دول الخليج والتغيُّر المناخي .. أوان البدائل

دول الخليج والتغيُّر المناخي .. أوان البدائل

18 فبراير 2021
+ الخط -

مرة أخرى، يجري تحذير الدول النفطية، في الخليج العربي، من المخاطر التي ستواجهها جرّاء التغيُّر المناخي، وتوجُّه دول العالم إلى التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري في العقود المقبلة. وتتداول وسائل الإعلام تقريراً صدر قبل أشهر يُحذّر من أن الاستمرار في النمط الرأسمالي الحالي للإنتاج والاستهلاك الذي يستنزف موارد الكرة الأرضية، سيجعل البشرية تواجه خطر الزوال بحلول سنة 2050. وتزامن تداول هذا التقرير مع تقرير آخر صدر بعده، يحذّر الدول المنتجة للنفط، ومنها دول الخليج، من أنها ستخسر 40% من وارداتها مع اتجاه دول العالم نحو الاعتماد المتزايد على الطاقات المتجدّدة في اقتصاداتها. لذلك فإن البحث عن موارد أخرى وتنويع مصادر الدخل وتغيير نمط الاستهلاك الحالي، علاوة على اعتماد التنمية المستدامة، قد يساهم في إنقاذ بيئة هذه الدول من التغيرات التي تنتظرها، بالإضافة إلى دوره في إنقاذ اقتصاداتها من الانهيار.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها تحذير دول الخليج العربي من الآثار المدمرة للتغيُّر المناخي الذي يتوقع حدوثه في السنوات والعقود المقبلة، والذي ظهرت ملامحه في بعض مظاهر تطرّف المناخ فيها، فما شهدته من ازدياد مضطرد في درجات الحرارة، ومن تساقط ثلوج، ومن العواصف التي صحبها تساقط حبات البَرَد الكبيرة، أو عواصف مطرية شديدة، جرفت التربة، وسبّبت أضراراً بالغة للمباني والسيارات وغيرها، ليس سوى دليل أوليّ على هذا التطرّف. وقبل التحذير الجديد، دفع الاحتباس الحراري الكبير الذي شهدته منطقتا الخليج وجنوب شرق آسيا العلماء والدارسين إلى الاستنتاج، قبل سنوات، بأن الخطر الذي يُحدق بمنطقة الخليج سيظهر جلياً خلال فترة السبعين سنة المقبلة، ويتمثل بارتفاع درجة حرارة الهواء الرطب. وسيكون هذا الارتفاع من القساوة بحيث لن يتمكّن الجسد البشري والنباتات من التكيّف معه، ما يفقد الكائنات الحية كميات ضخمة من المياه، فيجعلها عرضةً للموت السريع. والدراسة التي تحدثت عن هذا الأمر قبل ثلاث سنوات وضعت دول الخليج العربي أمام خيارين؛ إما مواجهة التغيُّر المناخي بالعمل على الحد من الانبعاثات بتقليل استهلاك الطاقة واعتماد مصادر طاقة نظيفة بدل الأحفورية، واعتماد سياسة التنمية المستدامة، إضافة إلى استغلال الثروة المتوفرة لديها في زيادة مساحات الغطاء النباتي في المنطقة لتعديل بيئتها، أو الرحيل عن المنطقة لأنها ستصبح غير قابلة للعيش فيها.

الرأسمالية كما نعرفها لا يمكنها دعم التحول نحو اعتماد الطاقة البديلة، كذلك ليست على استعدادٍ لتخفيض الإنتاج ومسايرة دعوات تخفيض الاستهلاك.

غير أن التقرير الجديد الذي أصدره مركز الأبحاث، كاربون تراكر، في فبراير/ شباط الحالي، يختلف عما سبقه من تقارير، إلى درجة أن القائمين عليه وصفوه بأنه يعدُّ بمثابة إنذار لدول الخليج، ولغيرها من الدول المنتجة للنفط، والتي وضعت ميزانياتها وخططها استناداً إلى افتراض ارتفاع الطلب على النفط حتى سنة 2040، وهو ارتفاع ينفيه المركز مع ظهور الخطط الواعدة لمشاريع الطاقة البديلة المتجددة العملاقة لدى دول كثيرة. ولا تتوقف الأخطار عند قلة المردود من مبيعات النفط، بل ستتعدّاها إلى التداعيات الناجمة عن ضعف الطلب، وهو الأزمات المعيشية التي ستؤدي إلى اضطراباتٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ وأمنية، ما لم تستثمر الدول المنتجة للنفط في الحد من العوامل المؤدّية إلى التغيُّر المناخي وفي التنمية البشرية، حسبما نصح رئيس قسم المناخ والطاقة والصناعة في المركز.

وبالعودة إلى التقرير الذي جاء تحت عنوان "الرأسمالية ستدمر الكوكب بحلول 2050"، والذي يعد تلخيصاً لدراسة أجراها برنامج هورايزون 2020، وهو برنامج الأبحاث والابتكار التابع للاتحاد الأوروبي، والتي نشرتها "مجلة مراجعات استراتيجية الطاقة"، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تحت عنوان "قيود إزالة الكربون من وسائل النقل في ظل نموذج النمو الحالي"، نرى أنه يلقي المسؤولية عن الكوارث البيئية على النظام الرأسمالي ونمط الإنتاج والاستهلاك الذي نشره بين البشر واستنزف موارد الكوكب، وسيبقى يفعل ذلك حتى تنضب هذه الموارد، من دون التفكير بالعواقب الكارثية لهذا النمط. فمن ناحية تأثير التصرّفات الفردية التي كرّسها هذا النمط على التغيُّر المناخي، تنتشر في الغرب الدعوات إلى التوقف عن استخدام سيارات الدفع الرباعي الكبيرة. وبات ينظر إلى مقتني هذه السيارات من العامة بأنهم مسرفون، ولا يتحلّون بالمسؤولية تجاه ما يجري للكوكب، بسبب استهلاكها كميات كبيرة من الوقود، وتسببها في انبعاث كميات كبيرة من الغازات، لا تسبّبها السيارات الأصغر. كذلك الأمر بالنسبة للطبقات الثرية المترفة ولأولئك النجوم، سواء نجوم كرة القدم أو نجوم الأفلام السينمائية والمغنين وغيرهم، الذين يبنون قصوراً تستهلك مواد بناء كثيرة تستنزف الطبيعة، مع العلم أنهم لا يستخدمون سوى بعض الغرف منها.

دول الخليج العربي والدول المنتجة للنفط، وبقية الدول الرأسمالية، لم تبدأ جدّياً في تغيير نظرتها إلى مخاطر التغيُّر المناخي

وفي حين استنتج العلماء الذين يرعى برنامج هورايزون 2020 عملهم، أن الرأسمالية كما نعرفها لا يمكنها دعم التحول نحو اعتماد الطاقة البديلة، كذلك ليست على استعدادٍ لتخفيض الإنتاج ومسايرة دعوات تخفيض الاستهلاك. ومن الأمثلة على هذا الأمر، برزت جريمة اقترفها النظام الرأسمالي في تدمير الغطاء النباتي من الأشجار المعمرة في غابات الأمازون، رئة الأرض، في البرازيل، في أغسطس/ آب 2019، على سبيل المثال. يومها رفضت حكومة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو اليمينية قبول المساعدات الدولية لإطفائها ووصفها بأنها تعدٍّ على سيادة بلاده. ومن هنا، تأكد أن الهدف من الحرائق توفير الأرض الخصبة من أجل زراعة قصب السكر وفول الصويا من أجل الحصول منها على الوقود الحيوي، وكذلك تأمين الأخير مزارع تربية الأبقار التي تحتاجه بشدة، بعد تزايد الطلب على لحوم العجل، والذي دفعت إليه أنماط الغذاء التي تتبعها الفئات الميسورة والشديدة الثراء. لذلك فإن كانت مواجهة التغيُّر المناخي ليست وحدها ما يجب أن يدفع الرأسمالية إلى تغيير أنماط إنتاجها واستهلاكها، تنتصب أمامها حقيقة بدء نضوب موارد الطاقة والمعادن وغيرها من المواد الأولية التي تحتاجها في صناعاتها.

ما دامت دول الخليج العربي والدول المنتجة للنفط، وبقية الدول الرأسمالية، لم تبدأ جدّياً في تغيير نظرتها إلى مخاطر التغيُّر المناخي، وتصديق أن له آثارا مدمرة على الحياة على الكوكب، ستبقى التحذيرات تصدر عن مراكز الأبحاث، وربما ستفاجئنا يوماً ما بالإنذار النهائي، إذا لم ترتدع هذه الدول وتبدأ بالتفكير المغاير. ومع ذلك، يمكن لدول الخليج أن تكون رائدةً في مجال إنتاج الطاقة البديلة وتصديرها على مستوى العالم، خصوصاً الطاقة الشمسية، بالطريقة التي كانت فيها رائدة في مجال طاقة الوقود الأحفوري، بسبب توفر أشعة الشمس فوق أراضيها طيلة أيام السنة. كما أن الثروة التي تتمتع بها، توفر لها القدرة على إنشاء مشاريع جبارة في مجال الطاقة الشمسية، وهو ما لا يتوفر لدول أخرى كثيرة.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.