فرنسا... إجراءات أمنية استثنائيّة

فرنسا... إجراءات أمنية استثنائيّة

18 يناير 2015

حاجز أمني للجيش الفرنسي قرب باريس (9 يناير/2014/Getty)

+ الخط -
بعد الاعتداء الإرهابي الذي شهدته باريس، الأسبوع الماضي، بدأت الحكومة الفرنسية تطبيق تدابير أمنية صارمة، وإعداد إجراءات جديدة، مسّت حتى القوات المسلحة. ألحت الحكومة على ضرورة تبني إجراءات استثنائية لمحاربة الإرهاب، مع التشديد على ضرورة العمل بها في إطار دولة القانون وقيم الجمهورية الفرنسية. فبعد خمسة اجتماعات لدارسة الأزمة، عقد اجتماع أمني حول الأمن الداخلي، في قصر الإليزية، قصد تحديد منظومة متكاملة لوقاية الفرنسيين وحمايتهم، عقب الاعتداءات الأخيرة، شارك فيه الوزراء المعنيون، ومنهم وزير الدفاع، ومسؤولو الشرطة والدرك والاستخبارات.
ومن الإجراءات الأمنية التي تقررت إلى حد الآن: حماية المؤسسات اليهودية (مدارس، معابد)، حماية المواقع والمرافق العمومية الحساسة في المدن الفرنسية، تدعيم حضور رجال الأمن في محطات النقل المختلفة بما في ذلك المطارات، وتشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي، والمتابعة القضائية الفورية لأي تصريح تعتبره الحكومة تمجيداً أو دفاعاً عن الإرهاب. وقد فتح القضاء الفرنسي، إلى الآن، حوالي ستين قضية. وراسلت وزيرة العدل القضاة تطلب منهم الصرامة في الأحكام، في ما يتعلق بقضايا تمجيد الإرهاب. وعلى الرغم من أن بعضهم يرى أن فرنسا لا تحتاج "باتريوت أكت" على الطريقة الأميركية، فإن بعض الإجراءات قد يبدو أنها مستلهمة منه. وتعمل الحكومة، حالياً، على إعداد حزمة من الإجراءات الأمنية، منها تدعيم الأجهزة الأمنية والاستخبارات الداخلية، وكذلك المؤسسة القضائية والترسانة التشريعية المتعلقة بمحاربة الإرهاب، إنشاء أجنحة خاصة في السجون الفرنسية لجهاديين ومتطرفين إسلاميين، لعزلهم عن بقية المساجين، وقفاً لزحف الفكر الراديكالي داخل السجون، لأنه تأكد أن شباناً منحرفون يسجنون بسبب أعمال إجرامية بسيطة غالباً ما يصبحون متطرفين، بعد خروجهم من السجون التي تحولت، في السنوات الأخيرة، إلى مدرسة للتطرف. وفي ما يتعلق بالإنترنت، ينتظر أن يرفع وزير الداخلية اقتراحات لرئيس الحكومة بشأن كيفية تشديد الرقابة عليها، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي خصوصاً، والتي تقول الحكومة إنها أصبحت وسيلة للتلاعب بعقول الشباب وتجنيدهم وتمويلهم، للقيام بأعمال إرهابية. لذا، تريد إحكام الرقابة عليها والمتابعة القضائية الفورية والصارمة؛ تسعى الحكومة، بالتعاون مع شركائها الأوروبيين، إلى مراقبة حركة تنقل المواطنين الفرنسيين المشتبه فيهم، عندما يغادرون دول الاتحاد الأوروبي، لأن العناصر التي تلتحق بالتنظيمات الجهادية في المشرق، غالباً ما تسافر من بلدان أوروبية أخرى، باتجاه تركيا ثم سورية، متفادية الخروج مباشرةً من التراب الفرنسي، خوفاً من اعتقالها. وتصر فرنسا على التضامن الأوروبي، مطالبة شركاءها بمزيد من الدعم للعمليات العسكرية التي تقودها ضد التنظيمات الإرهابية في الساحل.

ولم تنسحب الإجراءات الأمنية الاستثنائية على الأجهزة الأمنية الداخلية والقضائية، بل تعدتها إلى الجيش، حيث أعلن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، يوم 14 من الشهر الجاري، أنه بالنظر إلى "الوضع الاستثنائي" الذي تعيشه فرنسا بسبب الاعتداءات الإرهابية، فإنه يتعيّن مراجعة وتكييف "وتيرة تخفيض" تعداد القوات المسلحة الفرنسية. للتذكير، حدّد قانون البرمجة العسكرية لعام 2013 "غلافاً" مالياً للجيش، قدره 190 مليار يورو للفترة 2014-2019، وإلغاء 34 ألف منصب في هذه السنوات الست. وعليه، من المنتظر أن تراجع الحكومة وتيرة تخفيض حجم القوات المسلحة في الأسابيع المقبلة، خصوصاً أن الجيش الفرنسي يقود عمليات في أفريقيا (مالي وأفريقيا الوسطى)، ويشارك في الائتلاف الدولي ضد داعش، وها هو اليوم مُطالب، أيضاً، بدعم أجهزة الأمن الداخلي لحماية المواطنين. وعموماً، ستستفيد الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة من الوضع الحالي، بزيادة إمكاناتها، بعد أن عملت الحكومات المتعاقبة، في السنوات الأخيرة، على تخفيض ميزانياتها، ما انعكس سلباً على أداء هذه الأجهزة، وبالتالي، على الأمن الداخلي الفرنسي. فنظراً لنقض الإمكانات المادية والبشرية، لم يكن في وسع المصالح الأمنية متابعة مراقبتها بعض المشتبه فيهم من المتطرفين، على الرغم من خطورتهم. فكل منفذي الاعتداءات الإرهابية في فرنسا، في السنوات الثلاث الأخيرة، كانوا معروفين لدى أجهزة الأمن، وعرفوا السجن، وخضعوا للمراقبة الأمنية قبل ذلك وبعده. لكن، توقفت الأجهزة الأمنية عن مراقبتهم، لكثرة مهامها وقلة إمكاناتها. وتفيد تقديرات أمنية بأنه لمراقبة كل متطرف واحد مشتبه فيه، قد يقوم بأعمال إرهابية، يتعيّن تعبئة حوالي 25 عميلاً من الاستخبارات، لأن مراقبة المشتبه فيه تقود رجال الاستخبارات، أيضاً، إلى مراقبة اتصالاته وأقاربه ومعارفه.
لن تكون كل هذه الإجراءات الأمنية الاستثنائية، بالضرورة، محل إجماع وطني، على الرغم من الإجماع حول ضرورة مكافحة الإرهاب بحزم. فبحكم طبيعتها الديمقراطية، من المتوقع أن تشهد فرنسا، في الأسابيع والأشهر المقبلة، نقاشات ساخنة حول مسألة التوفيق بين الحريات الفردية والإجراءات الأمنية، خصوصاً أن بعضهم بدأ يتساءل عن مخاطر انتهاك حرية التعبير، بدعوى الدفاع عنها، والانزلاق نحو تسيير أمني للمجتمع على الطريقة الأميركية، بعد عمليات "11 سبتمبر". وعندما تتضح معالم حزمة الإجراءات الأمنية، وسندها القانوني (النصوص التشريعية)، فإن الحكومة قد تجد نفسها في مواجهة مع المدافعين عن الحريات الفردية الذين يتخوفون، من الآن، من جمع معطيات ضخمة عن المواطنين، عبر أنظمة التنصّت، لا سيما الإلكتروني الذي تنوي الحكومة تدعيمه بشكل قوي.