك بالطبع لا تنفع التكشيرات، ولا التهديد والوعيد ولا "سيبوا لي الفكة"، بل خطاب آخر جميل وأنيق مع دندشة في العبارة. ويا حبذا لو كان فيه مقطع من أشعار فاروق جويدة العاطفية. أما الداخل، فله رب يأخذ منه الضرائب. وأما لو بات الأمر ملحا للخارج "بالطبع"، فهنا يجب الاستعانة بشركات دعاية بالدولار "ومش خسارة"، كي تتم الرحلة.

قطعا ستكون هناك انتقادات من هنا أو هناك من "أهل الشر"، والرد عليهم بالطبع سيكون جاهزاً، فأرشيف الخيانات جاهز، ومن "باعوا أوطانهم بالدولار"، جاهز، و"العملاء والخونة" إلى آخره، ولكل حدث حديث. والمهم أن تكون المشاريع كل يوم، حتى وإن تمت على الورق، أو تركها المقاول ورجل الأعمال، وهرب، كالفنادق، وأوبرايت الصعيد ومزارع الجمبري. ولا خوف أبدا على البنية التحتية كما تقول "قنوات الشر"، أو سقوط البيوت على الفقراء، أو حوادث القطارات، فلذلك كله علاج في 2030، والإعلام يتكفل بالردود.

أما لو حدثت أشياء مرعبة أكثر من أن يتوقعها ذلك الحاكم، فالطائرات موجودة، والحبايب هناك كثر، و"تراعيني قيراطاً، أراعيك قيراطين"، و"تشوفني في انتفاضة أشوفك في انتفاضتين".

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري