هل أصبح العراق "ولاية بطيخ"؟

هل أصبح العراق "ولاية بطيخ"؟

10 ديسمبر 2014

هل نلوم العراقيين إذا وصفوا بلدهم بأنه "ولاية بطيخ"؟(Getty)

+ الخط -

سمعت عراقيين عديدين يطلقون على بلدهم وصف "ولاية بطيخ"، ورجعت إلى مصدر التسمية، فوجدت في إحدى حكايات الموروث الشعبي بائع بطيخ قدم إلى بغداد، ومعه سبع بطيخات لبيعها هناك، وكان كلما مر بسور من أسوارها الستة التي، بحسب الحكاية، كانت تحيط بها، استولى الحراس على واحدة من بطيخاته، وعندما وصل إلى المدينة، لم يبق لديه سوى واحدة، فقرر أن يشكو الأمر إلى الملك. وبعد سلسلة من المغامرات، استطاع مقابلة الملك الذي استولى على البطيخة السابعة، وأمر بسجنه. عندها، قال بائع البطيخ للملك: تأكدت، الآن، أن ولايتك، يا سيدي، هي ولاية بطيخ.

ومن "ولاية البطيخ" إلى "موسوعة غينيس" التي نعرف هواةً كثيرين مهووسين بمتابعتها، بدافع الاطلاع على الأرقام القياسية التي يسجلها بعضهم في حقول وميادين مختلفة، ولا نتوقع أن يكون رئيس وزراء العراق، حيدر العبادي، واحداً منهم، إذ ليس لديه الوقت الكافي، ربما حتى لمراجعة وتدقيق كل الملفات السوداء التي تركها وراءه سلفه، نوري المالكي، لكننا نعرف أن العبادي اكتشف، في الملفات القليلة التي راجعها، أرقاماً قياسية، يمكنه أن يضعها في عهدة "غينيس"، واحد منها ما كان أعلنه على الملأ، عن 50 ألفاً من الجنود الوهميين الذين لا وجود لهم إلا على الورق، وقدّر مختصون ما صرف عن رواتبهم ومخصصاتهم، وتكلفة إطعامهم وإكسائهم وتجهيزاتهم المفترضة بمليارات الدولارات.

فضيحة أكثر هولاً أفصحت عنها لصحيفة (العالم) العراقية عضو برلمانية عن "التحالف الشيعي" الحاكم، خلاصتها صرف مبالغ تصل قيمتها إلى ما يزيد على 248 مليار دولار، طوال السنوات العشر العجاف التي مرت، لشركات ومقاولين متواطئين مع مسؤولين في الدولة، على مشاريع وهمية لم تنفذ، هرب أبطالها بما حملته جيوبهم إلى خارج البلاد من دون أن يعترضهم أحد.

كثيرة هي الفضائح "القياسية" التي يمكن أن تدرج في هذا السياق: ما ذكره محافظ البنك المركزي عن اكتشاف عملية تهريب مليارات الدولارات، وواقعة اختفاء الأموال المخصصة للنازحين التي قيدت ضد "معلوم"، وآخرها، وليس أخيرها، إسدال الستار على ميزانية عام 2014، بعد اكتشاف اختفاء مليارات الدولارات.

وما دمنا في "ولاية البطيخ"، فثمة فضائح قياسية أخرى، في غير مجال المال والأعمال، فقد أحصت (الغارديان) البريطانية 65 ألف حادث تفجير في العراق، على مدى ست سنوات. وفي أقل تقدير، أودى كل منها بحياة ثلاثة عراقيين، فنحن أمام مئتي ألف قتيل، وإذا اعتبرنا أن عدد الجرحى ثلاثة أضعاف عدد القتلى، نكون أمام ستمائة ألف جريح ومعوق. وبالمناسبة، سجلت بعثة الأمم المتحدة في العراق مقتل وجرح 3660 عراقياً في شهر فقط، هو أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وأحاطنا رئيس مجلس محافظة بغداد بأن العاصمة العراقية وحدها تشهد 55 حادثة اختطاف وقتل أسبوعياً.

وفي مسلسل الاختطاف هذا، كان اكتشاف عصابة الكاظمية التي يديرها أبناء أخ وزير النقل الحالي، الخبر الأكثر إثارة لدى متتبعي أخبار "ولاية البطيخ"، خصوصاً بعدما عرف أن أفراد العصابة يعملون مرافقين للوزير نفسه، وقد أعادت هذه الفضيحة إلى ذاكرتنا المتعبة فضيحة نجل سلفه الذي منع طائرة لبنانية من الهبوط في مطار بغداد، وأجبرها على العودة من حيث أتت، لأنها أقلعت من دون أن تنتظره. وفي حينه، استحدث "موتورون" صفحة على "فيس بوك" حملت شعار "ابن الوزير وزير ونصف"!

هل تريد منا موسوعة "غينيس" أرقاماً فضائحية أكثر؟

من أرقام وزارة التخطيط أن نسبة الفقر في العراق ارتفعت عام 2014 إلى 30% من عدد السكان، ومن أرقام وزارة التربية أن عدد الأميين أكثر من ستة ملايين، ومن بعثة الأمم المتحدة في العراق أن عدد النازحين والمهجرين في داخل القطر بلغ مليونين ومائة ألف، ومن اللجنة البرلمانية المالية أن هناك 716 وكيل وزارة و4535 مديراً عاماً وجيشاً من المستشارين، يثقلون الميزانية العامة سنوياً بملايين الدولارات. وآخر الأرقام من تقرير منظمة الشفافية الدولية لهذا العام، أن العراق في قاع مؤشر الفساد، إذ حصل على درجة 16 من 100، ويحتاج إلى تغييرات جذرية في بناه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكي يمكنه اللحاق بحركة العالم!

هذا كله مُرّ. لكن، ما يزيدنا مرارة أنه، وسط هذه الكومة من الفضائح، ليس ثمة أحد من أفراد الطبقة السياسية الحاكمة من يشعر بالعار، ولا حتى بالخجل. إنه غياب الحس بالمسؤولية الأخلاقية، غياب النزاهة والشفافية، وغياب الأهلية لقيادة الدولة والمجتمع.

بعد هذا، هل نلوم العراقيين إذا ما وصفوا بلدهم بأنه "ولاية بطيخ"؟ 

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"