بانتظار كلمات محمد الرطيان المرعبة

بانتظار كلمات محمد الرطيان المرعبة

15 مايو 2014

محمد الرطيان وغلاف كتابه

+ الخط -

"لا ترعبني الكلمات التي قلتها.. الذي يرعبني الكلمات التي لم أقلها بعد". بهذه العبارة، ثرية المعنى، يختتم محمد الرطيان كتابه الجديد "أغاني العصفور الأزرق"، وكأنه يعد قارئه بما يأتي، إن كان قد خذله ما انتهى من قراءته للتو.
عبارة واعدة هي إذن، وتدل على ثقةٍ شديدةٍ من كاتبها بنفسه، وإن بدا الأمر عكس ذلك بشكل موارب؛ الآتي مرعب، لأنه الأخطر والأجمل، وهو سيأتي حتماً، أيها القارئ الوفي لما أكتبه. هكذا يرسل هذا الكاتب المحترف رسالته بذكاء شديد، لتكون خيطاً خفياً، يربط قارئه به باستمرار. ولعل هذا الحرص الذي تشي به العبارة، وأشياء أخرى في الكتاب، على القارئ، هو ما جعل المؤلف ينساق وراء لعبة "تويتر"، وهو يضع لمساته النهائية على شكل النص، ويقدمه للناشر في سياق ظاهرة كتب "تويتر" التي انتشرت أخيراً.
أسعدني أن مؤلف "أغاني العصفور الأزرق" اتفق معي، في لقائي معه أخيراً، على أن أسوأ ما فعله بكتابه أنه أدرجه في قائمة "تويتر" من الكتب، وهي القائمة التي استهكلت أخيراً بشكل لم يعد مغريا لأي قارئ محترف. 
والمزعج أن الرطيان أسرف، وهو الذي تميز دائماً بالاقتصاد اللغوي، في إضفاء شكل "تويتر" على كتابه كله، بدءاً من عنوانه وانتهاء بغلافه، مروراً بعناوين صغيرة حفل بها الكتاب، وكلها مستوحاة من الفضاء الرحب للموقع الشهير.
"تويتر" لعبة جميلة ومغرية لأي كاتب، تتميز تغريداته بالقبول والرضا والإعجاب، والكثير من "الريتويت" لكي يصدرها في كتاب، لكنها، بالنسبة لكاتب ذي نكهةٍ شديدةِ الخصوصية في الكتابة، مثل محمد الرطيان، تبدو زائدة عن الحاجة. فتغريداته هي مما اشتهر به قبل اختراع "تويتر" نفسه. ولعله أحد الكتاب القلة الذين لم يشتكوا من المساحة المحدودة التي يوفرها هذا الموقع لمستخدميه، في كل تغريدة، خصوصاً وأن كتاباته من نوع ما قلّ ودلّ. بل إنه أحد أهم الكتاب العرب الذين عرفوا كيف يُقتنص المعنى التائه في مفازات اللغة، برشاقةٍ وأناقةٍ وذكاءٍ وحرقة واقتصاد، ليس في مقالاته السائرة وحسب، بل حتى في نصوصه القصصية القصيرة وروايته الوحيدة. أي أن "تويتر" لم يعلمه شيئاً على صعيد الكتابة بهذا الشكل، ولا فضل له لكي يكون وسيلته إلى القراء، كما حدث مع بقية مؤلفيه أخيراً!
لعل العكس هو ما حدث، فقد أدى نشر نصوص "الطائر الأزرق" في ذلك الإطار "الأزرق" المحدد إلى أن تُقرأ غالباً ضمن ذلك الإطار وحده، على الرغم من فرادة بعضها نصوصاً في براري البلاغة والأدب الشاسعة. فما كتبه تحت عنوان "تويت ميل"، مثالاً، قصص قصيرة مكتملة العناصر الفنية، وفقاً لوجهات النظر النقدية التقليدية، ثم أنها قصص ذات نفس ابتكاري، ليس على صعيد المعنى وحسب، بل أيضاً على صعيد اللغة وتصريفاتها النحتية، وهي لعبة الرطيان المفضلة في كل كتاباته. أما تلك الأسئلة والاجابات التي أدرجها تحت عنوان "آسك"، فلا تبدو من مألوف أسئلة وإجابات "الآسك" المعتادة في "تويتر" بقدر ما تبدو كأنها خلاصات فلسفية عامة، وربما لا تخص كاتبها وحده. في حين بدت النصوص التي كتبها في سياق "الهاشتاق" كمحاولة، تبدو أحياناً متعسفة ضد عفويتها، كعبارات مستقلة بذاتها، لتعالج في مجموعها موضوعاً معيناً.
وهكذا في بقية تقسيمات وعناوين "الطائر الأزرق"، التي أرهقتني كقارئة، من دون أن تضيف أي ميزة إضافية على أسلوب الرطيان المدهش في الكتابة المتكئة على ما قالته العرب قديماً من أن البلاغة الإيجاز. وهذا مؤلف يتمتع بالبلاغة، ويجيد الإيجاز، ويكتب في كنفهما أجمل النصوص فعلاً، بغض النظر عن موضوعها، أو رسالتها. ولذلك، سأتواطأ كقارئة، ومن طرف واحد على الأقل، مع "عاشق الكتابة عن الكتابة"، كما وصف نفسه، وسأنتظر "الكلمات المرعبة" التي لم يقلها بعد بصبر جميل ومستحَق!
ولأنني بدأت مقالتي هذه بآخر الكتاب، أختمها الآن بأوله، أو بالتغريدة التي افتتح بها المؤلف كتابه: "اللهم امنحني العين التي ترى الحقيقة. والأذن التي تسمعها بشكل جيد. واللسان الذي يقولها من دون أن يتلعثم. واليد التي لا ترتجف عند كتابتها". وإنه لدعاء عظيم لمن كان له قلب، أو ألقى السمع. اللهم آمين!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.