اتّحدوا معنا يلعنكم الله!

اتّحدوا معنا يلعنكم الله!

08 يناير 2015

محمد بديع في إحدى جلسات محاكمته (6 ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

إذا كان أنصار عبدالفتاح السيسي واثقين من أن مصر ستصبح على يديه قدّ الدنيا، فلماذا يتصرفون بهذه الشراسة مع كل من يعارضه؟ ولماذا لا يوفرون مجهودهم للاستمتاع بالحياة في ظل قيادته؟ وإذا كان أنصار جماعة الإخوان واثقين من عودة "شرعيتهم" وترنح نظام السيسي، فلماذا يتصرفون بهذه العصبية مع كل من يذكّرهم بمسؤوليتهم عما وصلت إليه أحوالهم وأحوال البلاد؟ ببساطة إذا كان هؤلاء وأولئك واثقين من النصر المبين، فلماذا لا يوفرون طاقتهم للاحتفال به؟
تبدو العبارة المدرسية "صوتك العالي دليل على ضعف موقفك" صالحةً تماماً لتفسير حالة الهستيريا التي تنتاب أنصار الطرفين، مع اقتراب الذكرى الرابعة لثورة يناير. فبرغم كل ما قام به نظام السيسي من قتل واعتقالات وحملات تشويه ممنهجة لكل معارضيه، لا يزال يوم الثامن والعشرين من يناير يمثل له شبحاً قابلا للانبعاث. ولذلك، يفعل كل ما في وسعه، حتى يعبر ذكرى الثورة بسلام، ليثبت للقوى الدولية المانحة للمعونات أنه مسيطر على مقاليد الأمور. ولعل هذا ما جعله يعرض، قبل أسابيع، مبادرة صلح على جماعة الإخوان، تؤكد مصادر مطلعة أن مستشار السيسي للأمن القومي، أحمد جمال الدين، حملها إلى محمد بديع وخيرت الشاطر في محبسيهما، خصوصاً بعد أن ساد تصور بوجود رغبة إخوانية في التهدئة، بسبب الكلمة التي ألقاها بديع في محاكمته وامتدح فيها القضاء المصري، وطلب محمد مرسي عقد جلسة سرية تجمعه بقادة القوات المسلحة، بدلاً من استغلال الفرصة التي أتاحتها له المحكمة في الحديث مباشرة للرأي العام، وهو ما يفسر إجراءات تجميد أموال وممتلكات الإخوان، التي تم اتخاذها، في هذا التوقيت بالذات، وبعد فترة طويلة من احتدام الصراع، حيث جاءت رد فعل على فشل مبادرة الصلح.
يدرك أي قارئ للعقلية الإخوانية أن قادة الإخوان لن يستجيبوا لأي مبادرات للصلح أو للتهدئة، إلا بعد أن يفقدوا الأمل في انبعاث موجة ثورية قوية. وحتى يحدث ذلك، سيواصل الإخوان رفع سقف الخطابة ما استطاعوا، مستخدمين شعارات الهوية والمؤامرة العالمية والهجمة الصهيوصليبية، ولن يمانعوا في التضحية بمزيد من شبابهم، برغم إدراكهم أن نظام السيسي لن يتردد في مزيد من القمع الذي بات طريقه الوحيد للحفاظ على السلطة، وكيف لا؟، وهو يمتلك غطاءً شعبياً يتسامح مع جرائمه، برفع منطق "مش أحسن ما نبقى زي سورية والعراق"، الذي كان الإخوان أبرز من كرّسوه شعبياً منذ مذبحة ماسبيرو وما تلاها، حين ساهموا في تصوير كل من يطالب بحساب المتورطين في القتل، بوصفه يسعى إلى تنفيذ مؤامرة دولية ضد مصر وجيشها، قبل أن تدور الأيام، ويدفعوا حياتهم وحرياتهم ثمناً لذلك الاتهام، في ظلم دموي لا يمكن لأي صاحب ضمير وعقل أن يقبله. لكن، لا يمكن أبدا له، أيضا، أن ينسى دور الإخوان في صناعة المناخ المهيئ لهذا الظلم الفادح الذي لم يعد يخصهم وحدهم، بل أصبح يعم كل من يقف ضد إدارة السيسي الكارثية للبلاد.
كالعادة، لن يبدأ الإخوان الحكاية من "أولاً"، سيختارون بدايتها من "رابعة"، التي كانت مذبحة بشعة، لكن الطريق إليها بدأ، حين وافق الإخوان على تكريس منطق "نضحي بشوية ناس عشان البلد تعيش". ولذلك، لن ينجيهم من حتمية المراجعة والتغيير، رفعهم العصبي شعار "اتحدوا معنا أو ليلعنكم الله"، أو لجوؤهم إلى خدمات بعض الشتامين الذين لم يعد أمامهم إلا المراهنة على عودة الإخوان إلى الحكم، أو مواصلة التمسح في شعارات ثورة يناير، بعد أن ظهر جلياً أن صراعهم مع المؤسسة العسكرية لم يكن صراعاً من أجل تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل من أجل سيطرة تنظيمهم على السلطة، وهو صراع لم يمانعوا أن يسقط فيه ضحايا، أصبح مرسي يتحمل المسؤولية السياسية عن قتلهم، كما يتحمل السيسي وطنطاوي ومبارك المسؤولية السياسية عن قتل مواطنين لم يقتلوهم بأيديهم، بل بتشجيعهم الشرطة على التمادي في القتل من دون حساب ولا عقاب.
للأسف، محاطون نحن بالهستيريا من كل اتجاه، ومع أن الهستيريا قد تُشعر المُصابين بها بالراحة والقوة، خصوصاً إذا كانت مبنية على الشعارات الدينية والوطنية، لكنها حتماً لن تنقذ مصر التي لن يخرجها من مأساتها، إلا إدراك الغالبية العظمى من أبناء الشعب، عبر مزيد من التجارب، أن مصالحهم الشخصية المباشرة لن تتحقق إلا بإبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة، وابتعاد الشعارات الإسلامية عن العمل السياسي. وحتى يتحقق ذلك الحلم البعيد، سيتواصل خوض معارك مؤسفة، يسقط فيها شهداء جدد، وهم يطالبون بحقوق شهداء سابقين، سقطوا بدورهم وهم يطالبون بحقوق شهداء أسبق.
الصبر من عندك يا رب.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.