بعثة ليون الأممية ودورها الغامض في ليبيا

بعثة ليون الأممية ودورها الغامض في ليبيا

02 فبراير 2015

ليبيون يتظاهرون ضد بعثة ليون (11يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

على مدى الشهور الماضية، حاول رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، برناردينو ليون، وضع إطار للحوار السياسي بين الأطراف الليبية، بهدف إعادة توجيه المسار السياسي لتشكيل حكومة موحدة، والانتهاء من ثنائية الحكم بين طرابلس وبنغازي. غير أنه على الرغم من اندلاع الصراع المسلح في يوليو/ تموز 2014، ومرور خمسة أشهر على تعيين ليون، لم يحدث تطور في مسار الحوار الوطني، ما يثير سؤالاً بشأن العوامل التي تعوق سياسات البعثة الأممية لتسوية الصراع المسلح والأزمة السياسية في ليبيا.

أطراف الحوار
بدأ ليون في الترتيب لجولة الحوار السياسي في ليبيا، على أساس وقف إطلاق النار ومشاركة جميع الأطراف في الحوار، ولكن، عند تحديد المشاركين في الحوار، استقرت البعثة الدولية على تعريفهم بأعضاء مجلس النواب المعنيين بالأزمة الدستورية، وهو ترسيخ للتوجهات التي ترى أن مشكلة ليبيا تكمن في اعتبار مجلس النواب السلطة الدستورية الوحيدة في ليبيا. وهنا ظهرت مفاوضات غدامس (غرب ليبيا)، في 29 سبتمبر/ أيلول 2014، كحوار بين البرلمانيين، فيما توجد كيانات سياسية وعسكرية غير ممثلة في مجلس النواب، وتفاقمت الأزمة السياسية، نتيجة القرارات التي أصدرها مجلس النواب، وأحدثت انقسامات حزبية وقبلية.

وفي ظل تزايد الخلاف حول انعقاد الجولة الثانية في غدامس، أجرى ليون مشاورات لتوسيع المشاركين في الحوار، حيث وضع تصوراً يقوم على توسيع المشاركين في المحادثات، لتكوين مظلة سياسية واجتماعية، تعزز انعقاد المحادثات. وبينما كان تركيزه في غدامس على أن الحوار يقتصر على أعضاء مجلس النواب، فقد اتجه إلى إدخال أطراف جديدة. وفيما ظل وجود مجلس النواب طرفاً رئيسياً، شملت قائمة الأمم المتحدة للمشاركين في الحوار كلاً من: المؤتمر الوطني العام، رئيس لجنة الحوار الوطني، المجلس البلدي لمدينة مصراتة، بحيث تتنوّع القائمة من خمسة أعضاء من مجلس النواب، وعضوين من المؤتمر الوطني، بالإضافة إلى عضوين عن منظمات المجتمع المدني، ورئيس اللجنة التحضيرية للحوار وعضو من المجلس الوطني الانتقالي السابق، والرئيس السابق للمفوضية العليا للانتخابات. وتضمنت القائمة، أيضاً، أربعة أعضاء لم تتأكد مشاركتهم، انتظاراً لتحديد موقف المؤتمر من المشاركة في الحوار.

وعلى الرغم من أن هذه التركيبة تعكس التوسّع في نوعية المشاركين، فإنها تعاني من غموض في المعايير الدستورية والسياسية، فمن جهةٍ، ليس هناك من تفسير لتجنب البعثة الدولية قرار الدائرة الدستورية (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، بإبطال انتخابات المجلس، وإصرارها على وجوده طرفاً كسلطة دستورية. ومن جهة أخرى، لم يتضح معيار مشاركة بعض ممثلي المجتمع المدني، ما يزيد من احتمال إشاعة فوضى التمثيل السياسي، وتطلع كيانات كثيرة للمشاركة في الحوار. ولعلّ انفتاح المناقشات لضم بعض عمداء البلديات للحوار، يزيد من غموض معايير المشاركين في الحوارات التي تجري تحت رعاية الأمم المتحدة.

ووفق هذه التشكيلة، يمكن القول إن ليون تجاوز "إطار غدامس"، تحت واقع قرار الدائرة الدستورية وعدم تحقيق "الكرامة" لإنجاز سياسي أو عسكري، غير أن تصوراته قامت على إدخال أطراف جديدة للحوار السياسي. وباستمرار هذا النمط من الترتيبات، من المتوقع تزايد أطراف النزاع حول الشرعية السياسية، وبما يؤدي إلى إيجاد أطراف موازية لكل من مجلس النواب والمؤتمر، وهي حالة تعيد البلاد إلى الفترة اللاحقة لسقوط القذافي، ما يؤدي إلى إثارة الجدل حول مشروعية كل المؤسسات الانتقالية. ولعلّ طرح تصورات لنقل السلطة إلى مجلس يتكون من "عمداء البلديات"، يشكل بداية الانهيار لكل مقومات الفترة الانتقالية.


من غدامس إلى جنيف
ولدى الترتيب لإجراءات انعقاد جلسة الحوار، أعلنت البعثة الدولية تحديد جنيف مقراً للاجتماع، من دون انتظار لضمان مشاركة كل الأطراف. وهنا، أعلن المؤتمر أن اختيار جنيف لم يكن ضمن المشاورات التي جرت مع ليون، ولم توضح بيانات البعثة الدولية العوامل التي دفعت باتجاه نقل مفاوضات الجولة الثانية، "غدامس 2"، إلى خارج ليبيا. ولكن، بغض النظر عن توفر الظروف الأمنية، فثمة احتمال لتفسير اختيار برناردينو ليون جنيف، أن انعقادها في غدامس سوف يضفي شرعية دولية على المؤتمر الوطني والحكومة الموالية له.

ولعل النتيجة المباشرة لنقل الحوار خارج نطاق بلدان البحر المتوسط، تتمثل في قطع الطريق على مبادرة الجزائر، على الرغم من أنها تتيح فرصة لكل الأطراف في المشاركة، وارتفاع الضمانات بنجاح الحوار، كما اقتربت، أيضاً، من الحصول على تأييد إقليمي ودولي، كما أنها تختلف عن مسار بعثة الدعم في ليبيا، وخصوصاً في ما يتعلق باستيعاب مطالب كل الأطراف من دون تحيّزات مسبقة.


أجندة الحوار
منذ انعقاد الحوار في غدامس، اقتصر الحوار على استكمال مجلس النواب شكله الدستوري، وتأجيل النظر في ملفات الصراع السياسي الأخرى، ما يعكس انحسار رؤية الأمم المتحدة للمشكلات في ليبيا في الإقرار بالوضع القائم لمجلس طبرق، ودفع النواب المقاطعين إلى حضور جلساته، على الرغم من الخلاف الدستوري. فبالنظر إلى بيان بعثة الأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2014، يتضح أن هدف انعقاد جلسة الحوار الوطني اقتصر على تصحيح الوضع الدستوري لمجلس النواب، من خلال الحوار بين النواب المشاركين في اجتماعات "طبرق" والنواب المقاطعين للجلسات.

ويقوم هذا التوجه على فرضية أن اكتمال المجلس سوف يؤدي إلى استيعاب مطالب كل الأطراف في المؤسسة الدستورية، لكنه، في حقيقة الأمر، يضع تعريفاً ضيقاً للأزمة السياسية في ليبيا، حيث يعتبرها مشكلة تتعلق بالمجلس الذي تنحسر سلطته عن مناطق كثيرة في البلاد، كما يتجاهل أن الانتخابات جرت في ظل أزمة سياسية منعت الأحزاب من المشاركة بفاعلية، وفي ظل اندلاع صراع مسلح يضعف شرعيتها في التعبير عن اتجاهات المجتمع الليبي.

ولعل تحديد أجندة الحوار، منذ انعقاد جلسة غدامس، يوضح أن بعثة الأمم المتحدة تعمل على افتراض أن حل الأزمة السياسية يكون من خلال مجلس النواب، على الرغم من الإشكالات القانونية حوله، وتبنيه سياسات جهوية، ودون المستوى الوطني، ما يثير النقاش بشأن دعم البعثة الدولية سياسات تبدو مثيرة للصراع، كان منها التمييز بين الأطراف. فبينما سكتت عن تحركات ميليشيات خليفة حفتر (قبل تحالفها مع مجلس النواب)، فقد اعتبرت حركات منضوية تحت مظلة "فجر ليبيا" منظمات إرهابية، ما يكشف مدى انعكاس وظيفة البعثة الدولية، وتحولها من توفير الدعم للمرحلة الانتقالية إلى تبني سياسة تدخلية، تتجاوز القانون الوطني.

برناردينو ليون في طرابلس (11نوفمبر/2014/الأناضول)


حوار تحت القصف
ومع انعقاد جلسة الحوار في جنيف، لم تطالب الأمم المتحدة بوقف المعارك شرطاً لبدء المحادثات. وهناك احتمالان لتفسير هذه الجزئية، إما أن ليون يرى إجراء الحوار تحت ضغوط القصف الجوي، لأجل دفع المؤتمر إلى القبول بالمشاركة، أو أنه انهمك في التواصل مع كل الأطراف، من دون الاهتمام بوقف إطلاق النار، وهذا لا يعني وجود اتجاهات أخرى لتفسير إجراءات ليون لبدء الجلسة الأولى، من دون صدور قرار بوقف المعارك، على الرغم من اجتماعه مع حفتر وكل الأطراف الأخرى.

وعلى الرغم من تدارك فجر ليبيا و"الكرامة" إعلان وقف المعارك، فقد ظل تاثيره محدوداً على انعقاد جلسة حوار "جنيف"، فمن ناحية لم يصمد وقف إطلاق النار سوى يوم واحد. ومن ناحية أخرى، ظلت أجندة الحوار خالية من التصدي لاستهداف المنشآت النفطية، وإبعادها عن الصراع السياسي، ما شكل ضغوطاً على اجتماع "جنيف"، خصوصاً في ظل مطالبة المؤتمر الوطني بعقد الجلسات داخل ليبيا، واستمرار المعارك في كل البلاد.


تغيّر مسار البعثة الدولية
ولدى المقارنة بين مبادرة بعثة "الدعم الدولية" في يونيو/ حزيران 2014، ومبادرتها للحوار في 23 سبتمبر، يمكن ملاحظة وجود تغيّر في نظرتها إلى تسوية الأزمة في ليبيا. كانت مقترحات طارق متري شاملة لكل أطراف الأزمة، ولكل الملفات السياسية، ومنح فرص متكافئة لكل الأطراف، وتوسيع المشاركة لكل الأحزاب السياسية، وممثلي الكيانات العسكرية. ولهذا الغرض، وجّه الدعوة إلى 50 شخصية للتفاوض حول إحلال السلام في كل البلاد.

ومن جانب ليون، كان الغموض شديداً في صياغة مبادرة سياسية تتصدى للمشكلات القائمة، وخالصة من الانتقائية والتحيّزات المسبقة. وكان من الواضح أن انعقاد جلسة جنيف كان من دون جدول أعمال أو أهداف قابلة للتحقيق، فمقترحات كثيرة من ليون كانت جزئية، وغير واضحة الاتجاه.

وفي ما يتعلق بدور البعثة في ليبيا، فإنها اعتبرت مجلس النواب السلطة الشرعية، على الرغم من تشكيله في زخم الأزمات الدستورية والأمنية. فمنذ تشكيله شهد مشكلتين: الخلاف حول نقل السلطة من المؤتمر الوطني، وصدور قرار الدائرة الدستورية. ومن ثم، تلقي هذه التوجهات ظلالاً حول اتساق مواقف المنظمة الدولية في حل الصراع في ليبيا.

ولعل التغيّر في موقف البعثة الدولية، يثير الجدل حول سياسة الأمم المتحدة في حل الصراعات، ومدى نجاحها في الوصول إلى تسويات مرحلية أو دائمة. وفي التحليل الأخير، يمكن القول إن دور الأمم المتحدة في ليبيا يشهد تقلّباتٍ لا تراعي الواقع السياسي، ما يدفع باتجاه انخفاض سقف التوقعات بتسوية سلمية للأزمة وصعوبة حل الصراع، وهو ما يتمثل مع نتائج أخرى كثيرة، في بلدان أفريقيا وآسيا التي صارت تعيش أزمات مزمنة، بسبب تبني الأمم المتحدة سياسة تدخلية لا تراعي الواقع السياسي في تلك البلدن، وثمة احتمال أن يكون فشل الجلسة الأولى في "جنيف" مقدمة لمسار متعثّر وداعم للتوتر والفوضى السياسية. ويمكن القول إن طرح فكرة الاستعانة بقوة لحفظ السلام يعدّ امتداداً لمواقف برناردينو ليون لتدويل الأزمة، والركون إلى الخيارات المثيرة للخلافات، وتبنيه اتجاهات تفرض الوصاية على الدولة الليبية، على الرغم من أن دور البعثة في القرارين 2095 و2174 يقتصر على توفير الدعم للمؤسسات والرقابة على التسلح. لكن، يبدو أن سياسات ليون تقود ليبيا إلى العودة إلى نقطة البداية في 2011.

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .