أن يتّحد خصوم أردوغان

أن يتّحد خصوم أردوغان

10 نوفمبر 2021

زعيم حزب الشعب وزعيمة حزب الجيد المعارضين في أنقرة (23/6/2016/Getty)

+ الخط -

خاض حزب العدالة والتنمية، التركي، بزعامة رجب طيب أردوغان، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، أول معركة انتخابية في تاريخه السياسي، تمكّن فيها من تحقيق فوز ساحق، أوصله إلى السلطة بعد 15 شهراً فقط من تأسيسه. بعد مرور نحو عشرين عاماً على ذلك التاريح، تنتظر تجربة أردوغان انتخاباتٍ ستُقرّر ما إذا كانت ستستمر خمس سنوات إضافية على الأقل، أم أنّها ستطوي صفحةً غيّرت من وجه تركيا الحديث. في الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها البلاد بعد 2002 تمكّن حزب العدالة والتنمية من تحقيق الفوز بغالبيةٍ مكّنته من البقاء في السلطة، باستثناء آخر انتخابات في العام 2018، والتي اضطر فيها إلى الدخول في ائتلافٍ مع حزب الحركة القومية، من أجل الحفاظ على الغالبية البرلمانية. منذ صعوده إلى السلطة، واجه أردوغان تحدّيات عديدة، بدءاً من احتجاجات تقسيم في 2013، ثم محاولة الانقلاب العسكري في 2016، وصولاً إلى استفتاء تحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي في 2018. وقد مثلت هذه التحدّيات تهديداً وجودياً لظاهرته، إلّا أنه استطاع تجاوزها بفضل براعته السياسية والمكاسب الاقتصادية الهائلة التي جنتها تركيا في عهده.

النهضة الاقتصادية التي شهدتها تركيا خلال فترة حُكم أردوغان تصطدم الآن بتضخّم جامح وتراجع حادّ في العملة، جرّاء تداعيات أزمة كورونا العالمية

لا يزال أردوغان يملك من الدهاء السياسي ما يُساعده على البقاء في الحكم فترة أطول، بيد أن التحدّيات التي يتعامل معها اليوم تختلف عن سابقاتها، من حيث تأثيرها على وضعه الداخلي، وقدرته على إدارتها، فالنهضة الاقتصادية التي شهدتها تركيا خلال فترة حُكمه تصطدم الآن بتضخّم جامح وتراجع حادّ في العملة، جرّاء تداعيات أزمة كورونا العالمية. وعلى الرغم من أن أردوغان يُعول على العامين المتبقيين للانتخابات، من أجل إحداث تحوّل إيجابي في المسار الاقتصادي، عبر مواصلة النمو الاقتصادي، وإعادة جذب استثمارات أجنبية كثيرة غادرت البلاد خلال السنوات الماضية، بفعل الاضطرابات السياسية والأمنية، إلّا أنّ تحدّيا آخر يتطلب التعامل معه لعبور انتخابات 2023 بنجاح، ويتمثل في معارضةٍ كانت عاجزة عشرين عاماً عن إزاحته من السلطة بسبب ضعفها، لكنّها تبدو موحّدة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وتسعى إلى التغلب على التناقضات الكثيرة التي تجمع مكوّناتها، وجمعها تحت هدف واحد، الوصول إلى الحكم.

في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2018، تلقّى حزب العدالة والتنمية وحليفه القومي هزيمة قاسية في أكبر مدينتين، إسطنبول وأنقرة. لم يعتد الحزب الحاكم على مثل هذه الهزيمة في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة. كما أن المعارضة لم تعتد على تحقيق الفوز وإحداث خرقٍ في المعادلة الانتخابية القائمة منذ عام 2002، لولا دعم حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) لها. منذ تلك الفترة، تُثار تساؤلاتٌ كثيرة بشأن طبيعة العلاقة التي تجمع تحالف المعارضة، المكوّن من حزبي الشعب الجمهوري (العلماني) والخير (القومي)، إلى جانب أحزاب أخرى صغيرة، وبين الحزب الكردي. فعلى عكس الانتخابات المحلية التي لم تكن فيها الشراكة بين الطرفين مُعلنة، تتحوّل هذه الشراكة تدريجياً إلى تحالفٍ مُعلن في الانتخابات المقبلة، حيث يتطلّع الجانبان إلى تكرار تجربة 2018، مع اختلاف أن حزب الشعوب الديمقراطي الذي منح أصواته لصالح مرشّحي المعارضة في الانتخابات المحلية من دون مقابل يفرض الآن شروطاً على تحالف الأمة المعارض مقابل دعمه في المعركة الانتخابية المقبلة.

أردوغان يملك من الدهاء السياسي ما يُساعده على البقاء في الحكم فترة أطول، بيد أن التحدّيات التي يتعامل معها اليوم تختلف عن سابقاتها

وقد أعلن حزب الشعوب الديمقراطي، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن وثيقة مبادئ رسمت رؤيته للمشهد السياسي، وحدّدت معاييره للمرشّح الرئاسي والتحالفات الانتخابية والحلول للمسألة الكردية، فضلاً عن مناقشة العدالة والدستور الديمقراطي، وتعزيز شكل الحكم القائم على الإدارة المحلية. وقد بدت هذه الوثيقة شروطا موجّهة، بالدرجة الأولى، إلى تحالف الأمة مقابل دعمه في الانتخابات. أخيرا، استجاب زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليجدار أوغلو لهذه الوثيقة، من خلال عدة خطوات، كإثبات لنيات الانفتاح على الحزب الكردي، باعتباره محاوراً شرعياً وإعلان استعداده لمناقشة المسألة الكردية في البرلمان المقبل، فضلاً عن التصويت ضد المذكرة الرئاسية، بتمديد تفويض إرسال القوات التركية إلى سورية والعراق لشن عمليات ضد الإرهاب، لا سيما حزب العمال الكردستاني وذراعه السوري "وحدات حماية الشعب" الكردية. من المرجّح أن يواصل قليجدار أوغلو هذا المسار مستقبلاً، من خلال إثارة مطلب الإفراج عن الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش، المعتقل في اتهامات بعلاقته بحزب العمال.

بيد أن اندفاعة حزب الشعب الجمهوري نحو استمالة حزب الشعوب الديمقراطي تنطوي على مخاطر عديدة قد تًهدد وحدة تحالف المعارضة، وتؤثر على شعبيته، بالنظر إلى أن القاعدة الجماهيرية لتحالف الأمة، سواء التي تنتمي لحزب الشعب الجمهوري، أو حزب الخير (القومي) تفصل بين مقاربتها لمسألة الإرهاب ومعارضتها أردوغان. كما أن زعيمة حزب الخير ميرال أكشنار، التي انشقّت سابقاً عن حزب الحركة القومية، بسبب صراع على القيادة تتبنّى توجّهات قومية في مقاربتها للمسألة الكردية، وتعتبر أن حزب الشعوب الديمقراطي على علاقةٍ بحزب العمال الكردستاني. في الفترة الأخيرة، تسعى أكشنار إلى تجنب إثارة هذه المسألة بشكل أكبر حرصاً على وحدة تحالف المعارضة. كما أنّ من المستبعد أن تكون خطوات قليجدار أوغلو تجاه الحزب الكردي بمعزل عن أكشنار. من غير الواضح كيف ستتمكّن أحزاب المعارضة من مواصلة هذا النهج الغامض مع حزب الشعوب الديمقراطي، بالنظر إلى حرص الأخير على فرض شروطه عليها، والنقاش المتصاعد داخل البيئة الشعبية للمعارضة حول هذه المسألة.

يُعوّل تحالف الأمة على أن أولويات قاعدته الشعبية في الانتخابات الأوضاع الاقتصادية الصعبة أكثر من أي أولويات أخرى

يُعوّل تحالف الأمة على أن أولويات قاعدته الشعبية في هذه الانتخابات تبقى الأوضاع الاقتصادية الصعبة أكثر من أي أولويات أخرى. لكنّ ذلك لا يعني أن في مقدور المعارضة تهميش النقاش بين جمهورها إزاء صوابية إعادة فتح نقاش مرير بشأن المسألة الكردية مدفوع بحسابات انتخابية بحتة، بدلاً من رؤية واضحة قادرة بالفعل على إدارة ملفٍّ بهذا الحجم، فضلاً عن أنه قد يجرّ البلاد نحو استقطابٍ كبير، هي في غنى عنه، بينما تواجه تحدّيات كبيرة أخرى. من جانب آخر، قد يُساعد خطاب حزب الشعب الجمهوري في إخراج حزب الشعوب الديمقراطي من عزلته السياسية، لكنّه من المُستبعد أن يُحدث خرقاً في المسألة الكردية، لأن إعادة فتح مثل هذا النقاش سُرعان ما ستصطدم بنقاشاتٍ مرتبطة بالإرهاب والهوية واللغة، ولن تستفيد منها المعارضة بالقدر الذي سيُفيد أردوغان وحلفاءه القوميين، ناهيك عن أن أردوغان يُعتبر كأول زعيم تركي يقوم بأكبر إصلاحات في ما يتعلق بحقوق المكونات العرقية المختلفة في تاريخ الجمهورية، ولا سيما الأكراد.

يُضاف إلى ذلك أن أردوغان سيسعى إلى توظيف التحرّك العسكري الجديد الذي يُخطط له ضد الوحدات الكردية في سورية، من أجل إحراج المعارضة وإفشال مشروعها للتحالف مع حزب الشعوب الكردي. بعد انهيار عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في عام 2015، واستراتيجية حزب الشعوب الديمقراطي لتجاوز العتبة الانتخابية من أجل دخول البرلمان بدلاً من تسمية مرشحين مستقلين، أصبح الأكراد مجموعةً انتخابيةً مؤثرة في المشهد الانتخابي. وبالنظر إلى تقارب النتائج التي يُتوقع أن يحصل عليها كل من التحالف الحاكم والمعارضة في الانتخابات المقبلة، فإن الصوت الكردي سيكون حاسما، على الأرجح، في ترجيح الكفّة لأحدهما. لا يزال حزب العدالة والتنمية يحظى بشعبيةٍ بين الأكراد المحافظين، وإن تراجعت بعض الشيء خلال السنوات الأخيرة بفعل تحالفه مع القوميين. لكن أي توجّه نحو المعارضة من الأكراد الذين لم يشاركوا في العمليات الانتخابية السابقة إلى جانب الحيثية الشعبية لحزب الشعوب بين الأكراد يزيدان من الضغط الانتخابي على أردوغان.