مصر الرسميّة ونخبتها... إلى الخلف دُرّ

مصر الرسميّة ونخبتها... إلى الخلف دُرّ

13 يوليو 2014

نظرة فلسطيني إلى مصر في معبر رفح(Getty)

+ الخط -

شأن كل اختبار في المواجهة مع العدو الصهيوني، في الأربعين سنة الفائتة، يسقط النظام المصري، ومعه تسقط صنيعته من النخبة المُخلّقة في معامل أجهزة الاستخبارات والمباحث، سقوطاً يليق بهم جميعاً؛ في اللحظة نفسها التي تتجلى فيها شذرات الأغلبية الكاسحة من الشعب المصري، الذي يقاوم ليحتفظ بقدرٍ كبيرٍ من نقاء فطرته الإنسانية أولاً، ثم فطرته العروبية ثانياً؛ بغير ادّعاء ولا مزايدة.
والحال كذلك، لا ينبغي لعاقلٍ راشدٍ أن يُصدم، أو حتى يندهش، من الموقف الرسمي المصري (النظام ونخبته)؛ حتى وهو يتجاوز مرحلة "رد الفعل"، داخلاً مرحلة "الفعل" في العدوان الصهيوني المستعر منذ أيام على أرض فلسطين، المحتلة منها والمحررة المحاصرة؛ وهو فعل يصل إلى حد "التواطؤ والمشاركة"، وفق تقديرات منطقية لها وجاهة كثيرة، تشير إليها زيارة مدير مخابرات النظام المصري للكيان الصهيوني، قبل ساعات من بدء العدوان والقصف المجنون على غزة؛ ووفقاً لتقديراتٍ أخرى، لها وجاهتها ومنطقها أيضاً، فهو "فعل" لا يقل عن الصمت والترحيب والمباركة.
لم يكن قادة الكيان الصهيوني يعبثون، ولا يبالغون، ولا حتى يكذبون، على غير طبيعتهم، حين استغلوا نفوذهم الواسع في عواصم صنع القرار السياسي العالمية، ترويجاً وحشداً ودعماً للانقلاب العسكري في مصر، لاستعادة "الكنز الاستراتيجي"، المتمثل في امتداد دولة حسني مبارك، وعودتها إلى الحكم في مصر؛ فهم يدركون الثمن، ويعلمون جيداً ماذا تعني هذه العودة لهم.
من هنا، يبدو الانشغال بتطوير وسائل دحر الانقلاب في مصر أكثر نفعاً وجدوى من الانشغال بالتحليل والتنظير، و"ادعاء الدهشة" من الموقف الرسمي المصري ونخبته؛ فهؤلاء، باختصار، يسددون فاتورة الدعم والتأييد الصهيوني لانقلابهم. هم، باختصار، ليسوا أصحاب فضل على الصهاينة والمتصهينين؛ هم مدينون لا دائنين.
نفّذ هؤلاء، بأمر قائد الانقلاب العسكري، "إلى الخلف در". وليس بعيداً ضرب المفاعل النووي العراقي، بعد أيام من اجتماع أنور السادات ومناحيم بيغن في الإسماعيلية، ولا العدوان على غزة بعد ساعات من مؤتمر صحافي في القاهرة لأحمد أبو الغيط وتسيبي ليفني؛ فما الجديد، إذن، في عدوان وحشي على غزة، بعد ساعات من زيارة التهامي تل أبيب؟
أحسب أن التمسك الحقيقي بقضية جامعةٍ، يمثل واحداً من هذه الوسائل؛ بشرط ألا يقع في دائرة المزايدة والابتزاز؛ فقد استخدمت الأنظمة الرسمية العربية المستبدة قضية فلسطين، في استعباد البلاد والعباد نصف قرن، أو يزيد.
فلسطين القضية والصراع تعني الدفاع عن الحرية والكرامة الإنسانية والعيش الكريم؛ فهل ثمة فوارق بين قيمها والقيم الأساسية في ثورات الربيع العربي؟
إنها بحق "مسافة السكة".
في 30 مارس/ آذار الماضي، كتبت في "العربي الجديد" سطوراً، أحسب أن التذكير بها لن يضر:
  "من الأرض المقدسة؛ مد خطاً أو خطوطاً مستقيمة؛ وابتعد عن المنحنيات والدوائر، وما تشابه عليهم من خطوط متعرجة؛ ففي حالة الاستقامة فقط، ستعرف إلى أَي مدىً ستواجه ثورة الربيع العربي في كل قطر نوع التحديات وحجمها، وقابليتها للزيادة والتكثيف، أَو التوافق والمواءمة. وفّق موقفك، واستقامة خطك الممتد من هناك، حيث الأرض المقدسة، وحتى موطئ قدم كل ثورة، وكل ثائر، ستدرك هل العالم الذي يبيع لك "وهماً"، وادعاءات لا تتوقف عن احترامه حريات الشعوب في اختيار مَن يحكمها، ومتى، وكيف، مستعد فعلاً لاحترام ثوريتك وثورتك؛ وإن كان لا يوافقك التوجه، أَو أَنه سيحكم عليك، وفقاً لاستقامة الخط الممتد؟ هم لا ينكرون؛ ونحن نتطوع، ونبذل جهداً دؤوباً لكي نرفع عنهم حرجاً لا يشعرون به؛ وهم يقيسون تعاطفهم مع أيٍّ من الثورات العربية، وفقاً لمعيار أساس، هو القابلية للاعتراف بمغتصب الأرض المقدسة و"التطبيع" مع الكيان الصهيوني؛ أَو، على الأقل، التواطؤ و"الصهينة" عن جرائم إهلاك الحرث والنسل الفلسطيني".
 


 

50C80A35-B0FB-49CC-BE88-9A8FC8B80144
نزار قنديل
كاتب وصحافي مصري، مدير مكتب مصر ورئيس قسم المراسلين في موقع وصحيفة "العربي الجديد". عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والمصرية. يعرّف نفسه: كل لحظة تمر، بدون أن تكون لك كلمة حق وخير وجمال، هي وقت ضائع. كل لحظة لا تصمت فيها، إذا لم يكن لديك كلمة نافعة، هي ثرثرة ضارة. بعيداً عن الوقت الضائع، والثرثرة، أحاول أن أكتب. إن شئت فاقرأ ما تيسر من كتابتي.