داعش والنصرة "حضناً دافئاً" للشباب!

داعش والنصرة "حضناً دافئاً" للشباب!

03 نوفمبر 2014
+ الخط -

ليست قصة جهاد الغبن (أو جهاد شعراوي)، التي سلّط الضوء عليها الزميل محمد فضيلات في (العربي الجديد) الأسبوع الماضي، بعد خبر مقتله مع جبهة النصرة في سورية، حالة معزولة تماماً عن آلاف الأردنيين الذين تخلوا عن حياتهم الطبيعية وذهبوا للقتال في سورية، منذ أكثر من عامين، وانضم أغلبهم إلى جبهة النصرة أو داعش.
لكن، تفتح قصة جهاد، نفسها، الباب لتكسير تلك الصورة النمطية والخاطئة والسطحية التي هيمنت على النخب السياسية الأردنية، المقرّبة من دوائر القرار، عمّن يذهبون إلى سورية ودوافعهم وخلفياتهم الاجتماعية، إذ كثيراً ما تسمع (في تلك الأوساط) عبارات مختزلة للحالة عبر الحديث عن تدنّي المستوى الأكاديمي والظروف الاقتصادية الاجتماعية الصعبة، كالفقر والبطالة، وهي حيثيات قد تنطبق على شريحةٍ ممن يذهبون إلى هناك، لكنّها تتناقض، تماماً، مع سمات شريحة أخرى، سواء على صعيد الشهادات الأكاديمية، أو حتى الشروط الاجتماعية والاقتصادية، لذلك تستدعي تفسيراً آخر، سواء في البحث في المشهد الأردني، أو حتى الإقليمي المشتعل.
صحيح أنّ أصدقاء جهاد، مثلاً، يخبروننا أنّه كان يعاني من حالة ماديّة صعبة، لكنّ متابعة نشاطاته على الساحة الأردنية لا تعطي انطباعاً بأنّ العامل الاقتصادي هو السبب. فجهاد منذ بدء الحراك الشعبي الأردني المطالب بالإصلاح السياسي، وهو حراك ينتمي عموماً للطبقة الوسطى، انخرط فيه بدرجة عالية، وكان حاضراً في الأنشطة والاجتماعات كافّة، كما يخبرنا أحد أكثر العارفين به والأقرب إليه في الحراك، المهندس أكرم الحمود.
يتحدث أكرم عن توجهات جهاد قبل الذهاب إلى سورية، إذ يقول إنّه اقترب من الإخوان المسلمين تارة، ومن حزب الوحدة الشعبية اليساري تارةً أخرى، "في يومٍ تجده يمسك بكتاب لأحد المفكرين الإسلاميين، ويناقشك فيه، وفي أيام أخرى لمفكر ماركسي". وعندما تراجع الحراك الشعبي، فكّر في "الدخول إلى القوات المسلحة الأردنية، لرغبته في عمل وطني، يشعر فيه بانتمائه للأردن"، كما أخبر هو أكرم، أحبّ الإعلام وكان يرغب بشدة بأن يكون إعلامياً.


لم تكن هنالك، وفق ما يؤكده أكرم، أي مؤشرات على توجهات سلفية جهادية (وهي أيديولوجيا جبهة النصرة) لجهاد، بل كان يشعر بسرور كبير عندما تمّ قبوله في الجامعة الأردنية بتخصص أدب عربي، لكن الجميع فوجئوا، بعد أسابيع قليلة، بخبر وجوده في سورية، وانضمامه إلى جبهة النصرة!
هل هي قفزة كبيرة قام بها الشاب العشريني، من المطالبة بالديمقراطية والإصلاح إلى تنظيم يكفر بالديمقراطية والتعددية، ويعلن انتماءه للقاعدة، هل هي الانتقال من النقيض إلى النقيض؛ من التفكير في الدخول في القوات المسلّحة الأردنية إلى جبهة النصرة الجهادية السلفية، أم أنّها محصلة مسار مسكون في البحث عن الهوية وأسئلة الذات في واقع محلي وإقليمي، مشحون بالتوترات والأزمات، ويموج في التيارات الأيديولوجية والسياسية المتضاربة!
على الأغلب إنّه الاحتمال الثاني؛ فلم يشعر الشاب الحراكي بأنّه قام بانعطاف فكري حاد، بقدر ما وصل إلى نموذجٍ، يستطيع، من خلاله، تحقيق حلمه بتبني "قضية سياسية" صلبة، بعد أن أُغلق باب الحراك الإصلاحي أمامه، ولم تعد المسيرات مجدية في تحريك شارعٍ يغط في السبات ومسكون بالرعب مما يحدث في المنطقة، وتجسّد طموحه بالانضمام إلى مشروعٍ عسكري، فيه دفاع عن المظلومين في سورية، بعد أن عدل عن التفكير في دخول القوات المسلحة، وتحقّق حلمه، أيضاً، بأن يصبح إعلامياً مؤثّراً، عندما أعطته النصرة أجهزة إعلامية، وقالت له قم بدورك!
من يتابع صفحات جهاد وأصدقائه الذين رافقوه من حيّ نزال، شرق العاصمة عمان، ثم في جبهة النصرة في جنوب سورية، يجد أنّهم ذوو ميول إسلامية معتدلة، في الأساس، أقرب إلى محاضن جماعة الإخوان المسلمين، كما يؤكّد لنا معارفهم في الحيّ، ولم تكن لديهم أي أمارات على توجهات "سلفية جهادية". أحدهم، ما يزال حيّاً، ترك دراسته الجامعية في العام الأول، وغادر إلى سورية، والتحق بالنصرة، وتفضح صوره على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) كيف كان، قبل عام، يبدو طفلاً صغيراً أمرد، في حين الآن أصبحت هنالك لحية كثيفة على الوجه الطفولي تميزه عن رفاقه الآخرين في الصورة!
حالة مجموعة "حيّ نزال" ليست إلاّ نموذجاً على شريحة واسعة من الشباب، الذين يغادرون إلى سورية، فمن هذا الحيّ الشعبي، ذي الكثافة السكانية لمواطنين من أصول فلسطينية، إلى مدينة السلط، شمال العاصمة عمان، ذات الطابع العشائري؛ نجد مجموعة أخرى من الشباب الذين خرج أغلبهم إلى داعش، بعد أن تركوا الجامعات، وبعضهم في تخصصات أكاديمية متميزة، كالهندسة والطب والإدارة، يتفاجأ أهلهم بهاتف من الحدود التركية يودّعهم فيه ابنهم الذي لم يكونوا يتوقعون أو تراودهم أي شكوك بأنّه سيكون عضواً في جماعات تصنّف تحت بند الإرهاب؛ سواء في سورية أو العراق، وفي الأردن، إذ تغص قاعات محكمة أمن الدولة العسكرية بعشرات القضايا لمئات الشباب، العائدين من سورية، أو الذين فشلوا في السفر إليها، يواجهون تهمة الانضمام لجماعات إرهابية؛ بعضهم من أبناء التيار الجهادي، وآخرون ممن لا توجد لهم أي سابقة جهادية، وآخرون حديثو عهد بالتدين، لكنّهم جميعاً يبحثون عن شيء ما، وجدوه في الأحضان الدافئة في النصرة وداعش، أكثر من أحضان أمهاتهم وأوطانهم!


 

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.