التجربة المغربية

التجربة المغربية

18 سبتمبر 2021

في مركز اقتراع في الرباط خلال الانتخابات المغربية (8/9/2021/الأناضول)

+ الخط -

قد لا يكون المغرب خير مثال عن النماذج الديمقراطية المفتقدة في عالمنا العربي، إلا أن ما حدث، الأسبوع الماضي، خلال الانتخابات التشريعية يجب التوقف عنده، إذ من الممكن أن يكون من السوابق القليلة التي حدثت عربياً، سواء لجهة ما أفرزته هذه الانتخابات، أو ما سبقها خلال سنوات، وما تلاها في أيام قليلة.

بداية التجربة مع وصول حزب العدالة والتنمية، الإسلامي، إلى الحكم قبل عشر سنوات عبر صناديق الاقتراع، وإفساح المجال له، إلى حد ما، لتولّي الحكومة في البلاد، ومحاولة تطبيق برامجه من منصّة المسؤوليات الرسمية، وهو ما عمد إلى القيام به خلال هذه الفترة الطويلة نسبياً من تولي السلطة التنفيذية. أمر كهذا، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الربيع العربي، هو سابقة فعلية في الدول العربية، فحكم "الإخوان المسلمين" في مصر لم يدم أكثر من سنة، ولم تتح لهؤلاء الفرصة الحقيقية لاختبار ما يحملونه من أفكار ومدى نجاعتها عندما تصطدم بالواقع الفعلي للسياسة وتولي المسؤوليات. وغالباً لو كانت أتيحت فرصٌ كهذه، كانت نتائجها ستكون مماثلةً لما حدث في المغرب مع "العدالة التنمية"، خصوصاً أن من المستحيل أن يدّعي أحدٌ أن في يده مفاتيح الخلاص، وتحديداً في هذه المنطقة العربية المتخمة بالأزمات. الأمر نفسه تكرّر في ليبيا واليمن مع وصول الإسلاميين إلى الحكم، إذ تحوّلت الفترة التي تقلدوا خلالها السلطة إلى حروب أدّت إلى تقسيم البلدين عملياً.

وحتى ما قبل فترة الثورات العربية، لا يمكن نسيان ما حدث في الجزائر حين فاز الإسلاميون بالانتخابات، وكيف تحوّلت هذه العملية الديمقراطية إلى وبال على الجزائريين لا يزالون يعانون من تداعياته. والأمر نفسه يمكن قياسه على فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وما أفرزه رفض توليها الحكم من كوارث على الشعب الفلسطيني لا يزال يعاني منها.

إذن، يحسب للمغرب أنه استطاع تخطّي فترة حكم الحزب الإسلامي، من دون الدخول في انقلابات ولا اقتتال داخلي، ولم يسمح للتدخلات الخارجية، وهي كانت كثيرة في الفترة الأولى من حكم "العدالة والتنمية"، في منع هذا الحزب من تولّي السلطة، بل على العكس، عاد الحزب وفاز في الانتخابات وبقي في السلطة عشر سنوات، وهذا يعد نجاحاً للتجربة المغربية.

الجزء الآخر من النجاح هو ما أفرزته صناديق الاقتراع الأسبوع الماضي، والهزيمة الكبيرة التي مُني بها "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية، وحصوله على 12 مقعداً فقط من أصل 395، وهو الذي كان يمتلك 125 نائباً بعد الانتخابات التي جرت في 2016. هذه النتيجة جاءت بالأساس بعد تصويت عقابي من المغاربة ضد "العدالة والتنمية"، إذ رأوا أنه فشل في تحقيق الوعود التي قطعها للشعب خلال فترة حكمه. وها هو الحزب يخرج عبر الانتخابات من الحكم، من دون الحاجة إلى انقلابات أو تعطيل دستور أو احتراب أهلي. وهو أمر أيضاً يحسب لهذه التجربة المغربية.

كذلك يمكن التوقف عند ردّة فعل "العدالة والتنمية" على النتائج بعد صدورها، فعلى الرغم من التشكيك الذي اعترى تصريحات مسؤولي الحزب في الساعات الأولى للهزيمة، إلا أن الحزب عاد فأقرّ بالحاجة إلى مراجعةٍ داخليةٍ كبيرة لفهم هذه الخسارة وأسبابها، الأمر الذي تلته استقالة الأمانة العامة للحزب التي كان يترأسّها رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني. تعامل الحزب مع النتائج أظهر نضجاً سياسياً يندُر أن نجده لدى أحزاب إسلامية كثيرة كان من الممكن أن تتمسّك بفرضية التشكيك والتزوير، وهو ما لم يحدُث مغربياً.

كل ما سبق لا يعني تحوّل المغرب إلى واحة للحريات والديمقراطية، غير أن هذه التجربة بمراحلها كافة تحمل دروسا كثيرة يجب التوقف عندها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".