السياسة بلغة المجالس والمضافات

السياسة بلغة المجالس والمضافات

07 فبراير 2021

(حسن جوني)

+ الخط -

قال العم أبو عبدو، المتكئ على جنبه الأيسر في مضافة العم أبو محمود: أخبار الملف السوري، يا شباب، خلال الأيام القليلة الماضية تفتح النفس، فقد بشّرنا المستر جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، بأن سورية ليست أولوية للرئيس الأميركي الجديد جو بايدن. وتاني يوم، ألقى بايدن خطبة ما جاب فيها سيرة سورية بحرف. ردّ عليه الأستاذ أبو إسماعيل قائلاً: الله يبشّرك بالخير. من زمان، عندما كنت أعمل معلماً، كان لنا زميل يتهرّب من العمل ما أمكنه ذلك. يداوم يومين، ويتظاهر بأنه مريض، ويأخذ إحالة طبية، ويعمل المستحيل حتى يحصل على تقرير طبي يخوّله بأن يغيب عن المدرسة أسبوعاً، أو أكثر. وعندما يعود، يداوم مدة قصيرة لا يعطي تلاميذه خلالها دروساً جديدة، بل يطلب منهم مراجعة الدروس السابقة. ذات مرة صارحناه، نحن زملاؤه، بأن تصرّفه هذا يؤذي التلاميذ، فقال: بالعكس، إنني أعمل لمصلحتهم؛ فالمناهج المقرّرة في مدارسنا بالغة السوء، وكلما أقللنا من تلقينها لأبنائنا، كان ذلك في مصلحتهم! هذا المثل ينطبق على تدخل أميركا في الملف السوري، صدّقوني كلما قلّ أحسن.

أثنى أبو مازن على كلام أبو إسماعيل. وقال إنه قرأ، في قديم الزمان، قصة قصيرة لعبد السلام العجيلي، عن رجل كان يعبر ضمن سوق البلدة المكتظ بالناس، وهو يظلل عينيه بيده، وينظر إلى نقطةٍ ما في السماء، ويصفّر مندهشاً، فيتبعه الناس وينظرون إلى النقطة ذاتها، عسى أن يروا ما يراه. وعندما يخيب أملهم يبدأون بتقريعه قائلين: أنت تغشّنا، لا يوجد شيء حيث تنظر، فيرد: أنا كنت أكلم نفسي، ما علاقتكم أنتم بالأمر؟ وهذا ما يفعله معنا الحكام الذين يتعاقبون على البيت الأبيض، فالرفيق أبو حسين أوباما بعث لبشار الأسد برسالة، قال له فيها: شوف ولاك أبو البش، أنت تذبح شعبك بمختلف صنوف الأسلحة، صحتين على قلبك، ولكن بشرفي إذا بتضرب فَشَكة كيماوي واحدة يا ويلك! بشار، بعدما تأكد من أن أوباما عِلّاك، ضرب كيماوي، ونحن السوريين يومئذ طقّ عقلنا، وصرنا نصيح: الحقنا يا أبو حسين، بشار ضَرَب كيماوي، وقتل ألف إنسان، زائد 400 طفل، فأدار ظهره لنا، وقال: من يومين زارني طبيب العيون، وأكد لي أننا أرى عشرة على عشرة، يعني أنا شفت بشار ضرب، وسوف أجعله يندم، ولكن ليس الآن. عندما أتوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، يصير لدي وقت للملف السوري، سأجعل بشار يعض أصابعه ندماً.

قال أبو سمير: لكن أبو حسين لم يمرّر الضربة لبشار على خير، أجبره على تسليم مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية للأمم المتحدة. رد أبو مازن بقوة قائلاً: لا سلم الأسلحة الكيماوية ولا بطيخ، بدليل أنه ضرب، بعد ذلك عدة مرات، ومنظمة الأسلحة الكيماوية العالمية نفسها وثقت الضربات، وأصدرت بها تقريراً مفصلاً. المهم، بعدما شرعن أوباما التدخل الإيراني في منطقتنا، وصارت مليشيات قاسم سليماني تصول وتجول و"تعنطز"، جاء أبو إيفانكا وصار يهمر مثل الضبع، وبعدما زار السعودية، وفرض على دول الخليج مبالغ خيالية، وبالدولار، شيء لخزينة الدولة الأميركية، وشيء لجيبه الخاص، التفت على بشار الأسد وقال له: يخرب بيتك، أأنت ما تزال موجوداً هنا؟ والله لأفعل وأترك بك وبمطار الشعيرات. ولاك، أنا لست أوباما حتى تضحك عليّ، وتتجاوز خطوطي الحمر وأسكت لك. ولكي يؤكد أبو التر أنه مختلف عن أبو حسين، ضرب مطار الشعيرات. ولعله من حسن حظنا، نحن السوريون، بعد عشر سنين مذبحة، أن الأميركان حلقوا لترامب، وأتونا برئيسٍ لا يعطي الملف السوري أهمية. يعني، من الآخر، قد تنتهي مدة بايدن، ويبقى بشار الأسد ومطار الشعيرات وبثينة شعبان وأحمد حسون بخير.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...